الصحافة في يوم حريتها الخوف يمتد والقيد يشتد


مهدي مبارك عبدالله


بقلم / مهدي مبارك عبد الله

في البدء ومع انطلاق الاحتفالات العالمية بيوم حرية الصحافة الذي يصادف يوم الثالث أيار من كل عام كموعد لتكريس المبادئ الأساسية لحرية الصحافة وتقييم حرية الصحافة في العالم وحماية وسائل الإعلام من التعدي على مسيرتها واستقلالها وتكريم الصحافيين الذين فقدوا حياتهم اثناء ممارسة مهنتهم فأننا نقدم تهانينا الصادقة لكل الصحفيين والكتاب والإعلاميين وبهذه المناسبة يجدر بنا ان نقول حقا انه رغم كل محاولات تشديد القبضة على الصحافة المحلية من قبل من ضاقت ( عقولهم قبل صدورهم بحرية الكلمة والموقف ) بفرضهم القيود المنظمة والحواجز المعطلة وصولا الى حبس الصحفيين والكتاب والمدونين وحتى المعلقين ليكون هذا اليوم من كل عام بمثابة الضمير الذي يذكر الحكومات بتعهداتها المهمشة والتزاماتها المغيبة باحترام حرية الصحافة وكذلك اعلام المواطنين بالمعلومات الدقيقة والموثقة عن الانتهاكات والممارسات السلبية المرفوضة اتجاه الصحفيين في كل وقت وزمان

والتي لا تخدم حرية الرأي والتعبير ورغم كل ذلك وغيره الكثير استطاعت صحافتنا المحلية أن ترتقي وتتميز مهنيا وتتفاعل مع الكثير من القضايا والاحداث التي تهم الوطن والمواطن وهي تمارس دورها الرقابي في إطار القانون والمسؤولية الوطنية وقد ان الأوان لنعزز هذا الدور بقانون حضاري ومستنير ومتطور لتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم والمصالحة العامة والتسامح والتعددية كأدوات حضارية ومتقدمة لإدارة أزماتنا الوطنية دون نفي الآخر او سوء الظن أو القفز على الشرعية والدستور والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة وكما ينبغي مع ذلك ضرورة تمكين جميع الجهات الحكومية والأهلية للصحفيين من أداء مهامهم والحصول على المعلومات بيسر وسهولة وتشجيع الإعلام الحر المستقل والمتنوع سواء المطبوع أو المنشور عبر الإنترنت فالصحفيون والإعلاميون يقدمون لعامة الناس معلومات واراء وحقائق وافكار حيوية لتوسيع مداركهم ونظرتهم للعالم والمساعدة في تحقيق المساءلة الادبية والقانونية للأفراد والمؤسسات

في هذا اليوم العالمي للصحافة نستذكر انه في عشرات البلدان حول العالم تمارَس الرقابة على المنشورات وتفرض عليها الغرامات ويعلّق صدورها وتغلَق دور النشر بينما يلقى الصحافيون والمحررون والناشرون ألوانا من المضايقات والاعتداءات والاعتقالات وحتى الاغتيال في العديد من الحالات وما يتطلب ضرورة حماية الطواقم الصحفية من المضايقات ومقارعة سياسة الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم بحقهم

وهذا اليوم أيضا مناسبة لوقفة تقييم صادقة ومراجعة مع النفس من قبل الصحفيين والعاملين في سائل الإعلام المختلفة حول ( أخلاقيات المهنة وضوابط ممارستها ) والعمل بجدية لإعلاء سقف الحرية الصحفية دون التجاوز على حقوق الناس وشؤونهم الشخصية حتى يتحقق الحلم بإيجاد حرية صحفية مسؤولة وما لم ( يعترف الصحفيون ) بان هناك تجاوزات واخطاء في الاداء الصحفي فستبقى حجتنا في المناداة برفع سقف الحريات الصحفية ضعيفة وغير مقبولة في الوقت الذي تستخدم بعض الصحف والمواقع الالكترونية منابرها الاعلامية للهجوم الشخصي على الناس وبعضها الآخر ينشر معلومات دون التحقق منها وتوزع التهم جزافا وعندما يثبت عدم صحة هذه المعلومات فأنها لا تعتذر كما تقوم صحف ومواقع اخرى بإساءة استعمال صلاحياتها بالضغط على المسؤولين ورجال الاعمال والمستثمرين والمؤسسات لتحقيق اهداف معينة وبعض الصحفيين والكتاب يعتقدون ان منابرهم الصحفية تجعلهم فوق النقد والقانون والمسائلة والمحاسبة

