بلدة ” بيتا ” قصة المقاومة الشعبية التي ارهقت الاحتلال


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

 

بعد عدة محاولات فاشلة كان اخرها عام 2018 وعقب الهجمات الشرسة للسيطرة على جبل العرمة في العام الماضي وبدعم وحماية قوات الاحتلال الاسرائيلي تمكنت قطعان المستوطنين قبل نحو شهر من إقامة بؤرة استيطانية ع لى أراضي المواطنين في بلدة بيتا جنوب نابلس سميت ( جفعات أفيتار ) على اسم مستوطن قتل بالقرب من قرية زعترة قبل عدة أعوام ولا زال أهالي بيتا حتى اليوم يتصدون لهذا الوجود الاستيطاني ويقدمون الشهيد تلو الشهيد والمئات من الجرحى من أجل إزالة هذه البؤر السرطانية الخبيثة ة التي أنشئت بينهم مؤخرا من قبل عصابة من المستوطنين الاوغاد

وفي السياق وبعدما أثبت مواطني بلدة بيتا والقرى المجاورة بيانات تسجيل وملكية هذه الأراضي والتي تعود لأهالي ( بيتا وقبلان ويتما ) أصدر وزير الجيش الاسرائيلي قبل عدة أسابيع قراراً يدعو به لضرورة اخلاء هذه البؤرة ولكن رئيس الوزراء السابق نتنياهو قام بتأجيل قرار تنفيذ الاخلاء في محاولة منه لترحيل هذه الأزمة لحضن الحكومة الجديدة بزعامة نفتالي بينيت من أجل المساهمة في خلخة مرتكوات هذه الحكومة اليمينية الجديدة التي من الممكن ان تسقط بأي لحظة نظرا لعدم الانسجام والتوافق الحزبي وحجم التناقض وعدم التجانس في بنيتها الائتلافية والتنظيمية

لقد حاول المستوطنون أكثر من مرة السيطرة على أراضي وجبال بلدة بيتا ليتم استكمال الاسحواذ على قمم الجبال الواصلة بين محافظات نابلس ورام الله وأريحا وبيت لحم والقدس والخليل ضمن محاولة لفرض واقع احتلالي جديد وتقطيع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية للحيلولة دون أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ولجعل العملية السياسية أكثر تعقيداً فضلا عن الهدف الرئيس لجنود الاختلال والمستوطنين والمتمثل بإرهاب المواطنين في هذه البلدة والتضييق عليهم واستخدام كافة الأساليب الهمجية واللاإنسانية بحقهم من خلال اشاعة القتل المتعمد والذي كان اخره تصفية أربعة شبان واصابة أكثر من 700 مواطن بمختلف أنواع الرصاص الحي والمعدني والمطاطي وقنابل الغاز السام وهذا كله خلال شهر واحد فقط في محاولة يائسة منهم لثنيهم عن الاستمرار في طريق التصدي والمواجهة لوجود هذه البؤرة الاستيطانية على أراضيهم

بلدة بيتا تقدم اليوم نموذج مختلف عن باقي مناطق التماس في التعامل مع المستوطنين بشكل خاص والاحتلال بشكل عام من ابرز ملامحة زخم المشاركة الجماهيرية من أهالي البلدة والحضور اللافت لكل الشرائح من شيوخ ونساء وشبان وأطفال اضافة الى استخدام أساليب جديدة في المقاومة الشعبية قادرة على طرد هذه العصابات والضغط على جيش الاحتلال من أجل اخلاء المستوطنين من أراضي المواطنين

من ابرزها ( عمليات الإرباك الليلي وحمل المشاعل وحرق الأراضي وقطع الطرق على الاحتلال ومواصلة المواجهة نهاراً وليلاً ) في واحدة من أجمل صور التصدي والتحدي بتكاتف الجميع من أجل حماية الأرض الفلسطينية من التغول الاستيطاني مما يعزز استمرارية العمل النضالي الشعبي ويقوي صمود المواطنين بدعوة كافة المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية لفضح ممارسات الاحتلال والمطالبة بالدعم من خلال توفير كافة المستلزمات اللوجستية والسعي لحماية المواطنين ولو بشكل جزئي والعمل على منع ارتكاب الجرائم بحقهم من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين

لقد كان مهما وموفقا قرار الحكومة الفلسطينية الحالية على لسان رئيس مجلس الوزراء د. محمد اشتية اعلانها انطلاق امتحان الثانوية العامة لهذا العام من بلدة بيتا تعبيراً عن دعمها لصمود هذه البلدة في مواجهة آلة الاستعمار الإسرائيلي الرامية لنهب حقوق وأراضي المواطنين اضافة الى دعوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفي أكثر من مناسبة الى ضرورة إقامة فعاليات رسمية وحكومية تعزز الالتفات الشعبي والدولي وتبرز الواقع المرير للفلسطينيين تحت الاحتلال وحقهم في ممارسة المقاومة الشعبية المشروعة وتفعيلها في كل المناطق ودعم إقامة المشاريع الإنتاجية والزراعية واستصلاح الأراضي والجبال من أجل تعميق العلاقة بين الأرض والانسان لتعزيز صمود المواطنين في اراضيهم ومناطقهم

