الهجوم على قاعدة التنف الرسالة والهدف


مهدي مبارك عبدالله

 

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

تكررت الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي السورية بصور مختلفة ففي 13/10/2021 قصفت الطائرات الحربية مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري في منطقة تدمر أدت الى مقتل جندي وجرح اثنين بحسب مصادر إعلامية رسمية الا ان المرصد السوري ( مقره لندن ) ذكر أن القصف الاسرائيلي استهدف مواقع ايرانية بينها برج للاتصالات قرب مطار تدمر وقعت على اثره خسائر في الارواح ولم يمضِ يوم على العدوان الإسرائيلي الا وصدر بيان شديد اللهجة عن ( قيادة غرفة عمليات حلفاء سوريا ) توعد بالردٍ القاس جدا على الهجمات وبين أن الأهداف التي هاجمها الإسرائيليون كانت مراكز خدمات مدنية وتجمع للشباب

وبالفعل وفي حادثة غير مسبوقة فاجأت هذه الغرفة المراقبين حيث لم يمضِ أسبوع حتى اعلنت وسائل الاعلام عن تعرض ( القاعدة الأميركية بالتنف ) التي تأسست عام 2014 في جنوب سوريا لهجوم بمجموعة طائرات مسيرة وربما ايضا صواريخ بالستية ما ادى الى اشتعال الحرائق داخلها وحدوث اضرار جسيمة لكنه لم يجر الحديث عن إصابات

واشنطن حملت إيران مسؤولية الهجوم على القاعدة وأكد مسؤولون أمريكيون أن هجوم المسيرات الخمسة على القاعدة انطلق من داخل سوريا وهو ما يشير إلى احتمالية تورط المليشيات الإيرانية المدعومة من ( الحرس الثوري الإيراني ) وان استهدفت القوات الأمريكية في سوريا نفذته مليشيات مدعومة من إيران على الأرجح ( موجودة في العراق ) وهو ما منح إيران دوماً فرصة كافية للتنصل من مسؤوليتها المباشرة

طوال مرحلة الصراع الماضية بقيت قاعدة التنف خارج التهديد والاستهداف كالذي حدث منتصف الشهر الماضي للقاعدة العسكرية التي تعود لقوات التحالف الغربي في سورية ضمن منطقة المثلث الحدودي بين سورية والأردن ولعراق ( داخل الأراضي السورية ) وهي القاعدة الاميركية الوحيدة في الجنوب الشرقي السوري كانت واشنطن تستضيف فيها قوات ( سورية معارضة ) أسمتها ( مغاوير الثورة )

السبب المعلن للتواجد الامريكي في هذه القاعدة هو الحد من تقدم تنظيم داعش في البادية السورية باتجاه الاردن لكن السبب الواقعي والحقيقي هو ضمان عدم فتح الحدود السورية العراقية والاشراف على الحدود السورية الاردنية والسيطرة على جميع المنافذ لضمان وقف حركة التجارة بين البلدين والتي تشكل جزءا كبيرا من حل المشكلة الاقتصادية بينهما فضلاً عن الاعتبارات العسكرية والأمنية الاخرى

عندما تمركزت القوات الاميركية في التنف اعلنت عن انشاء ( منطقة عدم تنازع ) تخضع لمراقبة شديدة على مدار الساعة وتقع ضمن نصف دائرة مركزها التنف ومداها يبلغ خمسين كيلومتراً باتجاه عمق الاراضي السورية وقد منعت الولايات المتحدة أي تحركات في هذه المنطقةتحت التهديد المباشر بطلاق النار الفوري على كل من يدخلها

يرمز هذا الهجوم في تخطيطه وجرأته وعنفه إلى تنامي سياسة التشدد الإيراني والاستعداد للدخول في مواجهة مع الأميركيين على الأراضي السورية وربما الغرض منه أيضاً الضغط على واشنطن بشأن المحادثات للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وان استهداف القاعدة بهذه الصورة يظهر من جديد بأن الحرب الدائرة على الأرض السورية بين الأطراف المختلفة قد تغيرت في الفترة الأخيرة بما في ذلك أنماط واساليب العمليات العسكرية

قاعدة التنف تشكل موقع متقدم يتواجد فيها نحو 400 عسكري ومدني أميركي وبعض العناصر من الاستخبارات البريطانية والفرنسية الذين يعملون على جمع المعلومات عن داعش في سوريا والعراق بصورة خاصة ولكنها في الحقيقة ايضا تستخدم لجمع معلومات استخباراتية عن الميليشيات الشيعية التي استقدمها الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا وبدأت بالتمركز في منطقة البوكمال على مسافة 300 كيلومتر شمال شرق التنف في المكان الذي يعبر فيه نهر الفرات الحدود السورية العراقية والقوات الروسية والنظام السوري يعارضان الوجود الأميركي على الأراضي السورية وفي هذه قاعدة تحديدا

