القهوة العربية في الموروث الشعبي


الباحث محمود حسين الشريدة

 

سُميت بالقهوة العربية نسبة إلى العرب الذين اكتشفوها في القرن الحادي عشر الميلادي ، وجدت لأول مرة في اليمن وانتشرت في البلاد العربية ، وشجرة القهوة لها ثمار كالعنب بداخلها بذرة بمادة قشرية لونها اخضر.

تعد القهوة عند العرب رمزاً من رموز الكرم والتفاخر والضيافة ، فتقديمها للزائر إشارة تكريم ، وقد حظيت بالاحترام عند مُعدّيها وشاربيها على حدٍّ سواء، وقد نتج عنها منظومة سلوكيات لغوية ترافق عملية طرق تقديمها للآخرين ، في مختلف المناسبات الاجتماعية من استقبال وأفراح وأتراح .

والعرب يفاخرون بشربها وتقديمها للضيوف عند قدومهم للترحيب بهم  وعند وداعهم ، كما تعدّ مظهراً من مظاهر الرجولة في نظرهم ، قالوا فيها بديع شعرهم فهذا قول بعضهم :

الكيف ما هو كيف شربَ السجارة ….. يا شاربين التتن ما انتم على خير

الكيف فنجان قهوة وهمّك توارى ….. من دلّةٍ منصوبة للخطاطير

طريقة إعداد القهوة

لصنع القهوة العربية طقوس تبدأ من تجهيز النقرة أو الموقدة أو الكانون وإشعال النار ، وتصف بجانبها معاميل القهوة وتسمى الدلال ، وعددها في الغالب أربعة بأحجام مختلفة ، ثم إحضار كيس أو ظبية القهوة ، ثم نضع المحماسه على النار وهي (إناء معدني مقعر) ، ونضيف لها حفنه أو حفنتين من حبات القهوة ،  وتقلب حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة يد المحماسه ، وبعد أن يصبح لونها احمر داكن توضع في وعاء خشبي يسمى المبردة ، وهي (خف خشبي) لتبرد قليلا ، وتوضع في المهباش وتدق بصوت يعتبر من أكثر الألحان عذوبة ، وتكون دقات سحق القهوة بإيقاع موسيقي منتظم ، ثم تهز يد المهباش لإسقاط القهوة المسحوقة المتجمعة على رأسه ، وتوضع في الطباخ وبه ماء يغلي على نار الكانون ، وهذه أول عمليات صنع القهوة ، وبعد ما تصل لدرجة الفوران تنقل إلى الدلة الوسطى وتسمى الثنوه ، ثم تغلي من جديد على النار ، وبعدها تنقل إلى الدلة الصغيرة وتسمى البكر، ثم تضاف مع بهاراتها المعروفة كالقرنفل والزعفران والهيل، إلى المصب المسمى البكرج ،وهنا تكون القهوة جاهزة للشرب وتقدم في الفناجين . بقي العدد القليل من المسنين من يصنع القهوة بالطريقة التقليدية، ويحتفظ بالأدوات القديمة الخاصة بصنعها.

القهوة في عادات وتقاليد العرب

1 . تحظى القهوة بالكثير من الاحترام عند العرب ولها عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وكل القبائل، ومن مهارة صبّ القهوة أن تحدث صوتاً خفيفاَ نتيجة ملامسة الفنجان للدله. وكان يقصد بهذه الحركة تنبيها للضيف إذا كان سارحاً أو متكئا ، لأنه لا يجوز تناول القهوة أثناء الإضجاع ويمكن تجاوز من لا يعتدل في جلوسه عند قدوم القهوة ، ومن لا يجلس باعتدال لتناول القهوة فأنه لا يرغب بالشرب ، إلا أن يكون شيخا مسنا أو مريضا ً.