بلدة بيتا بكل قواها المجتمعية والوطنية الحية ومجلسها البلدي وشبابها الأشداء ونسائها الماجدات وحتى أطفالها قدموا نموذجاً حياً مشرفاً للمقاومة الشعبية الباسلة بإصرارهم على مواصلة الكفاح والنضال مهما كلف من تضحيات رفضاً لوجود الاستيطان على أراضيهم وقبل ايام كانوا فوق قمه جبل العرمة واليوم في جبل صبيح رفضاً لوجود بؤرة ” أفيتار” الاستيطانية وضد شق الطريق الالتفافي ( حوارة زعترة ) المقام على الاراضي الزراعية لبلدة بيتا والقرى المجاورة بهدف الربط بين المستوطنات وفي كل لحظة يطاردون قطعان المستوطنين بشراسة ويقاطعون البضائع الإسرائيلية بتشاركية وبتنسيق حيوي ومنظم في كل الاماكن

بعد استمرار اعمال المقاومة والتصدي لقطعان المستوطنين اجتاح جيش الاحتلال البلدة واقتحم المحلات التجارية والمنازل واستولى على كل ما عثر عليه فيها من مواد حارقة وعجلات مطاطية بما فيها العجلات الجديدة المعروضة في المحال التجارية للبيع ظناً منه انه بذلك سيقوض إرادة المنفضين عبر إلحاق الضرر بالتجار والمواطنين بعدما أثبتت عمليه إحراق العجلات المطاطية تأثيرها الفاعل على جنوده ومستوطنيه مما اضطر الجيش الاسرائيلي الى احتلال المواقع التي كان المواطنين يحرقون فيها العجلات المطاطية لكن كل ذلك زاد من تلاحم السكان مع المقاومة الشعبية وفصائل العمل الوطني لإدراك الجميع ان الخلاص الحقيقي هو في المقاومة ورحيل الاحتلال وانهاء وزول الاستيطان

وبحكم النتائج الفاعلة والمؤثرة التي حققتها مقاومة اهالي بلدة بيتا يتوجب تعميم هذا النموذج البطولي للمقاومة الشعبية في بلدة بيتا التي يشارك فيها جميع الأهالي بقطاعاتهم المختلفة والذي لعبت فيه القوى الوطنية والمجالس القروية والبلدية دوراً محورياً في التنظيم والتخطيط والتنسيق مع القرى والبلدات المجاورة وفي المقابل على السلطة الفلسطينية والجهات المعنية مسؤولية تقديم الاسناد والدعم السياسي والدبلوماسي والمادي المطلوب بما في ذلك طلب الحماية الدولية ومن ثم تطوير

وتحويل المقاومة الشعبية الى استراتيجية عمل وطني واضحة المعالم والأهداف لأنها يمكن أن تحقق الكثير من الإنجازات وتجعل الاحتلال مكلف ومرهق ماليا وعسكريا كما أن نجاح المقاومة الشعبية هو رافعة قوية للعمل الدبلوماسي والقانوني الدولي الهادف إلى تثبيت الحق الفلسطيني وأن الفعل الجماعي الرسمي والشعبي وتوسيع رقعة المواجهة بحيث تشمل كل نقاط التماس مع العدو وباندماج كافة شرائح الشعب في المواجهة وما يتبع ذلك من فضح لجرائم الاحتلال من قتل ومصادرة واستيطان وتضييق على مقدرات الشعب الفلسطيني وفي المحصلة إبقاء الحالة النضالية في استمرارية وفعالية وممارسة الضغط الشعبي والرسمي من أجل انهاء الاحتلال الذي طال انتظار زواله وبدون أي يأس او ملل

معركة بلدة بيتا بقيادة القوى الوطنية الفلسطينية لإزالة البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح وتحريرها من دنس الاحتلال والاستيطان ختمت شهرها الثاني وهي تتأهب بكل عزم وإرادة قوية لتدخل شهرها الثالث ولن تتوقف إلا بعد رحيل المستوطنين وإزالة البؤرة التي أقاموها في جبل صبيح الذي يحتل موقعاً استراتيجيا في مخطط توسيع الاستيطان الإسرائيلي وتقطيع أوصال الضفة الفلسطينية وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض خدمة للمستوطنات والطرق الالتفافية ومواقع جيش الاحتلال

بكل معاني الفخار والاعتزاز نقف مع صمود المقاومة الباسلة والمستمرة لجماهير الشعب الفلسطيني في بلدة بيتا والقرى المجاورة بعموم عائلاتها وشبانها ومنضاليها الذين يخوضون بعنفوان معركة وجودية دفاعاً عن أراضيهم في مواجهة محاولات المستوطنين سرقتها لبناء بؤرة استيطانية على قمة جبل صبيح بدعم وحمايه من جيش الاحتلال تنفيذاً لمخطط التمدد الاستيطاني والضم الصهيوني في بيتا والقرى الفلسطينية لعزل شمال الضفة عن جنوبها

تحية تلاحم عظيمة ومناصرة صادقة لهؤلاء الاشاوس الابطال الذين يخوضون معركة الاستقلال والخلاص من براثن الاحتلال والذين يثبتون في كل يوم أن المقاومة الشعبية وكل أشكال المقاومة هي السبيل لتحرير الأرض ودحر الاحتلال وصون الكرامة الوطنية لشعب فلسطين وارضه وهم يشوق طريق العزة والكبرياء أمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.