القبة الحديدية من الفشل الذريع الى الكساد المريع !


مهدي مبارك عبدالله

بقلم //  مهدي مبارك عبد الله

القبة الحديدية هي نظام دفاع جوي صاروخي نشط محمول ذات قواعد متحركة
طورته شركة رافئيل الاسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه هو
اعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية وقذائف الهاون والمركبات
الجوية غير المأهولة

وفي2007 اختارها عمير بيرتز وزير الدفاع الإسرائيلي نظام كَحلٍّ دفاعي
لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى التي كانت تطلق على غلاف غزة في حينه
ومنذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذي بلغت كلفته 210 مليون دولار
بالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي وقد دخل الخدمة العملياتية في منتصف
عام 2011 بعدما اطلقت تل أبيب على ابتكارها العسكري هذا اسم ( القبة
الحديدية )

اعتبرت فخر الدفاعات الإسرائيلية المعاصرة  وقد وظفت شركات الصناعات
العسكرية والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية الحروب المتوالية على قطاع غزة
بعد عام 2008 من أجل تجربتها وتطويرها  لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى
والقذائف الصاروخية المضادة للمدرعات بهدف تحصين الجبهة الداخلية خاصة
بعدما وصلت صواريخ المقاومة لأول مرة بلدة عسقلان وعدة مواقع ومدن اخرى
في عمق الداخل الاسرائيلي

تعمل القبة الحديدية في مختلف الظروف والأحوال الجوية وتشمل المنظومة
عربة للتحرك يسهل نقلها من مكان إلى آخر وتعتمد في عملها على جهاز رادار
ونظام تعقب جوي وبطارية تحوي على 8 قاذفات صواريخ تضم كل قاذفة 20 صاروخا
اعتراضي بكلفة 15 ألف دولار للصاروخ الواحد على الأقل أي أن ( القاذفة
الواحدة بحاجة إلى صواريخ اعتراضية بقيمة 300 ألف دولار ) وقد كانت دائما
هذه الكلفة الباهظة أحد أهم الانتقادات الموجهة للمنظومة أمام كل صاروخ
للمقاومة يكلف عدة مئات من الدولارات لكن الصناعات العسكرية بررت ذلك أنه
يبقى أقل كلفة من صاروخ باتريوت الجديد الذي يكلف من (  3- 5 ) ملايين
دولار

على مدى المواجهات المتكررة والتطور المستمر لصواريخ المقاومة التي اربكت
حسابات الجيش الاسرائيلي بعد تجاوزها مستوطنات الغلاف وسقوطها في البلدات
الإسرائيلية على بعد 40 كيلومترا  في عمق الجبهة الداخلية التي لم تعد
آمنة في ظل الوضع الجديد وتغيير قواعد الاشتباك ومنذ عملية العصف المأكول
( الجرف الصامد ) في تموز 2014 تم إدخال 10 بطاريات من منظومة القبة
الحديدية للتشغيل ولخدمة سلاح الجو الإسرائيلي  تقدر كلفة إنتاج البطارية
الواحدة 100 مليون دولار إضافة إلى 300 مليون دولار ثمن الصواريخ
الاعتراضية التي تزود بها البطارية الواحدة

وفق بعض التقديرات العسكرية الاخيرة تمتلك حركتي المقاومة الإسلامية
حماس والجهاد الإسلامي حوالي 15 ألف صاروخ وهو أكثر مما قدرته المخابرات
الإسرائيلية قبل القتال وعشرات وربما المئات من الصواريخ من مدى 160
كيلومترا والتي يمكن أن تصل إلى ما بعد تل أبيب ومن شأنها أن تصل إلى (
محطة الكهرباء في الخضيرة ) فمن الواضح هنا أن القبة الحديدية بمفعولها
المحدد لن تكون ناجعة وليست هي الحل الامثل للواقع الجديد

وبناء عليه قامت مؤسسات الصناعات العسكرية والجوية الإسرائيلية بتحديث
منظومة القبة الحديدية من خلال تطوير نظام العمل فيها ( بأشعة الليزر )
ليمكنها من اعتراض الصواريخ والقذائف التي تطلق حتى من مدى قصير ومواجهة
اي رشقات صاروخية مكثفة تطلق باستمرارية ودون انقطاع وفي وقت واحد بهدف
تشتيت وارباك عملها

