الطالبة مايا الجدعان تفوقت على الاعاقة بالإرادة والعلم


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم /  مهدي مبارك عبد الله

فقدت البصر ولم تفقد العزيمة والتفاؤل والأمل ببصيرة ثاقبة تفوقت على البصر بإصرار لا يلين وبعزيمة لا تفتر وبصبر وتنظيم سعت الطالبة النجيبة المجتهدة ” مايا خالد محمد الجدعان ” للتفوق والنجاح بتميز وجدارة رغم فقدانها نعمة البصر الا انها قهرت دياجير الظلام بنور الايمان والتوكل والعمل والثقة حين تحدت الظروف والصعاب ووضعت اسمها علما يرفرف بين الاوائل في الثانوية العامة بحصولها على المرتبة الخامسة في الفرع الأدبي على مستوى المملكة مكرر بمعدل 99.15% لتثبت من جديد كما اثبت من سبقها من زملائها الطلاب من ذوي الإعاقة البصرية انهم اذا فقدوا ابصارهم فانهم لم يفقدوا بصيرتهم وقدرتهم وحماسهم واجتهادهم وان التفوق والابداع والتميز والنجاح ليس حكرا على الاصحاء وتأكيدا وتوثيقا لهذا المفهوم وتلك الرؤيا

أجرى باحثون من معهد “شيبنز آي” الأمريكي دراسة أثبتوا من خلالها أن أدمغة المكفوفين تطور بشكل تلقائي وصلات عصبية فيما بين أجزائها تعمل على تقوية حواس ومهارات أخرى لديهم مقارنة بغيرهم من المبصرين كما ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن غياب المعلومات البصرية عن أدمغة المكفوفين يسمح بنوع آخر من التواصل بين أجزاء المخ ينتج عنه تنمية مهارات أخرى كالمهارات اللغوية والذاكرة

الطالبة المتفوقة مايا الجدعان واحدة من فئة اؤلائك الموهوبين والمبدعين في المجالات كافة رياضياً وثقافياً واجتماعياً الذين عاشوا لسنوات أسرى الظلام في لحظات مليئة بالألم والمعاناة لكن إرادتهم كانت أقوى دائما فحولوا بقدراتهم الخاصة الظلام إلى نور والهزيمة إلى انتصار على الحياة ومصاعبها حيث لم تمنعهم إعاقتهم من تحصيل العلم والسعي لتحقيق أحلامهم ووضع أقدامهم على أول الطريق لتحقيق ذواتهم ورفعة شأنهم ورسم البسمة على وجوه أسرهم واصدقائهم واحبائهم بعدما أثبتوا أن ” المجتهد لا يضيع حقه وأن الله ان أخذ منهم بصرهم فقد عوضهم بالبصيرة ليستنيروا بها في حياتهم ”

وان تفوقها الباهر يعد قدوة حسنة ونموذج مشرف يحتذى به وقصة نجاح ملفتة تؤكد قدرة وقوة ابنائنا من ذوي الإعاقة البصرية على تخطي العقبات وصولا الى مراتب التميز في العطاء والظفر بأعلى الدرجات في ماراثون امتحانات الثانوية العامة وأنه لا علاقة للإعاقة بتحصيل العلم وأنها لن تكون حاجزا يمنعهم من تحقيق أحلامهم مثل باقي زملائهم من المبصرين بل ويتفوقون عليهم بعدما اصبحت اعاقتهم الحافز القوي لمجابهة التحديات وتذليل العقبات وتوليد الفرص من رحم المعاناة لمستقبل أفضل

خاصة في وقت دقيق وحرج كانت ولا تزال فيه ” كلمة الثانوية العامة ” تمثل الكثير من المعاناة طيلة العام الدراسي للطلاب المبصرين الذين لا يعانون أي إعاقة أما بالنسبة للطلاب المكفوفين فمعاناتهم مضاعفة

استطاعت الطالبة مايا الجدعان التغلب على إعاقتها البصرية التي رافقتها منذ الولادة بعزيمة وإرادة وتصميم وإصرار قادها إلى التفوق والنجاح في امتحان الثانوية العامة للدورة الحالية 2021 شرفت بها اهلها وزملائها وإخوانها من المكفوفين كما انها حققت ما تصبو إليه باستكمال حلمها المستقبلي بالدراسة الجامعية بتخصص اللغات الحديثة الذي احبته

