النائب وسام الربيحات وأبناء حي الطفايلة الرواية الأخرى لقضية التبرعات

مهدي مبارك عبدالله
بداية اود ان انوه ان هذا المقال لا يسعى للنيل من أي شخصية او حماعة بل على العكس فإننا ننطلق من احترامنا الوافر للنائب الربيحات وكافة ابناء الطفيلة المحافظة المشهودة بمواقفها التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية سواء من خلال المواقف السياسية أو عبر المبادرات الشعبية والإنسانية التي لا يمكن إنكارها لكن في الوقت ذاته من الضروري وضع الأمور في سياقها الحقيقي بعيدًا عن التهويل أو التهوين خاصة عندما تتحول القضية القانونية إلى مادة دسمة في يد من يتقنون فنون التجييش والتشويه والتضليل الاعلامي في الخارج وعن قصد وعمد
لقد لاحظنا في مشهد إعلامي بات مألوفًا في عالمنا العربي حيث ظهرت خلال الأيام الأخيرة حملة ممنهجة عبر منصات إعلامية تبث من خارج الأردن تحاول إعادة صياغة قضية قانونية داخلية وتقديمها للرأي العام العربي والدولي والمحلي وكأنها صراع بين الدولة والشعب أو بين القانون والكرامة أو بين المواقف المبدئية والتضييق الرسمي
بعض المنصات التي تصدر في الخارج أدمنت على مهاجمة الأردن كلما سنحت لها الفرصة سواء عبر تبنيها روايات غير موثقة أو عبر نشرها مقالات ذات صياغة غير مباشرة حيث استغلت مؤخرا قضية قانونية لا تزال منظورة امام القضاء تتعلق بشبهات حول جمع أموال بطرق غير قانونية بدعوى دعم غزة وفي قلب هذه القضية برز اسم النائب وسام الربيحات ومعه مجموعة من أبناء حي الطفايلة المعروفين بمواقفهم الوطنية والعروبية المشرفة الداعمة للقضية الفلسطينية ما أضفى على الموضوع طابعًا حساسًا يتقاطع مع المشاعر الشعبية والوطنية تجاه القضية الفلسطينية وابنائها
الامر البديهي من منطلق العدالة والنزاهة الصحفية التأكيد على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بموجب حكم قضائي قطعي وهو مبدأ راسخ في القوانين الأردنية الناظمة كما هو في كل الأنظمة العدلية العالمية المحترمة فلا يحق لأي جهة أو وسيلة إعلامية أن تصدر أحكامًا مسبقة أو ان تجرم أفرادًا لم تدنهم المحاكم بل لم تجري محاكمتهم بعد
النائب وسام الربيحات ورفاقه من أبناء حي الطفايلة خرجوا بقرار من مدعي عام عمان بإخلاء سبيلهم بالكفالة ضمن الإجراءات القانونية المتبعة وهو ما يدل على أن القضاء الأردني يتعامل مع الموضوع بمهنية ودون تسييس او تساهل فالقضية ما زالت قيد التحقيق ولم تسقط أو يغلق ملفها
في هذا السياق لا يمكن الحديث عن القضية دون الإشارة إلى مكانة النائب وسام الربيحات كشخص منتخب في المجلس النيابي العشرين وعضو اللجنة الإدارية ولجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان وهو أحد الأصوات النيابية التي لطالما عبرت عن انحيازها الواضح للقضايا الوطنية والعربية والاسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وادانته للعدوان على غزة كما عرف بمداخلاته الحادة تحت قبة البرلمان ومواقفه الجريئة في عدة ملفات داخلية تهم المواطنين إضافة إلى خلفيته الفكرية والتنظيمية التي تعكس انتماءه الاسلامي والعروبي والوطني والانساني وهو ما يجعل تناول اسمه في هذه القضية احوج ما يكون إلى مسؤولية مضاعفة وحرص ملزم بعدم السماح لبعض المتصديين في المياه العكرة بتوظيف القضية لتصفية حسابات سياسية أو تشويه مواقف ثابتة او اغتيال شخصيات معينة
على مر الايام والسنين أثبت أبناء حي الطفايلة في عمان خاصة ومحافظة الطفيلة عمومًا وعيًا نادرًا في التعامل مع القضية الفلسطينية والحرب الاجرامية على عزة خيث كانت وقفتهم إلى جانب إخوانهم المتهمين مثالا حيا للكرامة لا للعناد وبمسؤولية لا بفوضى وبحرص صادق على فرض القانون بوعي لا بتحدٍ حيث عبروا في تجمعاتهم وتصريحاتهم عن احترامهم للقضاء الأردني وعن ثقتهم بمؤسسات الدولة دون أن يسمحوا لأحد بتحويل هذه الحادثة إلى مادة للتحريض أو الانقسام بل شكلوا حالة وطنية جامعة ومتقدمة في اسلوب الدفاع عن أبنائهم دون المساس بهيبة الدولة ومؤسساتها
