الفرق بين الاتفاق والتوافق الجنائي وأثر كل منهما على المسؤولية الجنائية.

محامي محمد صدقي الغرايبة
يخلط البعض ما بين الاتفاق وبين التوافق الحنائي ويتعامل مع كلا المصطلحين على أنهما واحد.
و يُعدّ التمييز بين الاتفاق الجنائي والتوافق الجنائي من المسائل الجوهرية في الفقه الجنائي، لما يترتب عليه من آثار مباشرة في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية وتشديد العقوبة أو تخفيفها. فليس كل تعدد للجناة يعني بالضرورة وجود اتفاق جنائي، كما أن وحدة الفعل لا تستلزم وحدة القصد المسبق.
فالـاتفاق الجنائي يقوم على تلاقي إرادتين أو أكثر تلاقيًا سابقًا على ارتكاب الجريمة، بحيث تنصرف هذه الإرادات إلى تحقيق غاية إجرامية مشتركة، سواء كان هذا التلاقي صريحًا أو ضمنيًا يُستدل عليه من ظروف الحال. ويكشف هذا الاتفاق عن درجة عالية من الخطورة الإجرامية، لما ينطوي عليه من تخطيط وإعداد مسبق، الأمر الذي دفع العديد من التشريعات إلى اعتباره ظرفًا مشددًا للعقوبة، بل واعتباره في بعض الجرائم جريمة مستقلة بذاتها. ويترتب على ذلك اتساع نطاق المسؤولية الجنائية ليشمل جميع المتفقين، ليس فقط عن الفعل الأصلي، وإنما عن نتائجه المتوقعة متى كانت داخلة في إطار الاتفاق.
في المقابل، يقوم التوافق الجنائي على تلاقي إرادات الجناة أثناء تنفيذ الجريمة أو في لحظة ارتكابها، دون أن يسبق ذلك اتفاق أو تخطيط. فهو وليد اللحظة، ينشأ نتيجة انسجام عفوي بين أفعال متعددة تصب في اتجاه إجرامي واحد. ولا يكشف هذا التوافق عن ذات الخطورة التي ينطوي عليها الاتفاق الجنائي، لغياب عنصر الإعداد المسبق، ولذلك لا يُعد في ذاته ظرفًا مشددًا للعقوبة. كما تظل المسؤولية الجنائية في هذه الحالة محدودة بالفعل الذي باشره كل جانٍ وبحدود قصده وعلمه، دون امتدادها إلى أفعال الشركاء الآخرين إلا في نطاق الاشتراك الفعلي.
وعليه يمكن القول بإن الاتفاق الجنائي يعكس إرادة إجرامية جماعية منظمة تبرر تشديد المسؤولية والعقوبة، بينما يعبر التوافق الجنائي عن اشتراك عرضي لا ينهض بذات الآثار القانونية. ومن ثمّ، فإن حسن التمييز بين المفهومين يحقق العدالة الجنائية ويحول دون التوسع غير المبرر في مساءلة الأفراد عن أفعال لم تدخل في نطاق إرادتهم أو قصدهم .
المحامي محمد صدقي غرايبه

