المصالح والمخاطر التركية بحماية مطار كابل


مهدي مبارك عبدالله

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

بعد لقاءه مع نظيره الأمريكي جو بايدن على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل الشهر الفائت ومع قرب موعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان في أيلول القادم قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده مستعدة لمهمة حماية وإدارة مطار ( حامد كرزاي الدولي ) في كابل بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لكنه طالب بتوفير ضمانات امريكية للقبول بهذه المهمة تتمثل بتقديم امريكا أو حلف شمال الأطلسي الدعم ( السياسي واللوجستي والمالي ) المطلوب اضافة الى عدم معارضة حركة طالبان ومن اجل ذلك زار مؤخرا وفد عسكري أمريكي أنقرة للحوار مع وزارة الدفاع التركية حول الموضوع حيث توصل البلدين لاتفاق حول تقديم الدعم الامريكي لتركيا ولا يزال مقترح تركيا تشغيل وتأمين الحماية للمطار بعد انسحاب القوات الدولية من أفغانستان يتفاعل على المستوى المحلي والدولي فيما يصفه البعض بـ ( المهمّة المستحيلة )

المصادر التركية الرسمية تجنبت حتى اللحظة الجزم بقبولها للمهمة في تأمين وادارة المطار ما يشير لوجود تخوفات تتعلق بطالبان خاصة وانه خلال الأيام القليلة الفائتة صدرت عن طالبان عدة إشارات سلبية تجاه الدور التركي المفترض في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي أولى هذه الإشارات كانت في تأجيل مؤتمر الحوار الأفغاني في إسطنبول في شهر نيسان المضي بعد الخلاف حول تشكيل الوفود كما كانت تصريحات الناطقين باسم حركة طالبان تؤكد دائما إن الشعب الأفغاني لن ( يقبل وجود قوات أجنبية في بلده بأي اسم أو تحت أي عنوان ) في إشارة واضحة ومتعمدة لتركيا وقد بينت الحركة ان مقاتلوها مستعدون وفق الفتوى التي أصدرها علماء أفغان للجهاد ضد القوات التركية في حال بقيت في أفغانستان واعتبارها قوة احتلال وأن الاتفاق على الانسحاب يشملها أيضاً

تركيا أتت إلى أفغانستان تحت مظلة الناتو في العام 2001 ضمن مهمة القوات الدولية لإرساء الأمن والاستقرار ( إيساف ) ويقدّر عدد القوات التركية المتواجدة في أفغانستان بحوالي 600 عنصر وهي تشارك في مهمّة ( الدعم الحازم ) غير القتاليّة والتي تسلّم حلف شمال الأطلسي قيادتها في العام 2003 ولم تنخرط القوات التركية على مدى سنوات وجودها في أفغانستان في أعمال قتالية أو عدائية ضد الشعب الأفغاني وقد اقتصر دورها على تحقيق الأمن والاستقرار وإيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية وتدريب قوات الأمن الأفغانية ولهذا لم تتعرض للاستهداف من قبل طالبان أو من أي من المجموعات الأفغانية وقد ساعد ذلك على حماية جنودها كما سمح ذلك لبعض شركات البناء والمقاولات التركية بالعمل بحرية ودون مخاطر معتبرة

لكن ذلك بدا اليوم قابلاً للتغيير مع المهمة الجديدة في حال لم تصل انقرة لاتفاق علني أو تفاهم ضمني مع طالبان ومما يزيد في صعوبة الامر أن الداخل التركي ايضا ليس على قلب رجل واحد بخصوص هذه المهمة في كابول على خلاف ما جرى في سوريا والعراق وليبيا والمعارضة لا تنظر للأمر من زاوية الأمن القومي التركي كما تقول الحكومة

