الضفة الغربية بركان فلسطين الذي بدأ ينشط


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم /  مهدي مبارك عبد الله

لم تعد حكاية إسرائيل الامنة مقنعه بالمطلق ولم يعد مواطنوها يشعرون بالأمان والاطمئنان في شوارعهم ومركباتهم ومستوطناتهم خاصة بعد أن ضرب مقاومون فلسطينيون عمقها ثلاثة منهم جاؤوا بكل جرأة وإقدام من الضفة الغربية بعدما اخترقوا خطة الاحتلال الأمنية التي أطلق عليها ( كاسر الأمواج )حيث تجاوزوا كل حواجزه وإجراءاته الأمنية ووصلوا إلى أهدافهم في بئر السبع والخضيرة وبني براك ومدينة تل أبيب نفسها فيما نجح منفذ هجوم ديزينغوف في الصمود 9 ساعات متواصلة في مواجهة حملة أمنية غير مسبوقة بتاريخ الكيان استدعى فيها الاحتلال نخبة فرقه الأمنية العاملة في جيشه بالضفة الغربية لتتبعه ومحاولة القبض عليه

في المرحلة الأخيرة برزت عناصر جديدة في مجريات الصراع كانت ضامرة أو غير واضحة في السابق أهمها النهوض والصعود القوي لإرادة المقاومة في الضفة المحتلة وتجددها في القدس لتضرب بذلك الخطة التي قادها الجنرال الأمريكي كيث دايتون عام 2005 لتصفية المقاومة الفلسطينية من خلال خطة تدريب وتأهيل مركَزة لأجهزة السلطة الأمنية لتكون قادرة على ملاحقة المقاومين وإحباط عملياتهم

الضفة الغربية المحتلة شهدت على مدى 10 سنوات تزايد لعمليات المقاومة قبل أن تتصدر موجات الهبات الشعبية والعمليات الفردية بدأ من عام 2015 المشهد في القدس لتصل إلى قمة عنفوانها في عام 2022 بعد استعادة معظم تنظيمات المقاومة عافيتها وجهوزيتها التدريبية والتسليحية حيث تشير العمليات الفدائية الأخيرة وما أعقبها من مواجهات عنيفة في عدد من مدن الضفة وعلى رأسها جنين إلى اتساع حجم المشاركة الشعبية في التصدي للاقتحامات الإسرائيلية وخصوصاً من فئة الشباب دون الثلاثين من العمر

الجيل الجديد المتحمس والمندفع الذي يقود المواجهات الآن لم يعايش مرحلة الضغط الأمني بعد حملة السور الواقي الإسرائيلية في 2002 حيث تشكل وعيه في سنوات تراجع دور السلطة الفلسطينية وانتهاء عملية التسوية السياسية مع تواصل تطرف المستوطنين في الأراضي المحتلة وتعاظم بطش قوات الاحتلال الأمر الذي عزز دوافعهم للمواجهة مع المحتلين دون اكتراث بالسلطة التي بات الشباب ينظر إليها كعائق أمام المقاومة ولذلك كما شاهدنا كانت جرأة الفلسطينيين في التصدي لقوات الاحتلال كبيرة وملموسة واستعداداتهم للتضحية بأنفسهم بشجاعة عالية جدا في سبيل قضيتهم ووطنهم ودون أي احتساب لتداعيات الاعتقال او مقومات الموت

وهو ما تحدث عنه المراسل العسكري الصهيوني أور هلير للقناة العبرية العاشرة بعد أن رافق قوات الاحتلال في عملية اقتحام جنين في يوم 9 / 4 / 2022 حينما قال لم أصدق أن أكثر من 1000 شاب يلقون الحجارة والحارقات ويهتفون ضدنا وأن أحد الفتية ضرب باب الجيب العسكري وقال افتح افتح وبيده حجر واضاف غريب جداً هذا الجيل لا يخاف أبداً رغم إصابة سبعة منهم بالرصاص الحي وكثرة الجنود والاليات المسلحة وأكثر من 50 دورية حيث دخلنا نحن في رعب ولم نتمكن من ارعابهمبعد الاقتحام الإسرائيلي الأخير للمسجد الأقصى نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لشبان يبتسمون أثناء نقلهم في باص اعتقال في القدس فيما انتشر فيديو آخر لشبان يتسابقون في دفع أجرة التاكسي الذي هو في الحقيقة سيارة شرطة إسرائيلية تعتقلهم في دلالة على استهتارهم الواضح بقوات الاحتلال وجراءتهم غير المعهودة على غطرسة المحتلين