2 . يجب أن تُقدِّم القهوة للضيوف وأنت واقف ، وفي بعض الحالات يقوم (القهوجي )القائم على خدمة القهوة الجلوس أمام الضيف المهم وتكسير الفناجين أمامه للدلالة بعد شربة للفنجان ،على أن لا أحد يستحق الشرب فيها بعده ، وهذه أعلى درجات التبجيل والإكرام ، وقد يناوله عطاءً سخيا ً لقاء هذا الصنيع ، ولا سيما إذا كان في حضرة أقرانه ، ولا يجوز العطاء لصاحب القهوة المضيف بل (ويعدّ العطاء هنا أهانه له)، وعليك أن تمسك بالدلة في يدك اليسرى وتقدم الفنجان باليد اليمنى ، ولا تجلس أبدا حتى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة. وإذا كان الضيوف أكثر من واحد وكانوا كلهم شيوخ ، ومن مستوى واحد فعلى المضيف إحضار ثلاث رجال ليصبوا القهوة لهم وفي آن واحد ، ومن ثم لبقية المعازيب ، وإذا لم يوجد ضيوف وكانوا من العشيرة فتصب القهوة إلى أكبرهم سنا ، لان العرب يحترمون السن أو إلى الشيخ أو ألي أكرمهم ثم إلى أفرسهم لان القهوة (خص نص ) أما الشاي قص من اليمين إلى الشمال .

3 . بلغ من احترام العرب للقهوة سابقا ، أنه إذا كان لأحدهم طلب عند المضيف، كأن يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه ، فيلاحظ المضيف ذلك، فيبادره بالسؤال: (ما حاجتك)؟ فإذا قضاها له، أمره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه. وإذا امتنع الضيف عن شرب القهوة وتجاهله المضيف ولم يسأله ما طلبه ، فان ذلك يعد عيباً كبيراً في حقه ، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة ، وأصحاب الحقوق عادة يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزيه ، ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه، كما لا يجوز وضع الفنجان على الأرض بعد الشرب لأن ذلك يترتب عليه مسؤوليات ، منها أنه يهم بالعطاء للقهوجي، فيقولون (من رمى الفنجان يملاه ) ويعد احتواء القهوة رمز الكرم ، والكرماء، والمفاخرة .

5 . ومن التقاليد العربية المتبعة في طلب يد الابنة للزواج أن يُعرض أهل العريس عن شرب القهوة ، ويضعون الفناجين على الأرض بانتظار الجواب ، وعندما يتوافقون تدار فناجين القهوة ، ومراسم الزواج  تقضي أن تمتنع ألجاهه عن شرب القهوة إلى أن يقول لهم والد العروس: اشربوا قهوتكم… (إلي جيتوا فيه ابشروا بيه) .

6 . ويهتمون كثيرا بجودة القهوة فتثور ثائرة المضيف إذا اخبره أحد إن قهوته فيها خلل أو تغير في مذاقها، ويعبّرون عن ذلك بقولهم: (قهوتك صايده) ولكن بمودّة ودون أن يشعر بالكلام أحد لأن القهوة لا تعاب علنا مهما كانت ، وإن أعابها أحد فإن عليه إثبات ذلك ، ولابدّ في هذه الحالة أن يغيّر المضيف قهوته حالاً ويستبدلها بأخرى .

7 . يهتم البدو بأعراف القهوة فيقسمون فناجينها إلى ثلاثة أنواع : فنجان الضيف ، وفنجان الكيف ، وفنجان السيف ، وتسبق هذه الفناجين فنجان الهيف ، ولمحة سريعة عن التعريف بكل نوع :

فنجان الهيف : على المضيف أن يهف (يشرب ) الفنجان الأول من دله القهوة أمام الضيف ليطمئن بأن القهوة جيدة ومن ثم يطمأن الضيف بأنها خالية من الخديعة كالسم مثلا .

فنجان الضيف :يصب الفنجان للضيف ليشربه على اعتبار أنه ضيافة ، كما انه بمثابة العيش والملح الممالحة .

فنجان الكيف : ثم يصب فنجان أخر ليشربه وهذا خاص بالكيف والسعادة والنشوة .

فنجان السيف : فنجان السيف يعني القوة والمنعة والعزة والشرف والكرم ، يصب فنجان آخر للضيف وهو بمثابة توقيعه على وثيقة دفاع مشترك ، ويعني إذ جاءه قوم على هذه العشيرة فعلى الضيف أن يمشق الحسام ويدافع معهم .