الا انه ورغم كل ذلك استطاع مقاتلو حركة حماس التغلب على تقنية القبة
الحديدية المتطورة بأفكار بسيطة جدا فإذا كانت القبة لديها القدرة على
إسقاط 90%  من الصواريخ رد المقاتلون بإطلاق أعداد أكبر من الصواريخ
لإرباك القبة الحديدية وزيادة عدد الصواريخ التي تسقط دون اعتراضها
وبصواريخ أقل تكلفة من صواريخ القبة الحديدية التي يفترض أن تسقطها فمهمة
إسقاط آلاف الصواريخ بسرعة تصبح عملية مكلفةً جدا حيث تبلغ تكلفة الصاروخ
الاعتراضي الواحد من ( 40- 50 ) ألف دولار وفقاً لدراسات وتقديرات ( معهد
دراسات الأمن القومي ) وهو مركز أبحاث إسرائيلي بارز

الحرب الاخيرة على غزة في جولة معركة سيف القدس 2021 اوضحت جليا ان
المواجهة بين صواريخ حماس والقبة الحديدية كانت مختلفة هذه المرة عن كل
الحروب السابقة في الأعوام 2009 و2012 و2014 كما كان مختلفاً عن جولتي
القتال اللتين دارتا عدة أيام في عامي 2018 و2019

وما يجعل هذه الجولة مختلفة هو عدد الصواريخ غير المسبوق الذي أطلقته
حماس والنجاح الضئيل الذي حققته إسرائيل في مواجهتها حيث اخترق أكثر من
60 صاروخ مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلي وتمكنت حماس من استخدام وابل من
الصواريخ بطريقة جديدة للتغلب على أنظمة القبة الحديدية واستهداف البنية
التحتية الاستراتيجية ومراكز الطاقة والمطارات والموانئ الإسرائيلية وهو
ما يؤشر إلى أن عصر القبة الحديدية قد يكون أوشك على الفشل والانتهاء

لقد كان لافتا وصاعقا اعلان الجيش الأمريكي مؤخرا عدم رغبته شراء منظومة
القبة الحديدة الإسرائيلية لمواجهة التحديات الجوية واعتراض الصواريخ رغم
نجاح أول اختبار بالذخيرة الحيّة أجري لهذه المنظومة ورفضت وزارة الدفاع
الإسرائيلية وشركة “رفائيل” للصناعات الدفاعية التعليق على الموضوع وهو
ما يمثل انتكاسة كبيرة لوزارة الدفاع

يبلغ متوسط سعر منظومة القبة الحديدة يبلغ نحو 8 ملايين دولار ونصف وقد
حققت عام 2020 إيرادات ضخمة وصلت الى 4.2 مليار دولار نتيجة بيعها لدول
مختلفة وكان الجيش الأمريكي اشترى بطاريتين من هذه المنظومة عام 2020
وبدأ منذ ذلك الحين إجراء اختبارات عليهما خلال السنوات الماضية وقد ثبت
فشلها على ارض الواقع في عدم استطاعتها وعجزها عن صد صواريخ المقاومة
الفلسطينية التي أُطلقت من غزة باتجاه القدس وتل أبيب ومدن إسرائيلية قبل
ثلاثة أشهر تقريبا

الدراسات العسكرية الامريكية بهذا الخصوص اكدت أن نظام القبة الحديدية له
العديد من القيود بما في ذلك نطاق الاعتراض الفعال للصاروخ قصير الاعتراض
لأنه في كثير من الحالات يحدث الاعتراض فوق منطقة الاستهداف نفسها وكذلك
لديه قيود في اعتراض الصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى و التي
تطلق على المدنيين وهي غير قادرة على التعامل مع الصواريخ القابلة
للمناورة

والدقيقة بحيث تبلغ تكلفة كل إطلاق صاروخ من القبة الحديدية أكثر من مئة
ألف دولار كما انها لن تكون قادرة في الحروب المستقبلية على حماية الجبهة
الداخلية والمنشآت الاستراتيجية وقوات الجيش من تهديدات الطائرات المسيرة
والصواريخ والقذائف

دلالات رفض الجيش الأميركي شراء القبة الحديدية الإسرائيلية يدل على كذب
الادعاءات الصهيونية بعد العديد من الاختبارات الامريكية بالحاسمة للنظام
الذي طورته شركة رافائيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة والتي اثبتت
عدم فاعليتها في المواجهات والتهديدات الجوية المحتملة وقد وقع خيار
واشنطن على نظام(  ليدوز ) الذي نتجه شركة ( دينتكس ) الامريكية للصناعات
العسكرية