حركة طالبان في الحقيقة ليست ضد وجود تركيا في أفغانستان او ضد أي دور لها بالمطلق لكن ذلك لا يبدو دقيقاً في الظاهر فكما أن لتركيا مصالح في البقاء منها ما يتعلق بأفغانستان والتنافس مع الدول الإقليمية المجاورة وما يرتبط بجوارها مع جمهوريات آسيا الوسطى وما يلي العلاقات مع امريكا فإن لطالبان كذلك مصلحة جوهرية واضحة بالانفتاح على العالم الخارجي وتحصيل القبول ثم التعامل والتعاون معها وتركيا تعتبر دولة نموذجية بالنسبة للحركة وهناك حديث متكرر عن ( تركيا المسلمة ) ورغبة الحركة في التعاون معها وتطوير العلاقات بين الشعبين الأفغاني والتركي ولذلك يمكن اعتبار البيانات والتصريحات الاعلامية العديدة التي تطلقها الحركة ضمن ( سياسة أوراق الضغط ) وتحسين شروط التفاوض

لاشك أن تقدم طالبان الميداني الاخير قوي موقفها ودفعها لرفع السقف تجاه الحكومة الأفغانية ومختلف الأطراف ومن بينها تركيا لكن ذلك لا يكفي بمفرده لتفسير موقفها وربما طالبان تريدُ دوراً لتركيا في مستقبل أفغانستان ولكن حين تكون ممثلة عن نفسها وضمن علاقات ثنائية مباشرة مع طالبان وليس نيابة عن حلف الناتو

موقف حركة طالبان النهائي بخصوص استمرار الوجود التركي لم يحسم بعد وكذلك قرار أنقرة بشأن حماية وادارة المطار ومن الواضح أن ذلك سيخضع لحوار بين الجانبين و يبدوان الجانبان حريصين عليه بشكل مباشر أو من خلال وساطة قطرية مثلاً حيث ورد ذلك في تصريحات الناطقين باسم طالبان وكذلك في خطاب الرئيس التركي اثناء وجوده في قبرص ثم في كلمة له بعد صلاة العيد حيث أكد على أن طالبان يمكنها أن تجري حوار مع تركيا أسهل وأفضل من حوارها مع امريكا

من اهم المصاعب التي ستواجه الدور والمهمة التركية الجديدة مسالة تامين الشرعية والغطاء القانوني لتواجد قواتها في أفغانستان بعد انتهاء عمل القوات الدولية وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان ( القوات التركية تعمل بتفويض من البرلمان التركي الذي قام بتمديد مهمّة القوات التركية مؤخراً لـ 18 شهراً إضافياً تبدأ من 6 يناير 2021 )

عدم وجود مثل هذا الغطاء الاقليمي والدولي يجعل القوات التركية في موقف ضعيف على المستوى القانوني والدولي مما يفتح المجال أمام استهدافها سياسياً وأمنيّاً ولهذا لابد من تامين الموافقة والقبول لدى حركة طالبان لمساعدة تركيا في نجاح مهمتها بحيث تعمل القوات التركية تحت أي يافطة أخرى غير تلك التابعة للناتو مثلا اضافة الى تقديم اغراءات ومكاسب لطالبان تساعد على تذليل مواقفها وفي هذه الحالة من الممكن الالتفاف على رفض طالبان للتواجد والدور التركي اضافة الى الاستعانة بالتأثير الباكستاني والمجري للمشاركة في هذا المضمار رغم حساسية بعض الدول كالصين من انخراط باكستان في اتفاق من هذا النوع مع أمريكا

ومن العقبات الاساسية التي تواجه تركيا في هذه المهمة هي حماية المواكب الدبلوماسية القادمة او المتجهة إلى المطار سيما بعد رفضها القيام بهذا الدور لأنّه سيعرض على الأرجح جنودها لمخاطر هجمات من قبل طالبان وعليه يبقى السؤال حول مدى جدوى تأمين المطار إذا لم تكن المواكب القادمة له أو المغادرة منه تتمتّع بالحماية المطلوبة ومن سيقوم بهذا الدور في حال استمرار الاعتراض التركي امريكا أم باكستان أم ربما تعهدات أفغانيّة