تلك الروح العالية التي أظهرها الطفايلة لا يمكن إلا أن تسجل بإعجاب كبير حيث اجتمعوا كعادتهم على الموقف الوطني الشريف دون أن ينجروا وراء الخطاب الشعبوي أو التجاوزات اللفظية التي تبنتها بعض المنصات الخارجية التي سعت لتوظيف القضية بشكل مفضوح لخدمة أجندات سياسية وإعلامية لا علاقة لها لا بغزة ولا بالأردن
التقارير التي نشرتها وسيلتان إعلاميتان تصدران من الخارج بدت أقرب إلى إعادة إنتاج لسيناريو واحد وكأن مصدرها مشترك أو أن التنسيق بينهما كان أعمق من مجرد توافق مهني فالنصوص تكاد تكون متطابقة والصياغة تفتقر إلى التنوع أو التحقق ما يثير تساؤلًا مشروعًا هل كان الهدف نقل الحقيقة أم صناعة رواية بديلة تتجاوز حدود المعلومة إلى التحريض
كما ان الروايات الإعلامية التي تم تسويقها في تلك المنصات بالغت في تصوير القضية وكأنها حملة موجهة ضد من يدعم غزة في حين أن الأردن قيادة وشعبًا كان في مقدمة الداعمين للقطاع على كافة المستويات السياسية والطبية والإنسانية وقد فتحت أبواب التبرع عبر مئات القنوات الشرعية وخرجت عشرات القوافل باتجاه القطاع بإشراف مباشر من الدولة ومن خلال قوافل الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية
كل ما جرى كما وضحته الجهات المختصة يتعلق باستخدام منصات تحويل مالي غير خاضعة للرقابة الرسمية وتحويل الأموال إلى حسابات شخصية دون توثيق أو إفصاح عن مصيرها وهي ممارسات تعد قانونًا مخالفة بصرف النظر عن النوايا التي تقف خلفها وبالتالي فإن التحقيق فيها يعد واجب قانوني لا استهداف سياسي ومع ذلك استغل البعض هذه القضية لتوجيه اتهامات باطلة للدولة الأردنية وتحميلها ما لا تحتمل حيث تم تضخيم الحدث واستنساخ تقارير صحفية متطابقة في أكثر من وسيلة إعلامية خارجية تحمل لغة واحدة وسردية موحدة وكأنها خرجت من غرفة تحرير واحدة في محاولة مكشوفة للتأثير على الرأي العام وبث الشكوك في مؤسسات العدالة الاردنية
المفارقة الأكثر خطورة أن الروايات التي رُوج لها إعلاميًا ركزت على تصوير ما جرى كأنه حملة ممنهجة تستهدف داعمي غزة أو أنها ملاحقة سياسية وقانونية للمتضامنين مع الشعب الفلسطيني بينما الواقع يؤكد مرارا بأن الأردن كان ولا يزال من أكثر الدول دعمًا لغزة على كافة المستويات وبطرق رسمية وعلنية ومن خلال مؤسسات حكومية وعسكرية وطبية شاركت في نقل الجرحى والمساعدات وعلاج المصابين
امام كل ذلك اللغط والضبابية من حي الطفايلة المعروفين بمواقفهم الوطنية والعروبية جاء الرد الأقوى على هذا التوظيف غير البريء حيث جرى لقاء كبير عبر فيه أبناء الحي عن وعيهم الوطني وتأكيدهم على وحدة الصف ورفضهم استغلال أسمائهم أو مواقفهم في معارك إعلامية مشبوهة خاصة وان الاشخاص الذين حضروا إلى جلسات التحقيق قدموا باعتبارهم متهمين وأبناء دولة تؤمن بسيادة القانون وان وقفتهم الجامعة كانت درسًا بليغا في الانتماء لا العصبية وفي احترام مؤسسات الدولة لا بمواجهتها وقد شكل حضور رجالاتهم وكبرائهم المجتمعي والسياسي نموذجيًا حيا للعقلانية والهدوء وحسن المواطنة وهم يدافعون عن أبنائهم بكافة الوسائل القانونية والوعي الشعبي القادر على تجاوز التحديات دون الحاجة إلى الانفعال أو الانجرار خلف الروايات المشبوهة التي ينسجها بعض الحاقدين على مسيرة الوطن في الخارج
في هذا السياق لا بد من التوقف عند الدور الكبير الذي لعبه بعض النواب والشخصيات العامة الذين رافقوا القضية بوعي وتوازن وعقلانية ولم ينزلقوا إلى فخ خبيث بتحويلها إلى معركة بين الدولة والمجتمع بل أكدوا أن من له حق فالقضاء كفيل بإنصافه ومن ارتكب مخالفة فسيحاسب ضمن الإجراءات القانونية العادلة والمعروفة كما كان للمحامين الذين تطوعوا للدفاع عن المتهمين دور ريادي محترم عكس مستوى فهمهم المجتمعي بأهمية الإجراءات القضائية دون تحويل القضية إلى أزمة سياسية أو افتعال مواجهة مع الدولة