ألأدوات التي تستخدم في صناعة القهوة

1 . المهباش :

آلة دق القهوة يتكون من قطعتين هما بدن المهباش ويد المهباش ، ويستخدم المهباش كدعوة مفتوحة للضيافة وعلى دق المهباش يجتمع الناس في الحي ، ويتفنن الرجال في نغمات دق المهباش في الصباح الباكر ، ونجد في بعض الأحيان أن النساء يجدن دقة المهباش المميزة . وإذا دق المهباش في غير وقته يجتمع القوم لمعرفة السبب ، فقد تكون مصيبة أو غارة قادمة .

2 .الفنجان :

قطعة مصنوعة من الزجاج القيشاني المطلي لتقديم القهوة ، وللفنجان اعتبارات غاية في الأهمية عند العشائر والقبائل ، يقدم باليد اليمين ويدار من جهة اليمين ، ولكن يجوز أن تخص الضيف وكبير القوم بالفنجان ، تصب القهوة في الفنجان اقل من ثلث حجم الفنجان .

3 . مبردة القهوة .

حوض على شكل مثلث تقريبا مصنوع من الخشب ، يوجد فيه فتحة صغير من الجهة الرفيعة ، يفرغ فيه حبات القهوة بعد تحميصها على النار بواسطة المحماسه ، ثم تفرغ من خلال فتحتها في المهباش .

4 . المحماسه

وعاء معدنية سميكة خصصت لتحميص القهوة فقط ، لها مقبض طويل يحقق الأمان من وهج النار، ومزود بملعقة لتحريك القهوة على النار باستمرار وبحذر شديد حتى لا تحترق . لا يجوز بأي حال من الأحوال استعمال (المحماسه) لتحميص أي حبوب أخرى او توابل ، خوفا أن تعشق القهوة أي نكهة أو رائحة أخرى .

5 . يد المحماسه : يد معدنية طولها نحو 60سم لها مقبض في نهايتها ، ورأسها مرقوق بشكل ملعقة مسطحة ، تستخدم لتقليب حبوب القهوة عند تحميصها في المحماسه .

6 . الكانون : ويطلق عليه كذلك المنقل وهو وعاء معدني يوضع فيه الجمر، ويستخدم لإبقاء القهوة ساخنة

7 . المعاميل أو الدلال: ومفردها دله، وهي معروفة منذ القدم لصناعة القهوة العربية وتقديمها، تصنع من النحاس الأصفر ، تفاخرت الشعوب في بلاد الشام بدلال القهوة واستخدموا أفضل الأنواع وأغلاها ، ومن تفاخرهم بالمعاميل وضعوا على فتحة البكرج صورة طائر صغير  يتجه نحو مصبّ القهوة ، دلالة على الخير والخضرة والطيور ،  وقد صنعت الدلال على هيئة جسد امرأة نحيلة الخصر.

8 . البكرج

مفردة تركية الأصل ، وتعني الإناء النحاسي الذي يوضع فيه القهوة وتُصب منه ، ويعد البكرج الأداة الرئيسة لصب القهوة ، وتتميز بفمه الهلالي المتدلي كمنقار الطير ، وبجسمه الاسطواني الشكل ، وبرأسه المستدير على شكل قمع ، والبكارج المشهورة التي تصنع من النحاس الأصفر أو الأحمر .

—————-

المصادر: من كتاب مخطوط بعنوان :

 “عبق التراث من متحف الوهادنة للتراث الشعبي”

للباحث / محمود حسين الشريدة  

2 تعليقات

  1. محمود حسين الشريدة يقول

    الاخ العزيز الدكتور محمد سعد المومني …. اسعد الله صباحك بكل خير
    سُعدت بمرورك الطيب … شاكرا لك تلطفك بهذه الكلمات التي تزيدني معنوية وهمة في المتابعة ، فقدت رقم تلفونك ولم نتواصل منذ مدة طويلة … اسال الله تعالى ان يحفظك ويرعاك واسرتك الكريمة …

  2. دكتور محمد سعد المومني يقول

    جزاك الله خيرا استاذنا العزيز على هذه المعلومات القيمه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.