جَّر الصومال الى مستنقع التطبيع


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم //مهدي مبارك عبد الله

محاولات التطبيع الإسرائيلية مع الصومال ليست جديدة وهي تعود لحقبة ما قبل الاستقلال ففي أواخر العام 1959 أقدمت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير على لقاء الدكتور محمد جيو أحد أبرز قادة المقاومة الصومالية حيث عرضت عليه تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية الا انه وللحقيقة والتاريخ لم تكن هناك أي علاقات بين الدولة الصومالية وإسرائيل منذ الاستقلال وحتى بعد سقوط الحكومة المركزية وإعادة تأسيس الدولة الفيدرالية وعقب حرب 1967 طردت الصومال القلة اليهودية التي كانت تعيش في مقديشو

بعد الاستقلال أرسل الرئيس الإسرائيلي آنذاك إسحاق بن زئيفي برقية تهنئة إلى الرئيس الصومالي بمناسبة استقلال بلاده أعلن فيها رغبته الاعتراف بالدولة المستقلة الجديدة إلا أن الصوماليين قابلوا رسالة الإسرائيليين بالتجاهل ومنها بدأ الموقف العدائي بين البلدين واتجهت بعدها إسرائيل للتعاون مع إثيوبيا وتقديم الدعم العسكري لها كرد على دعم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للصومال ثم توالت رحلة التدخلات في أوقات الصراعات المختلفة وبصور متعددة أبرزها الحرب الأهلية عام 1991 ودعم الغزو الأمريكي الأثيوبي للصومال

في الآونة الأخيرة وعلى خطى السودان والامارات والبحرين والمغرب أصبح الصومال يتجه علنا ليكون المطبع الجديد مع الكيان الإسرائيلي وفا لما أكده المتحدث باسم الرئاسة الصومالية في عدة تصاريح صحفية موثقة أن حكومة بلاده ستجري مشاورات مستفيضة مع أعضاء في البرلمان وجهات اخرى حول إقرار التطبيع

بعيد انتخاب حسن شيخ محمود في 15 / 5 / 2022 رئيسا للصومال للمرة الثانية سرت شائعات قوية بانه التقى سرا في 19 حزيران الماضي خلال أول وجهة خارجية له بعد انتخابه مع مسؤولين اسرائيليين كبار في دولة خليجية مطبعة منذ عامين ومنخرطة في العمل على إقناع أنظمة عربية اخرى للالتحاق بركب المطبعين عن طريق الاغراءات المالية والضغوط السياسية كما ان لها دور أساس كسمسار للتطبيع بين الصومال والكيان الإسرائيلي وهو ما نفاه لاحقا مكتب الرئاسة الصومالية

في ذات السياق نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقرير خاص ورد فيه أن الرئيس حسن شيخ محمود أجرى زيارة سرية إلى تل أبيب بصحبة مسؤولين كبار في حزيران 2016 خلال فترة رئاسته الأولى والتقى هنالك مع مسؤولين إسرائيليين على راسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بنيامين نتنياهو المعروف باهتماماته الشخصية بالقرن الأفريقي وأفريقيا عموماً بسبب مقتل شقيقه يونتان خلال عملية مطار عنتيبي في أوغندا في 27 / 6 / 1976 اثناء محاولة الكوماندوز الاسرائيلي تحرير رهائن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية التي اختطفها فدائيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

معهد واشنطن التابع لأكبر لوبي إسرائيلي في اميركا آيباك نشر مؤخرا ايضا تقرير نفصل أشار فيه الباحث إيدو ليفي بأن وصول حسن شيخ محمود للرئاسة سيكون فرصةً ثمينة لإدارة الرئيس بايدن للضغط على الصومال للانضمام إلى اتفاقات أبراهام واللحاق بقطار التطبيع اسوة ببعض الدول العربية الأخرى التي تجاوز بعضها مستوى التطبيع مع الاحتلال وباتت تقدم له الخدمات متنوعة

الصومال دولة عربية ذات أغلبية مسلمة سنية المذهب مما يجعل تطبيع العلاقات بينها وبين الكيان الإسرائيلي مسألة شديدة الأهميَة بالنسبة للإسرائيليين في سياق محاولات تصفية الصراع العربي الإسرائيلي خصوصًا منذ توقيع اتفاقيات أبراهام فهل تتجه نحو التطبيع برعاية خليجية وتركية

الموقع الجغرافي للصومال شديد الأهميّة بالنسبة للتجارة العالمية بتموضعه الذي يجعله نقطة تقاطع لعدَة مناطق بالغة الأهمية جيوسياسيا حيث يبلغ إجمالي طول السواحل الصومالية حوالى 3 آلاف كم وتمتد المياه الإقليمية الصومالية إلى 200 ميل بحري داخل مياه المحيط الهندي ويسيطر الصومال على خليج عدن والمحيط الهندي ومدخل باب المندب الذي يشهد مرور اغلب قوافل التجارة البحرية المتجهة عبر قناة السويس

بالإضافة إلى إطلالته المسيطرة على شبه الجزيرة العربية وحدوده الممتدة مع إثيوبيا وعمقه الأفريقي غرباً وجنوباً حيث يمر من باب المندب حوالي 5 ملايين برميل نفط يومياً وهنالك 30 ألف رحلة بحرية تنشط بشكل مستمر قرب سواحل الصومال تقدر قيمتها التجارية بما لا يقل عن 300 مليار دولار سنوياً هذا الواقع وغيره من الأسباب الاخرى جعل الصومال طوال العقود الماضية ساحة للتنافس الاقتصادي والاستخباراتي والصراع الدولي بين العديد من الأطراف الخارجية

