الطاعة بين الأزواج: احترام متبادل لا ذلّ مستتر


د. عاطف قاسم الشواشرة

د. عاطف القاسم الشواشرة
رئيس جمعية العلوم النفسية/الأردن

كثيرًا ما يُساء فهم مفهوم “الطاعة” بين الزوجين، فتُحمَّل الكلمة أوزانًا من الذلّ والانكسار، خاصة حين تُقال في سياق المرأة تجاه الرجل. لكن الطاعة الحقيقية – في جوهرها الإنساني النقي – ليست انكسارًا، بل هي انعكاس لارتباط داخلي عميق، قائم على الاحترام، والتقدير، والرغبة في الحفاظ على نسيج العلاقة وتوازنها.
كما قال الفيلسوف أفلاطون: “الخير في الإنسان هو روح الحكمة، التي تنسق بين العقل والرغبة”، فالطاعة بين الزوجين ليست سوى تنسيق بين عقلين ورغبتين، لا خضوع لأحدهما للآخر، بل انسجامٌ متبادل.
حين تُطيع الزوجة زوجها أو يُبادر الزوج لمراعاة زوجته، فليس ذلك خنوعًا أو ضعفًا، بل فعلٌ نابع من الحب والرغبة في إرضاء الآخر، وصون العلاقة من التجاذب والصراع. الطاعة في هذا السياق لا تعني إسقاط الشخصية أو مصادرة الرأي، بل تعني التنازل الواعي أحيانًا، وتقديم الآخر في لحظة تقدير، وإدارة الخلاف بروح الشراكة لا التحدي.
يرى أرسطو أن “الصداقة الحقيقية تقوم على الفضيلة والمساواة”، والطاعة الحقة بين الأزواج هي تعبير عن تلك الصداقة التي تقف على قاعدة الاحترام والمودة، وليست سلطة أو قسرًا.
إنها ليست فرضًا قسريًا، بل سلوك ناضج ينبع من الثقة والرغبة في بناء بيتٍ يسوده التفاهم، لا الصراع على من يعلو ومن يخضع. فالطاعة، حين تصدر من المحبة، تصبح مرآة راقية لعلاقة صحية لا تعرف الإهانة، بل تحتضن الكرامة.
وأما حين يغيب مبدأ الطاعة، ويحل محله العناد والمكابرة، فإن العلاقة تبدأ بالتآكل من الداخل. العناد المستمر يُحوّل الحوار إلى جدال، والاختلاف إلى صراع، ويزرع في القلب شعورًا بالخذلان والتعب. وحين يصرّ كل طرف على أن يكون هو الرابح في كل معركة، يخسر الاثنان دفء المودة، وتنطفئ شعلة القرب.
الفيلسوف هيجل قال: “الحرية الحقيقية هي أن تكون مستعدًا لأن تخضع من أجل الكل”، فغياب الطاعة – باعتبارها انقيادًا نابعًا من الوعي – لا يؤدي إلا إلى صراعات تعصف بالعلاقة.
إن كثرة الخصام لا تُبقي على الاحترام مهما حاول الطرفان تبريرها، بل تهدم جسور الثقة، وتستنزف رصيد الصبر والحب. وغياب الطاعة – بمفهومها الإنساني الراقي – يحوّل البيت إلى ساحة قتال لا مأوى للسكينة فيها، ويزرع في الأبناء صورة مشوشة عن العلاقة الزوجية.
إن الطاعة المتبادلة، حين تغيب، لا تُستبدل إلا بالضجيج العاطفي والتعب النفسي. فالحياة الزوجية لا تقوم على تحدي الإرادات، بل على التقاء القلوب تحت سقف من الاحترام والحكمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.