من اهم دلالات القرار الأميركي وانعكاساته انه من حيث التّوقيت جاء بعد
مضي نحو 3 أشهر على انتصار المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس وهي
المعركة التي تميزت بكثافة النيران ومعدل إطلاق صاروخي للمقاومة وبشكل
غير مسبوق منذ نشأة الكيان إذ أطلق أكثر من 4000 آلاف صاروخ خلال 10 أيام

كما ان امتناع الجيش الأميركي عن شراء نظام القبة الحديدية يدل  بشكل
واضح على كذب الادعاءات الصهيونية التي أعقبت معركة “سيف القدس” بأن 90%
من صواريخ المقاومة أسقطتها منظومة القبّة الحديدية. ولو صحَّ هذا
الادعاء، لما تردَّد الجيش الأميركيّ في شرائها حيث كانت الاستخبارات
الأميركية مطلعة على الأهداف العسكرية والاقتصادية التي أصابتها الصواريخ
الفلسطينية

و كيف فشلت منظومة القبة في إسقاطها رغم أن اسرائيل لم تعلن عن المواقع
التي نجحت صواريخ المقاومة في استهدافها ليس لأسباب أمنية فقط وإنما لعدم
المس أيضاً بقدرتها على تسويق منظومتها الدفاعية التي نجحت في بيعها
للعديد من الدول منها عربية بمليارات الدولارات

القرار الأميركي سينعكس اقتصادياً على إسرائيل سلبا وسيؤدي إلى خفض
صادراتها العسكرية نتيجة اهتزاز الثقة بقدراتها الدفاعية بما يشمل كل
المنظومات الصاروخية الدفاعية التي تمتلكها وليس فقط نظام القبة الحديدية
فقط علماً أنّ المصادر الإسرائيلية أعلنت أن شركة صناعات الفضاء
الإسرائيلية التي تصنع منظومة “القبة الحديدية” حقَّقت مبيعات قياسية في
العام 2020 بلغت نحو 4.2 مليار دولار

وهو ما يعدّ انتكاسة غير مسبوقة لإسرائيل ليس فقط في البعد الاقتصادي
إنما تكمن انعكاساته الأخطر في التراجع الحادّ في قدرات الحماية الدفاعية
الإسرائيلية من التهديدات الخارجية ما يؤدي إلى اهتزاز عميق للجبهة
الداخلية والتي تعتبر أكبر نقاط ضعفه وهو ما سيشجع في المستقبل أطراف
المقاومة دولاً وحركات على مهاجمة إسرائيل وسيقلص من الخيارات العسكرية
العدوانية الإسرائيلية في المنطقة

سياسياً اظهر القرار الأميركي أن مكانة إسرائيل بدأت تتراجع في دوائر صنع
القرار الأميركي وأن المصلحة الأميركية أضحت هي المحدد في العلاقات معها
وأنَّ التقديرات التي ضخمت تأثير اللوبي الصهيوني في السياسة الخارجية
الأميركية وصناعة القرار هي تقديرات مبالغ فيها وقد ساهمت الماكينة
الإعلاميّة ودوائر الاستخبارات الإسرائيلية في ترويجها لتعزيز مفهوم
الردع وهي الوسيلة نفسها التي لجأت إليها تل ابيب في تضخيم قدراته
العسكرية الدفاعية والهجومية والتي أدت إلى كبح قدرة النظام العربي على
مواجهة إسرائيل وبالتالي عقد اتفاقياتسلام وتطبيع للعلاقات معها

ستتأثّر إسرائيل بالقرار الأميركي بعدم شراء منظومتها الدفاعية القبة
الحديدية والانعكاس الأخطر ليس الخسارة الاقتصادية المتوقعة رغم أهميتها
بل في معركة الوعي والصورة التي بناها وراكمها العدو منذ نشأته في مقابل
بناء واستعادة الوعي والثقة لدى من يؤمن بمواجهة إسرائيل عسكرياً لأن
العدو يدرك أن فقدانه الردع يشكل تهديداً وجودياً لمستقبله

لا تزال بركات معركة سيف القدس البطولية والتي لا زال سيفها مشرعا تكشف
لنا يوماً بعد يوم عن رصيد إنجازاتها ولن يكون الفشل المريع في تسويق
منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية آخر إنجازات المقاومة ومشروعها
النضالي في كسر شوكة اسرائيل وتعرية زيف تفوق جيشها وتفرد اسلحتها
mahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.