حيث لم تكتفي بالنجاح فقط بل التفوق بأعلى المعدلات وهو الهدف الاسمى الذي سعت الجدعان إلى تحقيقه منذ سنوات طويلة رغم كل التحديات والمصاعب والمخاطر التي واجهتها طوال مسيرتها الحياتية والتعليمية وخاصة مسألة ” التعليم عن بعد ” الذي فرضته جائحة كورنا والذي شكل تحديا كبيرا أمام الأشخاص ذوي الإعاقة لكن ذلك لم يفت في عضدها لاعتمادها على حسن تنظيم وإدارة الوقت ومنح كل شيء حقه حيث وزعت وقتها بين الدراسة ومتابعة حياتها دون إجهاد للفكر أو شعور بالقلق والخوف المبالغ فيه أو توتير العائلة التي زرعت الأمل بالتفوق والنجاح في نفسها منذ الصغر ولم تتوانى يوما عن تقديم كل ما شأنه مساعدتها ودعمها في دراستها والذي تكلل بالنجاح والتفوق وتحقيق الطموح الذي أدخلت به الفرح والسرور على قلوب أهلها وذويها ومعلماتها وحيها بكامله وكل من يعرفها

مايا الجدعان طالبة متميزة ومكافحة ومثابرة ومجتهدة رغم ظروفها القاسية الا انها اصرت علي النجاح واختارت التفوق مصيرها وهي فتاة ذات شخصية قوية وصلبة ضد اليأس تعبت واجتهدت ولم يعرف الاحباط والاستسلام لها طريق كنموذج جميل للصمود وقصة نجاح رائعة يتعلم منها الجميع فهنالك كثيرين من الناس نراهم يعجزوا نفسهم بنفسهم ويتركوا انفسهم نهبا للعجز الارادي ويفشلوا في حياتهم اما مايا فقد تحدت بكل قوة وثبات وتقبلت قدرها بكل ايمان وصلابة وقالت في نفسها ( لن ادع اي شيء يعطل مسيرة نجاحي وتفوقي ) وكان لها بحق ما ارادت

سعادة غامرة وابتسامة ثقة كبيرة ستبقى تزين قلب مايا وذويها واحبائها وسط احتفاء السوشيال ميديا ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بها والمطالبة بتكريمها في إطار المسؤولية الاجتماعية الوطنية لتفوقها ومضاء عزيمتها في ظل ظروفها الصعبة ليعوضها الله عن فقد بصرها بمواهب أخرى كثيرة فهي دائما تسعى أن تكون ” متميزة في كل أفعالها وأن تترك بصمة ورائها يتذكرها كل من يأتي بعدها في أي مكان تذهب إليه ”

في الواقع فرص المكفوفين اليوم زادت وتحسنت وقد أدركوا أنه متى ما توفرت لهم المواد والمهارات المتخصصة فإنهم يستطيعون المنافسة في مجالي التعليم والعمل والمشاركة الكاملة في جميع جوانب المجتمع وقد ساهمت أمور كثيرة في تحسين ظروفهم من أبرزها القدرة على القراءة والكتابة باستخدام للغة برايل وتحويل بعض المقررات الدراسية لتلك اللغة مع توفر الفرص المناسبة لاكتساب العلم والمعرفة والاستعداد للتفوق والنجاح

نقول دائما ان اخواننا واخواتنا المكفوفين بحاجة الى المساعدة المستمرة فمن يأخذ بيدهم ويسند ارتعاشاتهم ويعينهم على طريق الحياة الشائك ومن يتضامن معهم ويدعمهم باعتبارهم جزء منا ويحتاجون إلينا لنكون عونا لهم في ظروفهم وتلبية صرخة ألمهم وفهم رسالتهم التي مفادها ان قدرات المكفوفين في العالم اجمع توازي رغبتهم الجامحة في تحرير أنفسهم من التبعية والعزلة وتبوؤ مكانة مساوية في المجتمع بين اقرانهم من البشر

هنالك العديد ممن حرموا نعمة البصر ونور العين لكنهم لم يحرموا البصيرة ونور القلب وذكاء العقل وفصاحة اللسان ونذكر على سبيل المثال بعض منهم اولا ( لويس برايل مخترع طريقة برايل للمكفوفين الأعمى الذى أضاء العالم للمكفوفين و( هيلين كيلر ) سفيرة المنظمة الأمريكية لفاقدي البصر و( د. طه حسين ) الذي انتقل من تلميذ كفيف إلي عميد الأدب العربي والامام الترمذي صاحب سنن الترمذي المشهورة وأحد أصحاب الكتب الستة في الحديث كان رحمه الله أعمى والشيخ ( عبد العزيز بن عبد الله بن باز ) قاض وفقيه سعودي ولد في الرياض لأسرة علم وتلقى علومه من مشايخ وعلماء بلدته شغل منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية حتى وفاته عام 1992