الكاتب والخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان قال في مقاله له بشرت في صحيفة ميدل إيست آي في 31/12/2021 إن الخطر الأكبر الذي ينبغي لإسرائيل التنبه له لن يكون قادماً من إيران بل من الضفة الغربية وحاراتها وشوارعها ازقتها وفتيانها

هبات القدس منذ انتفاضة السكاكين في العامين 2015 و2016 وما سبقها شكلت ولا تزال إلهاماً كبيراً للمقاومة في الضفة وغزة ليس بسبب ما تتمتع به المدينة من مكانة مقدسة فقط وإنما أيضاً بسبب تضحيات أبنائها البطولية لمنع تدنيس المسجد الأقصى ومواجهة كل محاولات تقسيمه وتهويدهحيث نجحت هبة باب الأسباط عام 2017 في إجبار الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعها لتفتيش الفلسطينيين فيما تمكنت هبة باب الرحمة في شباط عام 2019 من إعادة فتحه والصلاة فيه وفي 13 نيسان عام 2021 اندلعت هبة باب العامود التي تمخضت عن اجبار الاحتلال إلى إزالة السواتر الحديدية التي نصبها بشكل استفزازي امام عبور المصلين

كما أسفر تصدي الفلسطينيين البطولي لاقتحام جماعة المعبد اليهودية المتطرفة للمسجد الأقصى في 28 رمضان عام 2021 عن ارتقاء عدد من الشهداء ومئات الجرحى الأمر الذي دفع المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة إلى التدخل في ما عرف بمعركة سيف القدس التي أجبرت الاحتلال على التراجع عن جميع مخططاته في القدس وأكدت التلاحم التاريخي للشعب الفلسطيني وعززت دور القدس في الصراع وشحذت بقوةٍ الإرادة الشعبية الفلسطينية للتصدي للاحتلالمعركة سيف القدس حققت حالة ردع للاحتلال أسفرت مؤخراً عن اضطراره إلى منع المستوطنين من ذبح القرابين في المسجد الأقصى بمناسبة ما يسمى عيد الفصح اليهودي وذلك بعد تهديدات المقاومة في غزة

رغم أن كل المدن الفلسطينية تشارك في مقاومة المحتل فإن جنين قدمت نموذجاً متميزاً ومتقدماً وكانت صنو غزة في المقاومة حيث تصدى مقاتلو الفصائل وعلى رأسهم مقاتلو الجهاد الإسلامي في وضح النهار لقوات الاحتلال فيما شكّل الشبان يشكلون دروع حماية للمقاتلين والمدينة بعدما تمكنوا من رد قوات الاحتلال على أعقابها أكثر من مرة الأمر الذي جعلها أيقونة للصمود والمقاومة ونقطة استعصاء على الاحتلال ومنطقة عصيَة على أجهزة السلطة الأمنية

جنين بمقاومتها الباسلة أصبحت تشكّل انموذج ونقطة إشعاع لباقي مدن الضفة في الجرأة على التصدي للاحتلال كما أنها ترفع منسوب التنافس بين فصائل المقاومة في تعزيز دورها في المقاومة في كل المدن الفلسطينية وتجاوز عقبة السلطة الأمنية التي بدأت التراجع بالفعل في شمال الضفة وستستمر في التراجع خاصة مع فشلها في تحقيق أي إنجاز سياسي خلال 30 عاماً من المفاوضات التضليلية والعبثية

الضفة والقدس تشكلان محور الصراع الأهم مع الاحتلال نظراً إلى أهميتهما الجيوسياسية التي تشكل التهديد الأكبر للاحتلال فضلاً عن دور فلسطينيي الـ48 في ضرب المشروع الصهيوني من داخله والذي اثبت قوته وتأثيره على تعطيل مخططات الاحتلال مرات عديدة