لا زلنا في الاردن وبشكل لافت نعاني من عدم فهم بعض المسؤولين لدور الصحافة الحقيقي والحيوي كما هو في النظم الديموقراطية الحديثة بانها تعتبر المقدمة لباقي الحريات الأخرى وأي انتهاك لها يشكل انتهاكاً لتلك الحريات وأن الاعلام أصبح قوة تغيير حقيقية وأنه ليس من المقبول بقاء الحريات رهناً بالتدخلات والضغوطات والانتهاكات وانه من حق الصحفي ان يثير كل الاسئلة والمواضيع في اطار موضوعي وأن يناقش بجرأة وأن يختلف مع اداء شاغلي المواقع العامة في الامور المتعلقة بأدائهم لوظائفهم ( الصحافيون ليسوا حملة مباخر ) ولا هم ابواق مأجورة أو اقلام مدسوسة كما انه ليس مطلوبا منهم ان يغدقوا المديح والثناء صبح ومساء على المسؤولين وان يتغنوا فقط بالإيجابيات رغم وجاهة هذا الكلام ظاهريا لان دور الصحافة الحقيقي يكمن في التركيز على نقاط الضعف حتى يتم علاجها والاشارة الى مواطن الخلل ليصار الى اصلاحها. أما اذا قام مسؤول بإنجاز ما كلف به من عمل فهذا ليس خبرا وهو واجبه اولا ثم انه يتقاضى راتب للقيام بالمهام الموكلة اليه

الحكم الرشيد لا يتعارض مطلقا مع حرية الصحافة في ظل سيادة القانون وهما يدعمان بعضهما البعض والحكومة المنفتحة والمسؤولة تعتبر الشفافية والصحافة ركناً أساسياً ورديفا قويا في مسيرة البناء والتنمية الاقتصادية والبشرية وسياسة التمكين وكم نحن بحاجة اليوم الى جملة من التطورات على مستويات التشريع والحريات في مجال الصحافة باعتبارها رافداً مهماً من روافد مشروع جلالة الملك الإصلاحي والبعد التام عن اساليب الملاحقة والترهيب والسجن التعسفي والتي زادت وتيرتها ترتفع مع فرض قانون الدفاع وضرورة التعامل مع أي انتهاكات أو اخطاء صحفية قد تحدث بشكل صحيح ووفقا لأحكام الدستور والقوانين

في أكثر من مرة ضربت ( المبادئ الأساسية لحرية الصحافة ) من دون أدنى اهتمام أو اعتبار للمواثيق والأعراف الدولية الموقع عليها الاردن والضامنة لحرية الصحافة حيث كانت دائما الاتهامات الباطلة بانتهاك القوانين الجائرة معدة سلف وقد تم استعمال ادوات القمع المتصاعدة ووسائل العنف الجسدي المؤلمة والمعنوي المؤثرة وهي بعض من ( ضرائب الكلمة الحرة ) التي يدفعها الصحفيون عوضا عن ان يعيشوا بأمان وسلام في بيئة صحية ومستقرة تتمتع بالحماية والتقدير والاحترام وبعيدة عن والملاحقة والتهديد والاخطار ( أي شخص يتحدى الرواية الرسمية او يعبر عن وجهة نظر خاصة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي يعاقب بشدة ) وبهذا يجب ألا يصبح التعصب وكراهية الأصوات المستقلة واستخدام العنف وتكميم الافواه لجميع من يتبنون آراء مختلفة أمرًا مقبولًا اجتماعيًا واخلاقيا في بلدنا أو غيره

ومع حلول ذكرى هذا اليوم المجيد ندعوا الى السماح للصحفيين العمل بحرية في سياق المسؤولية الوطنية كي يقوموا بدورهم وواجبهم ورسالتهم السامية بعيداً عن أية حسابات ومتابعات والمطالبة أيضا بوقف الاعتقالات والكف عن تطبيق المواد الفضفاضة للغاية في قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون منع الإرهاب والتي تستخدم باستمرار بدون حق لتقييد حق الأردنيين في حرية التعبير كما ينبغي أن يشمل ذلك الإلغاء الكلي للمادة 3 (ب) من قانون منع الإرهاب وعل الأردن ( أن يكترث للإضرار التي تمس بمكانته على الساحة الدولية ) من خلال هذه الملاحقات المسيسة اضافة الى المناداة بوقف التدابير التعسفية المتعلقة بأوامر منع النشر والتأكد ( من أنها تقتصر بوضوح على محتوى التحقيقات ) وعدم استخدامها كذريعة لمنع النقاش العام حول القضايا الحساسة وانهاء سياسة وقف التصاريح الإعلامية لإسكات الصحفيين ومنع تغطيتهم للأحداث الساخنة مثل ( المظاهرات والاحتجاجات ) وغيرها

