الروائية الايرلندية سالي روني لمثلها ترفع القبعات


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم //  مهدي مبارك عبد الله

بينما بعض الدول العربية مشغولة في خداع ووهم التطبيع مع الاحتلال البغيض وفى الوقت الذي يتسابق فيه بعض الكتاب والأدباء العرب إلى خطب ود دولة الصهيونية وتنقطع انفاسهم وهم يلهثون خلفها من أجل ترجمة أعمالهم إلى اللغة العبرية توهما منهم ان في ذلك بداية للشهرة والولوج إلى فضاءات العالمية سارت الروائية الايرلندية الشابة ( سالي روني ) البالغة من العمر 30 عام بعكس الاتجاه بعدما وجهت صفعة قوية لإسرائيل برفضها طلب دار نشر مودان الإسرائيلية ترجمة روايتها الأخيرة ( أيها العالم الجميل أين أنت ) إلى اللغة العبرية رغم ان اثنين من كتبها سبق أن ظهرا بالعبرية قبل هبة الشعب الفلسطيني في الربيع المنصرم

رواية روني الجديدة تناولت العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية مثل عدم المساواة والطبقات الاجتماعية والرأسمالية وقد تصدرت قائمة الكتب الأكثر انتشارًا في بريطانيا وايرلندا لشهر ايلول 2021 حيث بيعت أكثر من 40.000 نسخة في الأيام الخمسة الأولى من إصدارها كما حصلت روني على اربعة جوائز أدبية في بريطانيا منها جائزة الكاتب الشاب السنوية من صحيفة صنداي تايمز عام 2017 وجائزة كوستا للكتاب عام 2018

وقد أثار رفضها ردود افعال متباينة بين التضامن معها واتهامها بمعاداة السامية وعدم احترام الهوية القومية اليهودية لتصبح بعدها هدف مباشر لانتقادات وإرهاب الجمعيات والمنظمات ومناصرو الحركة الصهيونية ولهذا قامت مكتبات ( ستمتزكي ) الأكبر في إسرائيل بحذف أعمالها من موقعها وتوقفت عن تسويق رواياتها

في المقابل لاقى قرار الكاتبة الايرلندية ترحيبا من قبل الجماعات الرافضة للتمييز العنصري والمؤيدة للحقوق الفلسطينية المشروعة اضافة الى اهتمامًا فلسطينيًا واسعا بأعمالها ومواقفها

كما عبرت منظمة الصوت اليهودي من أجل سلام عادل – إيرلندا في تغريدة لها على تويتر عن تضامنها مع الكاتبة حيث قالت فيها بصفتنا جالية متنامية من اليهود في إيرلندا الذين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي فإننا نظهر تضامننا مع قرار روني للضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي

الكاتبة روني تعتبر واحدة من أشهر الكاتبات الشابات في العالم وقد أعلنت اكثر من مرة وبصراحة تامة عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني في نضاله المستمر من أجل الحرية والعدالة والمساواة وقد عللت سبب رفضها ترجمة روايتها بكون نظام الهيمنة والتمييز الذى تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين يتوافق مع تعريف الفصل العنصري ( الأبارتهايد ) بموجب مفهوم القانون الدولي

وهو ما جعلها تشعر أنه من الصواب عدم قبول عقد نشر وبيع حقوق الترجمة لشركة إسرائيلية لا تنأى بنفسها علانية عن التعامل مع نظام الفصل العنصري الصهيوني ولا تقف الى جانب حقوق الشعب الفلسطيني التي نصت عليها الأمم المتحدة ولم تقف الكاتبة الشجاعة عند هذا الحد بل طالبت ايضا بإنهاء الدعم الذى تقدمه القوى العالمية لإسرائيل وجيشها وفضح جرائمها

حيث دعت روني إلى استمرار حركة المقاطعة للكيان الصهيوني وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الشركات والمؤسسات المتواطئة معه رداً على نظام الفصل العنصري وغيره من الانتهاكات ت الجسيمة لحقوق الإنسان ووجوب التعامل معها وفقا لنموذج المقاطعة الاقتصادية والثقافية التي ساعدت على إنهاء عهد نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا

برفض روني نشر ترجمة روايتها في إسرائيل تلتحق بأسماء أُخرى سبقتها إلى الخطوة نفسها مثل الكاتبة الأميركية البارزة الحائزة جائزة بوليتزر ( أليس ووكر ) وقد حازت خطوتها هذه على ومؤازرة 70 من كبار الكتاب والناشرين والمؤلفين امثال كاميلا شمسي ومونيكا علي وتشاينا مييفيل وكيفن باري وراشيل كوشنر وجيف داير وبانكاج ميشرا وكارمن كاليل وأهداف سويف الذين وصفوا رفضها بأنه ( رد نموذجي على الظلم المتزايد الذي يلحق بالفلسطينيين )

هذا الموقف النبيل وهذه الكلمات الصادقة التي صرحت بها الكاتبة المبدعة روني وبدون خوف أو وجل ليست جديدة عليها ولا هي بالمصادفة العابرة بل هي استمرار منطقي لموقفها المعلن في شهر أيار الماضي حين وقعت الى جانب آلاف من الكتاب والفنانين العالميين على بيان يدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه ويدين دولة الاحتلال وسياساتها الاستيطانية ويطالب صراحةً وعلانيةً بعزلها وإنهاء الدعم الدولي لها والضغط عليها للامتثال للقانون الدولي والوقف الفوري وغير المشروط لعنفها ضد الفلسطينيين

