الهجوم الإيراني على أربيل بين الحقيقة والادعاء


مهدي مبارك عبدالله

=

 بقلم // مهدي مبارك عبد الله

 

نفذت إيران تهديداتها التي أطلقتها قبل نحو أسبوع بالرد على هجمات إسرائيلية مؤلمة على قواعد للحرس الثوري الإيراني في سورية أدت إلى مقتل اثنين من كبار ضباطها حيث فاجأت فجر يوم الأحد الماضي محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان شمال العراق بـ 12 صاروخ باليستي بعيدة المدى قوية ودقيقة من طراز فتح 110 الايرانية الصنع انطلقت من محافظة كرمنشاه الإيرانية

وفي ذات الوقت الذي أعلنت فيه إيران عن تفكيكها خلية اسرائيلية كانت تحاول تجنيد عملاء للقيام بأعمال تخريبية قبل عطلة عيد النوروز في منشأة فوردو النووية واعتقال جميع عناصرها تعرضت مساء يوم الاثنين الماضي عدة مواقع حكومية هامة في اسرائيل لهجوم سيبراني مكثف وغير مسبوق تبنته مجموعة قرصنة تابعة للحرس الثوري الإيراني وقد اعتبر أكبر هجوم بتعرض له الفضاء الالكتروني الإسرائيلي ما أدى الى رفع حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش الإسرائيلي في جميع الوحدات العسكرية

استهداف محافظة اربيل ليس جديدا لكنه الأول من نوعه بهذا الحجم وحساسية المواقع المستهدفة حيث شمل مبنی قيد الانشاء للقنصلية الأمريكية ومحطة تلفزيون كردستان 24 ومحيطها ومركز استخباري للرصد والعمليات وصف بانه تابع لجهاز الموساد الإسرائيلي يقع على طريق مصيف صلاح الدين وقد أدى الهجوم إلى مقتل عدد من العاملين الإسرائيليين في الموقع بحسب بيان صدر عن مركز العلاقات العامة في الحرس الثوري الإيراني

لم تؤكده أي جهة أخرى محايدة ورغم إن طهران تملك صواريخ قادرة على أن تطال عمق إسرائيل لكنها تفضل الإيهام بالرد عليها باستخدام العراق كصندوق بريد في حديقتها الاماميةآخر مرة تعرضت فيها القوات الأميركية لهجمات بصواريخ باليستية كانت في كانون الثاني 2020 بعد قصف قاعدة عين الأسد في ردا إيراني على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد بذات الشهر

المؤسسات الامنية الإيرانية وبعض الشخصيات السياسية العراقية والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران يتهمون إقليم كردستان ودون تقديم وثائق أو اسباب باحتضان مراكز خفية لتدريب عملاء إسرائيل وممارسة النشاطات الاستخباراتية لجهاز الموساد ضد إيران وهو ما ينفيه الإقليم بشكل قطعي ويؤكد التزامه بالنظام الاتحادي العراقي الذي لا يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل كما يدعي بان التصريحات الإيرانية المتكررة هي محاولة لتحويل الإقليم الى ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين إيران من جهة وإسرائيل وامريكا من جهة اخرى

البعض من المسؤولين العراقيين اعتبروا استهداف أربيل بهذه الصورة وتكراره سابقة خطيرة وهو اعتداء على مبدأ حسن الجوار بين العراق وإيران والعلاقة التاريخية التي تربط شعبي البلدين الجارين فضلاً عن كونه انتهاك صارخ لأمن واستقرار وسيادة العراق وخرق للقوانين والأعراف الدولية وستكون له نتائج سلبية في تعقيد الوضع وإلحاق الضرر بحاضر ومستقبل العراق وانه أيضا يشكل جريمة ارهابية في حجمه وتوقيته المريب مع بوادر الانفراج السياسي بهدف عرقلة استكمال تطبيق الاستحقاقات الدستورية

