جودة التعليم: طريقنا إلى وطن أقوى ومستقبل أرقى


اللواء الركن المتقاعد حسان عناب

التعليم ليس مجرد رحلة يومية إلى المدرسة، بل هو بناء متكامل للإنسان وصناعة للمستقبل. فبجودة التعليم، تُبنى الأوطان، وتنهض المجتمعات، ويُصنع جيل قادر على مواجهة تحديات الحياة بثقة واقتدار.

جودة التعليم لا تُقاس فقط بالدرجات أو معدلات النجاح، بل بمنظومة متكاملة تبدأ من الطالب، وتمر بالمعلم، وتشمل البيئة التعليمية والمناهج وأساليب التدريس.

أول مؤشرات الجودة هو التحصيل الأكاديمي، الذي يقاس من خلال نتائج الامتحانات الوطنية والدولية ونسب النجاح والتخرج. لكنه لا يكتمل إلا بتنمية المهارات والقيم؛ مثل التفكير الناقد، الإبداع، مهارات التواصل، والقدرة على العمل الجماعي، ثم تأتي أهمية جودة البيئة التعليمية، التي تشتمل على بنية تحتية آمنة ومجهزة، صفوف مريحة، مختبرات وتقنيات حديثة، وأهم من ذلك، وجود معلم مؤهل يؤمن برسالته التربوية، ويزرع حب المعرفة في نفوس الطلبة.

أما رضا الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين، فهو مرآة حقيقية لجودة التعليم. فكلما زاد الرضا، زادت جودة العملية التعليمية ونجاعتها.

وفي النهاية، يُقاس أثر التعليم بقدرة الخريجين على الانخراط في سوق العمل، ومساهمتهم الفاعلة في المجتمع، وتمسكهم بالقيم الوطنية والإنسانية.
وفي هذا السياق، لا يمكننا تجاهل التطورات التكنولوجية المتسارعة، التي فتحت آفاقًا جديدة للتعلم. فاليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي، والتعلم الرقمي، والواقع الافتراضي، جزءاً أساسيّاً من أدوات التعليم الحديثة. هذه التقنيات تسهم في تطوير مهارات الطلبة، وتعزز التفكير التحليلي، وتفتح أمامهم أبواب الإبداع والابتكار.

إلا أن الاستفادة الحقيقية من هذه الثورة التكنولوجية تتطلب بنية تحتية متطورة، وتدريباً مستمراً للمعلمين، وتحديثاً دائماً للمناهج، بما يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين.

في الأردن، يواجه قطاع التعليم تحديات كبيرة، منها الاكتظاظ في الصفوف، تفاوت مستوى البنية التحتية، الحاجة لتأهيل الكوادر البشرية، ومواكبة سرعة التقدم التكنولوجي.
وبالرغم منزهذه التحديات، يحظى التعليم باهتمام كبير من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وجلالة الملكة رانيا العبدالله، الذين يؤكدون دائماً أن التعليم هو الأساس المتين لبناء المستقبل. وتأتي مبادرات جلالة الملكة رانيا، مثل «مدرستي» و«جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز»، لتجسد هذا الاهتمام وتترجمه إلى خطوات عملية في الميدان.

وفي مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى فرص نجاح، هناك مسؤوليات مهمة تقع على عاتق الجهات التعليمية في الأردن، وأبرزها:
—تطوير المناهج الدراسية لتشمل مهارات الذكاء الاصطناعي والبرمجة والتفكير التحليلي.
—تأهيل المعلمين وتدريبهم المستمر، ليصبحوا قادرين على توظيف هذه التقنيات في التعليم.
—تحسين البنية التحتية التقنية وتوفير الأجهزة والإنترنت في جميع المدارس.
—إعداد سياسات مرنة تشجع الابتكار، وتدعم التعاون مع القطاع الخاص ومراكز البحث.
— نشر الوعي المجتمعي حول أهمية الذكاء الاصطناعي في بناء المستقبل.
—دعم الطلبة المبدعين والمبتكرين من خلال حاضنات ومراكز ابتكار وجوائز تحفيزية.

إن جودة التعليم ليست مجرد شعار، بل هي التزام ومسؤولية مشتركة، واستثمار طويل الأمد في مستقبل الوطن وأبنائه. فبجودة التعليم، نصنع وطناً أقوى، ونرسم مستقبلاً أرقى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.