الأردن لم ولن يضيق على من يدعم غزة لا رسميًا ولا شعبيًا لكن في ذات الوقت لا يمكن القبول أن تكون مشاعر التضامن غطاءً لفوضى مالية أو تهرب قانوني خاصة عندما يتعلق الامر بأموال الناس وثقتهم ومصير مساعداتهم والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا ما الغاية من هذا النوع من الحملات ضد الاردن ولماذا يتم اختزال قضية قانونية في سردية موجهة سياسيًا وإعلاميًا تخدم أجندات خارجية تختلق المبررًات للهجوم على مؤسسات الدولة الاردنية
الحقيقة الكاملة حول القضية تبقى في يد القضاء وحده ولا يجوز لأي طرف أن يحتكرها أو يفرض روايته كأنها الفصل الأخير من القصة فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته والدولة مسؤولة عن تطبيق القانون بعدالة ودون انتقائية والشارع الأردني أثبت مرات عديدة أخرى أنه قادر على التمييز بين العاطفة والحقيقة وبين الحماس والانضباط وفي المحصلة فان النائب وسام الربيحات شخصيا وأبناء حي الطفايلة كافة يستحقون الاشادة والتقدير لما أظهروه من صبر وشجاعة وانضباط كما تستحق الدولة الثناء والاحترام على تعاملها المتزن في القضية ويبقى الأهم لدينا أن لا تستغل مثل هذه الملفات لتأجيج الفتنة وزرع الانقسام أو تشويه صورة الأردن الذي وقف طويلا وسيظل واقفًا إلى جانب شعب فلسطين واهل غزة دون اي ابتزاز او خرق للقانون
الواقع يشير الى اننا أمام حالة نموذجية لما يمكن تسميته الاستهداف الناعم حيث لا يُطلق الرصاص ولا تُرفع الشعارات بل تُكتب المقالات وتُنشر التسريبات لتأليب الرأي العام وإيهامه بأن الدولة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر وهو خطاب توجيهي خطير لأنه يتسلل إلى وجدان الناس من باب العاطفة بينما يضرب الثقة بالدولة تحت عباءة النقد البناء وهذه القضية بما حملته من التباسات ومواقف وحملات وتجييش يمكن أن تتحول إلى محطة وعي جماعي شامل لتذكرنا دائما بأن القانون هو الحَكم وأن الرأي العام بحاجة الى سردية متوازنة لا أحكام متسرعة وأن الأوطان لا تُبنى على التحريض بل على الصدق والحقيقة والعدالة والاحترام المتبادل بين الدولة وأبنائها
استهداف الأردن المتكرر في هذه المرحلة تحديدًا ليس صدفة فالدولة التي تتبنى موقفًا واضحًا وحازمًا تجاه العدوان الإسرائيلي والتي تستضيف على أرضها آلاف الجرحى وتفتح أجواءها لمعونات إنسانية مستمرة أصبحت فجأة هدفًا لحملة ترويجية ظلامية سوداء تسعى لتقويض ثقة الناس بمؤسساتهم فهل يعقل أن من يقود هذه الحملة يسعى فعلًا لخدمة غزة أم أن الأمر لا يعدو كونه استثمارًا في المأساة لصالح أجندات أكبر
يبقى السؤال المطروح اليوم ليس فقط حول تفاصيل القضية القانونية بل حول المناخ الذي يسمح بتحويل القضايا المحلية إلى معارك إعلامية عابرة للحدود، تُدار من خارج السياق الوطني وتُكتب بعناوين تنسج الخيال بدلًا من نقل الحقيقة. فمن الذي يستفيد من ضرب الثقة بالدولة؟ ومن الذي يراهن على اختلاق رواية مضادة لموقف الأردن الرسمي والشعبي من القضية الفلسطينية
ختامًا يمكننا القول بصدق وامانة أن الحملة لم تكن على الأشخاص فحسب بل على الدولة ومؤسساتها وعلى نهجها الواضح وأن القضية أعمق من مجرد خلاف قانوني بل تتصل بمسألة سيادة القانون من جهة والسيادة الإعلامية من جهة أخرى فهل نسمح نحن الاردنيين بإعادة تشكيل وعينا عبر أدوات إعلامية خارجية مشبوهة وهل نغض الطرف عن روايات مفخخة لمجرد أنها مغلفة بشعارات براقة القول الفصل والتأكيد العملي أن الأردن الذي أثبت دائمًا توازنه في أصعب المراحل وادقها لن يكون سهل الانقياد خلف حملات تنتمي لقوى الظلام لا للنور ولسرديات الفوضى لا لحقائق الواقع وإذا كانت بعض الأصوات تظن أن بإمكانها تسويق روايات مشوشة تحت عناوين براقة فإن الرأي العام الأردني والعربي بات أكثر وعيًا من أن يُستدرج إلى هذه الفخاخ الإعلامية المكشوفة والله ولي التوفيق
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
mahdimubarak@gmail.com