من المعلوم جيدا بان السياسات القمعية وتقييد حرية الراي والتعبير ومنع بعض الصحفيين من الكتابة بسبب آرائهم السياسية وأفكارهم الإصلاحية بموجب قانون الجرائم الإلكترونية سيء الذكر لن تحل مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية الكثيرة وبذات الوقت لن تحمي الوطن من اعدائه ومن الاخطار المحدقة به في الداخل والخارج كما انه ليس بالضرورة في عصر الفضاء المفتوح ان ( يخرج كل الحديث من فم الحكومة وحدها ) الأمر الذي يستوجب السير بخطوات حكومية جادة الى الأمام تكفل حرية الرأي والرأي الآخر وتفتح الإعلام الوطني لكل وجهات النظر من غير إقصاء أو تهميش أو إهمال لأي رأي أو وجهة نظر أو موقف

والأهم في السياق ضرورة مراجعة جميع التشريعات الخاصة بالشأن الاعلامي وتنقيتها من أي عقوبات سالبة للحرية وأي نصوص تحد من الحريات أو تشكل سبباً في تقييدها او تحد من فعالية الإعلام وتفاعله الموضوعي مع الأحداث والتطورات وأن تشمل مراجعة التشريعات ضمان سرعة انسياب المعلومة دون قيود وعدم حجبها وتعزيز استقلالية مؤسسات الاعلام في قراراتها الادارية والتحريرية وتوفير الحماية اللازمة للصحفيين وتمكينهم من ممارسة عملهم على أكمل وجه ووضع البرنامج ( التنفيذي للاستراتيجية الوطنية للإعلام ) حيز التنفيذ وعدم التلكؤ في تطبيقه فضلا عن تعزيز دور السلطة الرابعة وحماية منظومة الإعلام وتطوير القوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وتدعيم المصارحة والشفافية وصون الحريات على مختلف الأصعدة والانفتاح على الإعلام للوصول إلى نظام عصري وديمقراطي تعددي بدلا من الانشغال بتغليظ العقوبات على مرتكبيها وعمليات المراقبة

الصحافة الوطنية المسؤولة ركزت دائما على صياغة خطاب إعلامي حر وجريء يستند في جوهره إلى قواعد القانون الدولي ومبادئ حرية النشر والفكر إضافة إلى دوره القائم على الرقابة والمساءلة والإصلاح الداخلي والبحث والتحليل ومهمته في فضح مواقع الخلل والتجاوزات والفساد ولهذا من الضروري جدا ان يتمتع المسؤول بسعة الصدر وادراك ان الصحافة عندما تنتقد اداءه فأنها تقوم بواجبها وليس مطلوبا منها ان تتفق معه في كل شيء فهي صوت الناس ومن حقها ان ترفع عقيرتها بالنقد الموضوعي والشكوى الصريحة والصادقة

وقبل الختام وفي هذا اليوم ورغم تراجع الأردن بواقع مرتبة واحدة بحسب مؤشر حرية الصحافة لعام 2021 ضمن 180 دولة في العالم فإننا نشيد بفخر واعتزاز بجهود العديد من الصحفيين الاردنيين في تغطية الأحداث وتقصي الحقائق واستقصائها وإيصالها بمصداقية وشجاعة ومهنية وخصوصا في هذا الوقت العصيب الذي يتعرض له الوطن للدسائس والفتن وهم يقفون صامدين أمام محاولات القوى الشعبوية ومؤامرات المتربصين وخطر وباء يتفشى بشراسة ويهدد البشرية جمعاء

بقي ان نقول إن التجربة والخبرة الطويلة التي اكتسبها العمل الصحفي في الاردن بعطاءات أجيال من السابقين واللاحقين ستقف أمام أي محاولة قد تنال من وحدة وتماسك شعبنا والتفافه حول قيادته الهاشمية خاصة وأن الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة لا يعني سوى تجديد العهد بمواصلة أداء الرسالة التي أوفى بها من نذروا أنفسهم لصون وحماية البلاد وشعبها وقيادتها عبر الكلمة الأمينة والصوت الشجاع والموقف الحر المعبر عن صدق الوفاء وعظيم الولاء والانتماء للوطن والشعب والملك

mahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.