من هذا المنطق والمنطلق فإن تقدم المقاومة والانجازات التي حققتها والدافعية القوية التي باتت تمتلكها والروح الجماعية في التصدي للاحتلال تعزز استنتاج كبير بأن الشعب الفلسطيني في عام 2022 تقدم خطوة جديدة في صراعه الطويل مع الاحتلال وقوى فرص اندلاع انتفاضة ثالثة خصوصاً مع الحماية التي باتت تقدمها مقاومة غزة لباقي الفلسطينيين حيث أربكت المقاومة المتفجرة في الضفة والقدس حسابات الاحتلال الذي كان يعتقد أنه قادر على ردع الشعب الفلسطيني والاستفراد به وتنفيذ مخططاته التهويدية مستعيناً بمناخ التطبيع الذي أشاعه بعد قمم شرم الشيخ والنقب

كما أن فشل الاحتلال في تشكيل حكومات مستقرة وعجزه عن ضمان أمن مواطنيه اصبح يتضاعف مع تضعضع رهان الاحتلال على دور السلطة الذي بدأ في التراجع تدريجياً ما يشير إلى أن المرحلة القادمة هي مرحلة المواجهة والمقاومة

كل ذلك يعزز حاجة القوى الفلسطينية إلى استثمار هذه الفرصة التاريخية والاتفاق على جبهة وطنية موحدة تعلي قيمة المقاومة وتدعمها وتتمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية التاريخية

الكيان الصهيوني الغاصب يعيش حالة فزع من ( فزعة ) المرابطين في القدس وفي غزة وباقي التراب الفلسطيني المحتل فهنالك فزعة ضد ( فزاعة ) ثبت عمليا انها أوهن من بيت العنكبوت حين خرج شعب اعزل في شهر رمضان ورابط في قلب المسجد الأقصى ومع صلاة الفجر والجمعة وباقي الصلوات الخمس مدافعا عن حرمة المسجد الأقصى من دنس ورجس المحتل

الذي بدأ منذ سنوات وتحديدا من بداية مسيرة التطبيع المشينة في جس نبض الأمة الإسلامية كلها من خلال تجرؤه على المقدسات عبر مداهمات عسكره ومستوطنيه في كل حين بمناسبة وبغير مناسبة لصحن المسجد الأقصى إلى أن وصلت بهم الوقاحة إلى الرغبة في ذبح القرابين به داخله لولا التصدي والنفير الشعبي العام وتهديد المقاومة بالتدخل وهو وحده ما ردع الاحتلال

هذا المزيج المتفجر من التوترات القومية والدينية التي يغذيها المتطرفون اليهود والمحرضون الإسرائيليون الذين يستمدون التشجيع من الأزمة السياسية المتفاقمة في إسرائيل والتي اصبحت تشكل عقبة أخرى في مواجهة التحديات المتسارعة في ظل ظروف معقدة يتصاعد فيها احتمال تدهور الاشتباكات في القدس الضفة الغربية المحتلة والمدن العربية داخل إسرائيل الى جانب مواصلة المقاومة في غزة لتحضيراتها العسكرية تأهباً لأي مواجهة محتملة

بناء على كل ما تقدم على العالم اجمع والعالم العربي خاصة ان يضعوا بسرعة قصوى حدّا لهذا العدوان الأعمى للكيان الصهيوني الإرهابي الذي بدأ يشعر بنار غزة وحجارة القدس تحرق أقدامه وتعكر صفو سكينته وامانه التي حاول أن يتظاهر بها منذ وجودة فوق ثرى فلسطين الطهور وبما يوحي ويؤكد بأن الضفة الغربية هي بركان فلسطين الراكد الذي بدأ ينشط ولا نستغرب أنه سينفث لهيب حممه لتصل إلى كل المنطقة في قادم الأيام والأشهر والسنين ليكون تحرير فلسطين مرتبط بقدسية المقاومة وليس بنذالة المقاولةmahdimubarak@gmail.com

.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.