وهو ما أثر سلبا على وضعه السياسي والأمني حيث يعيش جملة مشاكل معقدة خاصة مع استمرار نشاط حركة الشباب الإسلامية المصنفة إرهابياً دولياً ومحلياً وهي التي ستستفيد حتماً من قرار التطبيع من خلال باتهامها للحكومة الصومالية بالعمالة لإسرائيل وهو ما سيزيد في مكانتها وزخم شعبيتها في تجنيد عناصر جديدة وتوسع مشاعر النقمة والغضب على الرئيس والحكومة

منذ التسعينيات بدأت التدخّلات العسكرية الأمريكية في الصومال تحت شعار مكافحة الإرهاب واستهداف جماعة الشباب المجاهدين الفرع المحلِّي لتنظيم القاعدة الذي لا يزال يحظى بتواجد مهمٍ داخل البلاد قدَرته الأمم المتحدة سابقا بحوالي 12 ألف عنصر ناهيك عن النفوذ التركي المتصاعد من بوابة المساعدات الإنسانية والعسكرية

مقاديشو ترغب في الحصول على بعض المزايا ضمن حزمة الإغراءات التي تلوح بها تل ابيب في ملفات الأمن والتدريب العسكري ومحاربة الإرهاب وإعادة الإعمار والملف الاقتصادي من خلال انجاز تطبيعها العاجل مع الكيان الإسرائيلي الذي يستغل الهشاشة السياسية والاقتصادية التي تعيشها الدول الإفريقية من أجل زيادة تمدده في المنطقة كما ان بعض المسؤولين الصوماليين رفيعي المستوى يسعون إلى التطبيع مع الاحتلال من أجل نيل الرضا الأمريكي والغربي حيث تربطهم علاقات قوية بالعديد من الدول الغربية ولديهم إقامات بل وجنسيات وعائلات في هذه الدول بفعل الهجرات وموجات اللجوء المتكررة

الإمارات وتركيا دولتان متنافستان في الصومال وتمتلكان قواعد عسكرية مهمة وتقومان بتدريب القوات المسلحة والعناصر الأمنية الصومالية حيث دربت انقرة ما لا يقل عن 20 ألف من الجنود الصوماليين وعلّمتهم لغتها وزودتهم بالأسلحة التركية في ذات الوقت تنشط الشركات التركية بشكل أوسع في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والزراعية والنفطية الصومالية ويعيش حوالي 100 ألف صومالي في تركيا تحتضن معظمهم جامعاتها وفي 6 تموز الجاري استقبل الرئيس التركي إردوغان نظيره الصومالي شيخ محمود في أنقرة بحفاوة بالغة

مع بدايات ما سمى بالربيع العربي انطلق سعي العواصم الإقليمية والدولية بالاستعجال في الانفتاح على الصومال حيث أعادت واشنطن وبكين وموسكو فتح سفاراتها في العاصمة مقديشو مع اهتمام إيطالي وبريطاني تقليدي بمستعمراتها السابقة كما تحظى باهتمام فرنسي كبير لأهمية موقعها الاستراتيجي الحساس جداً

يذكر ان البعثة الصومال في الأمم المتحدة في آذار من عام 2019 امتنعت عن التصويت على قرار قدمته المجموعة العربية إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي لإدانة اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السورية المحتلة قبل أن تتراجع الحكومة الصومالية حينها وتصور الامر على أنه نجرد خطأ وقع بشكل غير مقصود حيث اصدرت بيان لاحق أكدت فيه على سورية الجولان والتزامها بالموقف العربي تجاه قضية فلسطين وفي حادثة أخرى إقالة الدبلوماسي عبد الله طول من منصبه بعد عدة تغريدات له على تويتر هاجم فيها الفلسطينيين ودعا إلى إنشاء علاقات مع إسرائيل

في ذات الاطار سرت اشاعات واسعة في السابق عن وجود قبول شعبي ورسمي في جمهورية أرض الصومال او ما يعرف بـ ( صوماليلاند ) الإقليم الذي أعلن استقلاله من طرف واحد عام 1991 للتطبيع مع إسرائيل كخطوة يمكن من خلالها كسب الدعم الغربي وخصوصاً الأمريكي بشأن الاعتراف بالإقليم كدولة ذات سيادة وهذا الخير انتشر بكثافة منذ ظهور المعارضة في الإقليم ضد حكم الرئيس سياد بري في عقد السبعينيات من القرن الماضي حيث تدعي قيادات الاقليم بان المخابرات الصومالية في حينه كانت وراء نشره بهدف تشويه سمعة المعارضة والإيحاء بوجود روابط دم مع اليهود

خلاصة القول ان الشعب الصومالي بعامته عانى كثيرا من احتلال أراضيه من قبل جيرانه وهو مثل جميع الشعوب العربية والإسلامية يرفض إسرائيل والتصالح معها لأنّها أولا غاصبة للحق الفلسطيني والقدس الشريف عاصمة دولة فلسطين وثانيا لا فوائد حقيقية مرجوة من ورائها حيث كانت على الدوام جزء من العدوان الاميركي والاثيوبي على ارض الصومالmahdimu.barak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.