حركة طالبان لا زالت ترفض بشدة المقترح التركي حول مسألة المطار وتؤكد بأنّ أرض أفغانستان ومطاراتها وأمن السفارات الأجنبية والمكاتب الدبلوماسية من مسؤولية الأفغان انفسهم وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يأمل في الحفاظ على أي وجود عسكري أو أمني في البلاد وبموازاة ذلك قالت الحركة أنّها تأمل في أن تحظى أفغانستان بعلاقات جيّدة وحميمة مع تركيا في المستقبل

البعض يرى ان المقترح التركي يراوح في وضع معقد من حيث الأهداف التي تسعى تركيا الى تحقيقها وهي بالتأكيد ربما تتجاوز المطار كمنشأة حيوية الى ما هو أبعد من ذلك وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل رئيسية على الأقل تتحكم بالمشهد الأول يرتبط بحسابات تركيا الإقليمية لاسيما فيما يتعلق بتمدد نفوذها مؤخراً في القوقاز وآسيا الوسطى ودول المجلس التركي والتي عادت الى الضوء مؤخراً بعد الانتصار الذي حققته أذربيجان نهاية العام الماضي بتحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني بدعم تركي كبير

العامل الثاني يرتبط بوضع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي بعدما خضعت عضويتها للتشكيك من قبل بعض المتطرفين في الغرب وامريكا تحديداً حيث وصل الأمر إلى حد المطالبة بطردها من الحلف وهي من خلال طرحها الحالي تحاول التأكيد على محوريتها ودورها المركزي في حلف الناتو وعلى كونها البوابة الشرقية القوّية للحلف فضلاً عن قدرتها على تأدية مهام والتزامات لا يستطيع أي من أعضاء الحلف الآخرين القيام بها وهو ما من شأنه أن يزيد من أهمية ومكانة أنقرة داخل الحلف

العامل الثالث يتعلق بالعلاقة الإشكالية بين تركيا وامريكا حول خروج القوات الدولية من أفغانستان سيخلق حالة من الفراغ في البلاد خاصة وأن أفغانستان تقع في قلب منطقة آسيا الوسطى على تخوم غرب آسيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا وبالتالي هي منطقة مهمة جداً للقوى العظمى والكبرى كأمريكا والصين وروسيا وان انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في هذه المرحلة وبهذه الطريقة سوف يشجع بعض الدول الإقليمية المنافسة لتركيا وباكستان لمحاولة ( ملئ الفراغ ) بطرق متعددة ومن بين الدول المهمة بذلك ( إيران والهند ) وان بقاء التواجد التركي سيتيح لأمريكا وحلف شمال الأطلسي إبقاء موطئ قدم هناك بأشراف تركي وتعاون باكستاني ومجري

اخيرا السؤال المطروح هل من الممكن تنفيذ هذه المهمة التركية وفق ما قد سبق بيانه من عقبات الجواب نعم وهذه ليست ( مهمّة مستحيلة ) كما صورها أو تصورها البعض لكنها تتطلب ترتيبات وتوافقات واسعة على أكثر من مستوى محلي دولي فهناك نقاشات تجري الآن على المستوى الأمريكي والتركي لدراسة كيفية تنفيذ الشروط التركية المطلوبة

وإذا ما تحقق هذا الأمر خلال المرحلة المقبلة سيتم الانتقال حينها إلى المستوى الثاني من العمل وهو النقاش مع الجانب الباكستاني الذي يمتلك خبرة واسعة في أفغانستان وتأثيراً محتمل على حركة طالبان حيث سيجري إقناع الجانب الباكستاني بأهمّية المشاركة على أن يتم التباحث لاحقاً مع الجانب الأفغاني بهذا الشأن كمحصلة نهائية وهو الأهم أما إذا تصلبت طالبان في موقفها الرافض لوجود القوات التركية على اراضيها واعتبارها قوات احتلال اجنبية وبما يشير لإمكانية استهدافها فمن المستبعد أن تقحم أنقرة نفسها وجنودها في هذا المسار الخطير
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.