حماس من الخندق إلى الفندق


الدكتور رشيد عبّاس

=

بقلم / الدكتور: رشيد عبّاس

إذا ما عُقدتْ مناظرة ما بين الفندق والخندق, ستجد أن المقارنة ستسقط أوراقها وما فيها من اللحظة الأولى, والتاريخ القديم والمعاصر يؤكد انه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تضع الخندق أمام الفندق وتبدأ بالمقارنة, وباختصار شديد الفنادق لا تصنع الرجال, والفنادق لا تسترجع الأوطان, والفنادق لا تأسس الدول, من يصنع الرجال, ومن يسترجع الأوطان, ومن يؤسس الأوطان هي الخنادق والخنادق فقط.

بصراحة والحديث هنا عن حماس, حماس انتقلت عند تأسيسها في منتصف الثمانينات من الفندق إلى الخندق وكان ما كان..واليوم وبعد معركة (سيف القدس)  للأسف الشديد حماس تتجه أو ربما تتوجه ببطيء من الخندق إلى الفندق وسيكون ما سيكون, وإذا ما تم ذلك فلن يبقى في الخندق من علامات الترقيم إلا علامة التعجب(!), وفي عالم السياسة هناك علوم دقيقة جداً تسمى بعلوم قراءة النتائج.. النتائج قريبة المدى, والنتائج بعيدة المدى, فهل حركة حماس قرأت نتائج هذا التوجه قريبة المدى وبعيدة المدى, والسؤال الأدق الذي لا يمكن لقادة حماس الإفلات منه ببساطة هنا هو: هل حركة حماس اليوم بحاجة ماسة لمثل هذا التوجه نحو بعض دول الإقليم؟

لا احد يستطيع إنكار حقيقة مفادها أن دول الإقليم أعادة تموضعها من جديد اتجاه حركة حماس بعد معركة (سيف القدس) والتي خاضتها حركة حماس وانتصرت فيها ضد إسرائيل والتي انطلقت شرارتها نتيجة إخلاء عائلات فلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في القدس من اجل إسكان مستوطنين إسرائيليين, حيث استمرت هذه المعركة قرابة أحد عشر يوماً بالتمام والكمال, وانتهت بوقف لإطلاق النار(هدنة) وذلك بوساطة دولية قادتها مصر.

معركة(سيف القدس) وفّرت لحركة حماس اليوم مع دول الإقليم صفحة بيضاء جديدة من دفتر امتلأت صفحاته في الماضي, وهذا شيء جيد, لكن على قادة حماس ان يُدركوا تماماً أن في هذا الدفتر صفحات مهمة لبعض الدول في الاقليم, والقفز عن هذه الصفحات ربما يوقع الحركة بمطب قد يؤدي إلى خسارة وندم يصعب معها العودة إلى المربع الأول, فالتعامل مع دول الإقليم بصفحته الجديدة يتطلب قراءة جيدة للنتائج قريبة المدى, وقراءة للنتائج بعيدة المدى بكل دقة وتروي, وأن الجري الموضعي والهرولة البطيئة والركض السريع قد يُتلف الأنسجة, وبالتالي قد يؤدي إلى ما يسمى بشدّ العضل.

إسرائيل دولة في الإقليم ستستفيد بطريقة أو بأخرى من توجه حركة حماس تجاه بعض الدول في الإقليم, وربما تدفع في هذا الاتجاه, فهناك هدف إسرائيلي يرمي إلى ضرورة تراجع بعض الدول الداعمة عسكرياً لحركة حماس, والحقيقة التي لا تقبل الشك أن ذهاب حركة حماس إلى جهات إقليمية معينة سيرافقه في نفس الوقت تخلي جهات أخرى معينة عن هذه الحركة, وإذا ما تخلّت الجهات الأخرى فيما بعد عن حركة حماس لسبب أو لأخر, عندها ستصبح هذه الحركة تلعب في الملعب الدولي لوحدها دون أية مساعدة, وبالتالي سقوطها في أرض الملعب.

اعتقد جازماً أن دول الإقليم التي تتوجه حركة حماس نحوها اليوم, ستدعم هذه الحركة مادياً فقط, واستبعد إلى حد المستحيل أن تقوم مثل هذه الدول بدعم حركة حماس عسكرياً, واعتقد أن هذه الدول ستُغرق حركة حماس بالمال إلى حد التُخمة, وربما فتح فرص عمل لشباب غزة لإخراجهم من الخندق إلى الفندق! وستعيد هذه الدول بناء ما تم هدمه في المعركة الأخيرة, معركة (سيف القدس), نعم هذه القناطير المقنطرة التي ستغرق غزة بها ستخرج شباب حماس من الخندق إلى الفندق كما يقال.

توجه حركة حماس اتجاه بعض دول الإقليم يحتاج من القيادة الحمساوية قراءة المشهد السياسي قراءه متأنية في النتائج قريبة المدى وبعيدة المدى والتي ستترتب على ذلك, إلا إذا أراد القياديين الحمساويين ارتداء البدلات الزرقاء, ومن تحتها القمصان البيضاء, ومن فوقها ربطات العنق الحمراء, ومن ثم حمل المسابح الفسفورية , فهذا شيء آخر يخصهم, وهم الأعلم بأحوالهم.

فتح خرجت سابقاً من الخندق إلى الفندق, ولبس رجالها للأسف الشديد البدلات الزرقاء, ومن تحتها القمصان البيضاء, ومن فوقها ربطات العنق الحمراء, ومن ثم حمل المسابح الفسفورية..وكان ما كان.

وبعد, انا هذه الايام عاكف على قراءة غزوة (الخندق) بكل تفاصيلها وحيثياتها..

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.