تعدد الأسماء أقسى من تعدد الزوجات :


محامي محمد صدقي الغرايبة

مساءٌ لطيف بدأ بابتسامة، وانتهى بجلطة خفيفة… ذات يوم جلستُ بجوار رجل سبعيني، وما إن فتح فمه حتى نقلني إلى أربعينيات القرن الماضي؛ ذلك الزمن الذي كان فيه الطفل يقطع أربعة كيلومترات للدراسة في بلدة مجاورة مشياً على قدمين حقيقيتين—لا “سكوتر كهربائي”، ولا يا “أبوي وصّلني”، ولا “أنا تعبان نفسيًا”.

أطفال الصف الثالث كانوا يذهبون إلى المدرسة كأنهم في سباق ماراثون، وليس في “طابور صباحي” ينهار منه جيل اليوم.

قارنت ذلك بجيل الثانوية اليوم، فوجدت أن إرسال أحدهم إلى دكانٍ يبعد ثلاثين خطوة تنزالمنزل مهمة أقرب إلى عملية عسكرية، نتيجتها في الغالب ( لا البضاعة وصلت،ولا الولد رجع كما خرج،وأحيانا قد تدفع الثمن… مالًا وأعصاباً وربما كرامة.

ثم انتقل بنا الحديث إلى ظاهرة عبقرية في كانت سائدة في ذلك الوقت وهي ظاهرة تعدد الأسماء. كل واحد من جيلهم عنده اسم رسمي، واسم شعبي، واسم ثالث احتياطي للطوارئ.

اما سبب هذه التسميات وحسب حديثه ان
المختار—الذي كان يقوم مقام الدولة والأمم المتحدة معاً انذاك —كان يسجّل المواليد بطريقته الخاصة .

يذهب إليه والد الطفل ويقول له: “سجّل ابني اسمه حمدان.” فيهز المختار رأسه باهتمامٍ بالغ… ثم ينسى الموضوع أسبوعين ثلاث وربما شهر حتى يصحبه طلعه على المدينة.

وعندما يقرر أخيرًا الذهاب إلى دائرة الأحوال المدنية، بعد أن يجمع كل المعاملات في شنطة واحدة، يكون قد نسي الأسماء تماماً، فيطلق عليهم أسماء من بنات أفكاره:
حمدان يصير أحمد،
علي يصبح محمد،
ومحمد يصبح محمود،
والطفل هو آخر من يعلم.

والأهالي؟!!!
ولا أحد يقرأ ولا أحد يكتب، وعندما يحضر لهم المختار سعادة الميلاد يضعونها في الدرج ا أنو داخل ذلك الكيس الملعون كأنها كتالوغ ثلاجة، ولا يكتشف الطفل اسمه الحقيقي إلا عندما يتوظف… أو يتجند… أو عندما يعرف أنه عاش عمره كله باسم غير اسمه، ودولته تصرّ على تعريفه بأنه شخص آخر!

والمخجل بالأمر انه عندما يأتي غريب يسأل عن أحدهم باسمه الرسمي نقف مذهولين:
“من؟! ما منعرفه!”ثم نكتشف أن الرجل يعيش بيننا ثلاثين سنة… لكنه كان احد ضحايا المختار الذي أطلق عليه اسـم آخر.

المحامي محمد صدقي غرايبه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.