وأبو العلاء المعري شاعر الحكماء الذي كان يقول دائما ( أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ) والفنان التركي ( أسريف أرمجان ) الذ يعتبر علامة بارزة على العبقرية الإنسانية فقد أدهش علماء أوروبا وأمريكا والسبب عجيب لأنه لم ير النور في حياته أبداً فقد ولد كفيفاً ورغم ذلك فهو يرسم ” بعقله وقلبه وإحساسه ومشاعره ” لوحات رائعة تجمع بين الواقعية والتعبيرية يصور فيها الحياة في تخيلات بديعة وتتميز لوحاته بتناسق الألوان وهي غنية بأدق التفاصيل الصغيرة والالتزام بالمنظور واخيرا مهندسة الطيران الصينية المكفوفة المبدعة ( ين هاوتسي ) التي استطاعت أن تنهي المراحل الأولى من تعليمها بتفوق واضح خصوصاً في مادة الرياضيات ثم التحقت بكلية الهندسة وحصلت على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية بمرتبة الشرف وكان تخصصها في مجال غريب على من هم مثلها حيث اقتحمت مجال تصميم طائرات الهليكوبتر

لا يفوتنا في هذا المقام والمقال تقديم وافر الشكر والتقدير الى وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ابو قديس الذي سارع الى تهنئة الطالبة الكفيفة مايا جدعان على تفوقها ونجاحها خلال اتصاله الهاتفي معها والذي قال لها فيه بأبوية حانية وانسانية مشرقة ( ما شاء الله عليك تستاهلي كل خير نتمنى لك التوفيق وأي شيء تحتاجينه أنا جاهز ) وكذلك عظيم الشكر لكافة كوادر ومعلمي وزارة التربية والتعليم وأكاديمية المكفوفين التابعة للوزارة والتي وفرت لذوي الإعاقة البصرية كافة الإمكانات والتسهيلات للتعلم والشكر والثناء الموصول لمديرة ومعلمات المدرسة التي تخرجت منها مايا ولكل من كان له دور أو جهد بهذا التميز والشكر ايضا لمجلس محلي مركز امن الشميساني ممثل بالعميد خليل العبداللات مدير شرطة وسط عمان على تكريمهم واحتفائهم العاجل بالطالبة الجدعان

وصادق التقدير والامتنان للجامعة الأميركية في مالطا والمملوكة لمجموعة سدين العالمية للاستثمار التي وفرت منحة دراسة مجانية كاملة للطالبة الكفيفة مايا الجدعان

ولا بد هنا أن نؤكد قبل الختام ان الكفيف في الاردن يعامل تماما مثل باقي ذوي الإعاقة ولا يعيش في عزلة وأن هنالك جهودا كبيرة ومخلصة بذلت ولا زالت تبذل لتمكين المكفوفين من مواصلة مسيرتهم التعليمية بكل تميز وابداع وتنمية حس الإرادة والشغف لديهم وتذليل العقبات أمامهم لتحقيق طموحاتهم وتعزيز دورهم الريادي في مسيرة التميز والابداع وتحقيق ما يصبون اليه من تفوق مع الادراك التام بان ( ميلاد الشخص كفيف ) ليس عيباً فيه أو أمراً ينتقص من قدره أومن حقوقه وواجباته ولهذا على المجتمع مساعدتهم لتسير حياتهم بكرامة وعدالة مثل ملايين من الأسوياء من خلال دمجهم في مجالات الحياة المختلفة وتقلبهم في المجتمع ورفد حياتهم بالمعنويات ومبادرات التحفيز والمثابرة لمزيد من التقدم والانجاز

واخيرا أن هذا النجاح والتفوق ليس غريب على أبناء وبنات وطننا الغالي من ذوي الإعاقة ففي كل عام نشهد تميز العديد منهم في مختلف المجالات العلمية والعملية الف مبروك وهنيئا للطالبة النجيبة مايا الجدعان بهذا النجاح الباهر وكل الدعوات بالخير والسعادة والصحة والتفوق في الدراسة الجامعية والحياة العملية والله تعالى بقدرته يحفظك ويرعاك بنيتي الكريمة

mahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.