ما يدعو للآمل والتفاؤل هنا هو أن سالي روني تقوم بخطواتها وهي ما تزال في مقتبل العمر وهو ما يؤكد بأن نضال ومساعي الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية والاقليمية تجد آذاناً صاغية لدى الجيل الجديد الذي تحاول إسرائيل بكل ما في وسعها تضليله بسردية تاريخها المزيف والذي يختلف كليا عن تاريخها الحقيقي الاجرامي الاسود والمعيب

معلوم أن الوقوف إلى جانب فلسطين يمثل جزءً من الثقافة الايرلندية العامة وهو تقليد قديم يعود لعقود طويلة من التعاطف مع القضية الفلسطينية وأن صراعهم التاريخي ضد الاحتلال الانجليزي لأراضيهم وممارساته ضدهم تشبه الى حد بعيد ممارسات الصهاينة مع الفلسطينيين وأن تحالف الإنجليز مع العصابات الصهيونية أدى إلى معرفة الايرلنديين حقيقة الصراع في الشرق الأوسط وهذا جزء من الاسباب التي دفعت الروائية الايرلندية سالي روني لرفض ترجمة روايتها للعبرية حيث كان بمقدورها ان توافق وتزيد مبيعات كتابها وتكسب المزيد من الارباح

الا ان ايمانها بعدالة القضية الفلسطينية ومظلومية الفلسطينيين كان اقوى ولهذا لم ترفض وتصمت ولم ترفض وتتحجج باسباب بعيدة عن الحقيقة هربا من الازمات والمشاكل بل قالت بكل جراءة ( إنها رفضت طلب ناشر إسرائيلي ترجمة روايتها الأخيرة إلى العبرية كجزء من مقاطعة ثقافية على أساس معاملة إسرائيل العنصرية للفلسطينيين

يذكر انه في وقت سابق من هذا العام اتخذ روجر ووترز المؤسس المشارك لـ Pink Floyd والمغنية وكاتبة الأغاني باتي سميث موقفًا مشابهًا لروني حيث انضما إلى أكثر من 600 موسيقي في توقيع خطاب مفتوح يشجع الفنانين على مقاطعة العروض في المؤسسات الثقافية الإسرائيلية من أجل دعم الشعب الفلسطيني وحقه الإنساني في الكرامة والسيادة والحرية

في ذات السياق دعا العديد من النشطاء والناشرين العرب إلى دعم روني بشراء حق اعمالها وترجمتها الى لغتنا العربية لقيمتها الأدبية الكبيرة خاصة وان ادوات الصهيونية العالمية تبذل كل جهودها الممكنة للتعتيم على مواقفها وابداعاتها

ما فعلته الايرلندية روني كرد فعل نموذجي على المظالم المتزايدة التي تلحَق بالفلسطينيين يقع ضمن الالتزام الأخلاقي الواضح في تعبيرها عن حقها ورأيها وقناعاتها برفض العنصرية الصهيونية ليمثل ذلك درسا عميق المعاني والدلالات للمطبعين العرب الذين يخطبون رضى دولة الاحتلال ليلا ونهارا هؤلاء المنفصلين عن نبض الشارع العربي الذى لو تلمسوه وقرأوه لأدركوا أن شعوبنا الحية لا تقبل أي تقارب من أي نوع مع دولة الاحتلال الصهيوني

كل الفخار والاعتزاز من كل عربي حر ونبيل بالروائية الايرلندية العظيمة سالي روني التي ترجمت روايتها ( أناس عاديون ) لـ 46 لغة في حين رفضت ترجمة روايتها الأخيرة ( العالم الجميل أين أنت ) إلى العبرية وكأنها تبشرنا بانه لا يزال في العالم شرفاء يمنحوننا بعض الأمل واننا من هذا الموقف العظيم ندعوا الجميع الى دعمها ومواجهة أي استهداف او ترهيب بحقها فضلا عن شراء روايتها بعد ترجمتها الي اللغة العربية

سالي رون اليسارية المثقفة ستبقى صوت مدوي يعلو في زمن الصمت والخوف والخضوع والخنوع والرياء والتملق والانبطاح والتزلف يأبى إلا ان يسمع كلمة الحق وينتصر للإنسان الفلسطيني الحالم والباحث عن الحرية والوطن وينتصر لوعيه وثقافته ويقول للقاهر الصهيوني بهيئاته المختلفة ارفع يدك عن المقهورين الصامدين فان لهم الحق في الكرامة والحياة الأفضل والغد الأجمل إنها بفكرها وجراءتها غدت نورا يضيء للمجتمعات والأفراد دروبا رشيدة في المجالات الفكرية والتربوية والثقافية والسياسية والاجتماعية وهي تستحق منا الاشادة والمكافأة والتكريم والتقدير

الف مليار تحيه لهذه الكاتبة الشجاعة الأبية ولشعبها الايرلندي الحر والخزي والعار والذل والمهانة للمطبعين العرب الذين تواطؤ في الماضي والحاضر مع الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني وممارساته الاجرامية وتركوه يتقطع تحت عجلة المحتل بدل ان يدعموا ويعززوا سبل المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل والتضامن مع نضاله ومقاومته من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة والخلاص لشعب اعزل لا زال يرزح تحت ويلات نظام الفصل العنصري والاضطهاد الانساني

ايها الوطنيون الأغيار والعروبيون الشرفاء والمسلمون المخلصون واحرار العالم الاوفياء الدنيا تغيرت والاحوال تبدلت فاذا ( رأيتم للأقزام ظلا طويلا يتمدد فأعلموا ان الشمس في طريقها للمغيب ) ودمتم بخيرmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.