العودة إلى الريعية


نسيم العنيزات

أطلقت احدى الحكومات السابقة شعار الانتقال من الريعية إلى الإنتاج، متخذة جملة من الاجراءات والقرارات التي اعتقدت معها انها تصب في هذا الاتجاه.
وكان الهدف حسب رئيسها انذاك بأن تنتهج الدولة نحو الإنتاج بدل الريعية واعتماد سياسة الاعتماد على الذات، والانتقال إلى التشغيل بدلا من التوظيف، وإعادة هيكلة سوق العمل، وتعزيز التعليم التقني والمهني.
وبعد مرور سنوات عدة على هذا الشعار وما تبعه من قرارات وإجراءات علينا دراسة النتائج وما تحقق من أهداف، اذا كان قد تحقق شيء؟
والانتباه إلى الآثار التي خلفتها الإجراءات من جميع الزوايا خاصة المجتمعية و تحديد النقطة التي وصلنا إليها اليوم، ومدى تطابقها مع الهدف والخطط الموضوعة.
وبالنظر إلى الواقع وما نحن عليه الان، يبدو اننا لم نبق على حالنا من حيث الريعية، ولم نصل الى الانتاحية المرجوة، بعد ان ارتفعت نسبة البطالة وشحت فرص العمل ونسبة النمو لم تصل إلى هدفها وما زالت الواسطة والمحسوبية تعيش بيننا.
خاصة وان الحكومة صاحبة الشعار لم تؤسس له، و لم تضع روافع تسهم في نجاح ما ذهبت اليه. ولم تهيىء الأرضية المطلوبة لانتقال سلس وسهل نحو الإنتاج وإعفاء الدولة من مبدأ الريعية إلى الرعاية مع وحود الكثير من التحديات التي تحول دون ذلك.
لأنها ‹أي الحكومة› آنذاك ارادت ان تتخلى عن مسؤوليتها نحو المجتمع بسنوات قليلة، مقارنة بمئة عام من عمر الدولة الأردنية تأسست وبنيت على الريعية والرعاية معا حفاظا على السلم المجتمعي واهميته في المحافظة على الاستقرار وبنفس الوقت الازدهار والتطور.
وقد نجحت بذلك بعد ان قطعت شوطا طويلا ، ركزت خلاله على المواطن وأهمية تأمين دخل له يلبي احتياحاته المعيشية بشكل كريم..
ونتيجة لهذا التفاعل الكبير وحالة الاشتباك التي حصلت بين الدولة والمواطن، هو ما نحن عليه الان من بناء وتطور ومؤسسات قوية راسخة وثابتة وشعب ملتحم مع دولته.
حيث غفلت تلك الحكومة بأننا دولة شحيحة الامكانيات وقليلة الموارد، تحيط بها العواصف من كل اتجاه نتيجة وجودها وسط منطقة ملتهبة غير مستقرة.
كما اننا لسنا بالدولة الإنتاجية ذات الصناعات الكبيرة كما اننا لا نرقد على حقول من النفط او الغاز.
وباستثناء شركتي البوتاس والفوسفات فان معظم صناعتنا اما خفيفة او متوسطة تعتمد على المواطن بشكل خاص ومع ذلك فإنها ايضا تعاني من شح السيولة وضعف القدرة الشرائية للمواطن، حيث اتجه معظمها اما إلى التوقف والإغلاق او إلى التسريح، توفيرا للنفقات، الامر الذي حال دون وصولنا إلى الاعتماد على الذات كما كانت تهدف الحكومة.
وبما ان المواطن هو راس مال الدولة الحقيقي وأساس استقرارها. علينا العودة اليه والاهتمام بأحواله دون النظر الى الكلف المالية لان غير ذلك ستكون التكلفة اكثر بكثير من اية امور مالية.
فالمجتمع لدينا له خصائص وميزات تختلف عن العالم الغربي وان كثيرا من النظريات والكتب لا تتوافق مع طبيعته .
وقد اخذ يتململ من صعوبة العيش وانعدام فرص العمل وتآكل دخله المتدني اصلا واصبح عاجزا وغير قادر على تأمين متطلباته واحتياجاته الأساسية التي نخشى معها نفاد صبره، وعدم قدرته على التحمل، مما قد يسبب لا سمح الله انفجارا قد يكلفنا الكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.