الحرس الثوري الإيراني أعلن بشكلٍ رسمي مسؤوليته عنه لهجوم الصاروخي على أربيل الذي ادى الى إصابة مواطنين بجروح طفيفة ووقوع اضرار مادية محدودة وعدم سقطوط أي قتيل أو مصاب في صفوف الجنود الأميركيين

هنالك عدة رسائل حاولت طهران نقلها مع حمم الصواريخ الأولى وجبة تحذيرية موجهة للإقليم والحكومة والأحزاب وبعض الشخصيات السياسية في مقدمتهم مقتدى الصدر زعيم أكبر كتلة برلمانية ( التيار الصدري ) والذي رفض خلال الأشهر الماضية دمج قوى الإطار التنسيقي الجناح السياسي للمليشيات المدعومة إيرانيا في تحالف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة رغم كل الضغوط التي مورست عليه من طهران

الرسالة الثانية معنونة للمجتمع الدولي بشكل عام حيث تعمد إيران من حين لآخر إلى خلق أوراق مساومة في مفاوضاتها مع القوى الكبرى الدائرة في فيينا لوضع نهاية لبرنامجها النووي لكن الورقة هذه المرة هي تهديد أمن مدينة أربيل التي تضم القنصلية الأمريكية وقاعدة عسكرية أمريكية وعدة مراكز تحسس خفية

أما الرسالة الثالثة فهي موجهة تحديدا لواشنطن واسرائيل كرد للاعتبار بأن يد إيران الضاربة تستطيع الانتقام لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني والعالم النووي فخري زاده والهجوم على منشأة نطنز النووية في محافظة أصفهان وسقوط قتلى إيرانيين جراء الغارات الإسرائيلية على سوريا

إضافة الى استعداد ايران الكامل للرد القاسي على كافة الاجراءات وعمليات التجسس وزرع العملاء للقيام بالأعمال التخريبية من داخل اربيل وخارجها وعدم ترك جرائم وشرور الصهاينة دون رد وكذلك استهداف كل من يقف في وجه وأمن ومصالح طهران بأساليب جديدة حاسمة ومدمرة ( الإيرانيون يريدون استثمار الوضع الدولي لفرض قوتهم واثبات وجودهم وانهم وحدهم من يملك ادوات الحل والعقد في العراق )

إقليم كردستان يعتبر الطرف العراقي الجغرافي والسياسي غير الخاضع للإرادة الإيرانية والمتوقع له أن يكون مستقراً مستقبلياً لأدوات النفوذ الأميركية في المنطقة بما في ذلك مقر السفارة الأميركية التي يمكن أن تغلق في العاصمة العراقية بغداد وكذلك القواعد العسكرية الأميركية التي يمكن أن تفرغها الولايات المتحدة في بقية مناطق العراق للرحيل الى كردستان

منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003 تعددت أهداف وأدوار وأشكال الوجود الإسرائيلي في العراق وفقاً لمطامع الدولة العبرية ومصالحها في هذا البلد حيث شمل النشاط الإسرائيلي عمليات استقطاب اليهود الأكراد والعراقيين عموماً للهجرة إلى أرض الميعاد والتغلغل في قطاعات الاقتصاد والأمن والآثار والمياه والنفط والصناعة والتجارة والبناء والزراعة وغيرها في مشهد يعزز مقولة ( حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل )

في تموز من عام 2004 ذكرت المسؤولة الأميركية السابقة عن سجن أبو غريب جانيت كاربنسكي أنها التقت في السجن محقق إسرائيلي من جهاز الموساد كان يجري عمليات استجواب للسجناء وقد تركزت أسئلته على مدى شعبية حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والجهاد الاسلامي في صفوف العراقيين فضلاً عن مكانة ودور الحرس الثوري الإيراني ومواقع تواجده وسكن قياداته وتجمعات المؤيدين له