استهداف القاعدة الامريكية جاء كرد قوي على مجموعة الهجمات الاخيرة التي شنت ضد قواعد الميليشيات الشيعية الايرانية في دير الزور والمعبر الحدودي بين العراق وسوريا في منطقة البوكمال حيث كان هنالك ( 4هجمات على ستة أهداف في الأراضي السورية بينها منشآت تابعة للميليشيات الإيرانية في مطار تي- 4 وقاعدة اخرى للميليشيات في دير الزور اضافة الى مهاجمة بطاريات دفاع جوي سورية ) في منطقة الصحراء الشرقية السورية

الهجمات نفذتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي وقوات إسرائيلية خاصة انطلاقا من المجال ( الجوي لقاعدة التنف ) والتي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى بين عناصر الميليشيات ووسط الجنود السوريين وهنا مرة اخرى نستغرب بان منظومة الدفاع الجوي الروسي الجديدة التي زودوا سوريا بها لم تنجح في التصدي للطائرات ومنع الدمار الذي تسببت به وهو ما أحرج الروس كثيراً وللأمانة يقال بانه ( غالبا ما كانت بطاريات الصواريخ لا تشغل بحجة منع استهداف طائرات مدنية تكون في الاجواء اثناء بعض الهجمات الاسرائيلية )

لطالما شكلت قاعدة التنف شوكة في حنجرة طهران فهي تقع كعائق صلب في النقطة التي تربط بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق وتشكل جزءاً من الممر البري الذي كان الغرض منه السماح لطهران بنقل سلاح وصواريخ وحتى مقاتلين عن غير طريق الجو أو البحر إلى حزب الله وسائر القوات الموالية لها في سوريا

الإيرانيين بعد الهجمات المتواصلة على اتباعهم فهموا الوضع جيداً بخلاف الماضي وقرروا تغيير( قواعد الاشتباك ) بمهاجمة قاعدة التنف بالمسيرات المقنبلة كما فعلوا قبل عامين في السعودية وهو ما امتنعت طهران عن القيام به في الماضي وتركت الأمر للميليشيات الوكيلة عنها لتقوم بالمهمة كاملة كما حصل في العراق في وقت سابق باستهداف السفارة الامريكية في بغداد حيث ضربت ايران بلطف واوصلت رسالة التحذير

علينا الانتباه هنا إلى أن الهجوم على التنف جاء رداً على ( هجمات جوية نسبت إلى إسرائيل وليس إلى الأميركيين ) وقد أعطى الرد مفاعيله إسرائيلياً فالطائرات المسيرة المذخرة وربما المحملة ببعض الصواريخ البالستية وصلت الى سماء قاعدة التنف وهي غير آبهة بتقنياتهم وبإمكاناتهم والسؤال المطروح ( كيف تمكنت الطائرات المسيرة التفلت من اجهزة الرادار والانذار الدفاعية الاميركية العاملة في القاعدة ) وهو ما سيمكنها في المستقبل ان تصل الى العمق الاسرائيلي خصوصا وانه اعلن ان بعض هذه الطائرات انطلق من سوريا والبعض الاخر من العراق وقد امضت الطائرات جميعها مدة تحليق تتجاوز العشرين دقيقة للوصول الى اهدافها

الواقع انه في ضوء عدم القدرة ايران على الوصول إلى إسرائيل مباشرة ارادت في المقابل ضرب أمريكا التي تعتبرها ضعيفة وعرضة للأذى أكثر ولن تكون قادرة على الرد وطهران تأمل من ذلك أن تمارس واشنطن الضغط على إسرائيل للجم عملياتها المتكررة على مخازن السلاح وقواعد الميليشيات الشيعية في سوريا تماما كما ( تحاول إسرائيل ضرب القوات والقواعد السورية لضغط النظام على الإيرانيين )

هجوم التنف كان بمثابة تجربة وأن عدم وجود أي رد من جانب القوات الامريكية سيشجع الإيرانيين على رفع درجة تصعيد الهجمات وربما في النهاية سيضطرهم كما جرى لهم في أفغانستان الى اخلاء قاعدة التنف وسيأتي بعدها حتما دور ترك قواعد أُخرى لهم في سوريا وفي العراق

اخيرا لا شك ان الهجوم الأخير على قاعدة التنف العسكرية أصبح يمثل نقطة تحول في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران وميليشياتها وأزرعتها المحتفلة وضمن المنطق والمشاهدات ما الذي يمنع (غرفة عمليات حلفاء سوريا ) او الميليشيات الشيعية التي تنشط في العراق وسوريا ولبنان من نقل الاشتباك الى داخل اسرائيل خاصة وان الواقع يشي بان المنطقة حبلى بالتطورات والمفاجآت وقد تكون مقبلة على عجالة دراماتيكية وحتماً حينها لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل برغم التفوق العسكري والتكنولوجي الذي تتمتعان به وقد اصبح واضحا انه يمكن الافتراض أنه بعد واشنطن سيصل دور تل ابيب

jmahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.