كما انتشرت عدة فرق مخابراتية واكاديمية في طول العراق وعرضه تبحث عن مقامات لأنبياء بني إسرائيل وأي آثار يهودية كما ترددت آنذاك أنباء اكدتها الحوزة العملية في النجف عن نشاط استخباري إسرائيلي في غالبية المحافظات وان هنالك عشرات الشركات الاسرائيلية تعمل في مجالات الطاقة والاستشارات الأمنية والاتصالات والمعلوماتية والمقاولات والاستشارات في مختلف المجالات يديرها جنرالات احتياط خدموا في الجيش والاستخبارات، على رأسهم الجنرال داني ياتوم الرئيس الأسبق لجهاز الموساد

خاصة بعدما ألغي الحظر الإسرائيلي الذي كان مفروضاً منذ إقامة الدولة العبرية على الشركات الإسرائيلية بالتعامل مع العراقيين باعتبار العراق في ظل حكم الرئيس العراقي السابق دولة عدوا

هنالك عدة تقارير صحافية أوروبية نشرتها وكالات الأنباء في 3 تشرين الأول عام 2007 نقلاً عن الاستخبارات الفرنسية ذكرت وجود 1200 عنصر من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية منذ عام 2004 يدربون عناصر قوات ( البشمركة الكردية ) في مدينتي أربيل والسليمانية وهو ما أكدته صحيفة يديعوت احرنوت العبرية أيضاً بكشفها أن معسكراً للتدريب يعرف باسم المعسكرz يديره ضباط إسرائيليون أُنشئ بعيدا بمنطقة صحراوية في شمال العراق

إقليم كردستان يحاذي كل من تركيا وسوريا وإيران وهو ما يجعله موقعاً استراتيجياً ونقطة انطلاق إلى أراضي هذه الدول والتجسس على إيران وحلفائها بسهولة فقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في 12 حزيران 2004 مقالة للصحفي ( سايمور هيرش ) وضح فيها أن الأهداف الإسرائيلية من وجودها في المنطقة الشمالية في العراق هو بناء قاعدة للتجسس على التحركات و المنشآت النووية الإيرانية

للحقيقة المجردة فقط نسأل كيف يمكن تفسير رفع العلم الإسرائيلي في الاستفتاء الكردي في أربيل يوم 25 سبتمبر 2017 الا انه يعكس مدى العلاقة الوثيقة بين إقليم كردستان العراق وإسرائيل سيما وان الأخيرة هي الدولة الوحيدة التي أيدت الاستفتاء وشجعت إعلان دولة كردستان في الوقت الذي رفضت فيه جميع الدول الكبرى والدول الإقليمية الاستفتاء لتداعياته على أمن المنطقة والعالم وهنالك معلومات اخرى كثيرة ومتشعبة في هذا الجانب لا يستوعب المقال ذكرها

الهجوم الإيراني الأخير لاقى إدانات محلية ودولية من واشنطن والاتحاد الأوروبي وبعثة الناتو في العراق والأمم المتحدة ودول عربية مختلفة كما طالب مجلس القضاء الأعلى في إقليم كردستان العراق بتقديم شكوى ضد طهران لمجلس الأمن الدوليقصارى القول إن الكيان الإسرائيلي يحاول توظيف التحولات الإقليمية وصراع الهويات المحتدم في إحداث مزيد من الاختراقات في العالمين العربي والاسلامي بما يخدم مصالحه الاستراتيجية

أخيرا بغض النظر عن دقة التفاصيل الواردة اعلاه لا شك أن بلداً مثل العراق يعيش حالة من الفوضى الأمنية ويحوي كميات وافرة من الثروات الطبيعية ويقع في قلب العالم وتختلط فيه التيارات والأحزاب والمذاهب والمرجعيات من الطبيعي ان يجذب العديد من الأجهزة الاستخبارية الإقليمية والدولية العلنية والسرية للعمل فوق ارضه فكيف الحال بالكيان الاسرائيل المحفور على عملته المعدنية القديمة ( خريطة اسرائيل الكبرى ) تظهر عليها وعلى علمه الحدود النهرية للنيل والفرات وبما يثبت بالمطلق الاطماع والنوايا الإسرائيلية قديما وحديثا في ارض الرافدينmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.