حين تزور المستشفيات العامة في بلادنا، سرعان ما تصدمك مشاهد تهزّ الوجدان.

محامي محمد صدقي الغرايبة
كبار السن، يذهبون لتلقي العلاج بلا مرافق أو معين، فتبدأ رحلة العناء منذ اللحظة الأولى لدخولهم أسوار المستشفى. ويشتد المشهد قسوة حين لا يتوفر للمكان أدنى خدمات النقل، كما هو الحال في مستشفى الأميرة هيا بنت الحسين في عجلون؛ حيث يُنزِل السائقون الركاب على الشارع الرئيسي، ليشق المرضى—وخاصة المسنين منهم—طريقًا شاقًا وصاعدًا نحو العيادات والأقسام عبر مسافة ترهق الشباب بسبب طولها وصعودها الحاد.
وما إن يصل العجوز المتعب إلى مقصده، حتى يبدأ فصلٌ آخر من المعاناة … ساعات انتظار طويلة خلف أبواب مزدحمة، قبل أن يدخل على طبيب قد لا يسعفه الوقت حتى لشرح ألمه، من كثرة المراجعين المتكدسين. ثم يُطلب منه أن يعود بعد شهرين أو ثلاثة لمراجعة الاختصاص… قم يغادر المكان مثقلاً بخيبة أمله ، خالي الوفاض، وقد عاد من زيارته الطبية كما ذهب “بخُفّي حُنين”.
لفت انتباهي عند زياتي لإحدى الدول العربية تطبيقها لنموذج حضاري لرعاية كبار السن؛ إذ خصصت تلك الدولة قسمًا خاصا لهذه الشريحة يُدعى قسم الصحة الأسرية، مهمته زيارة منازل المسنين المرضى يوميًّا في أوقات ثابتة، لقياس الضغط والسكري ومتابعة الحالة الصحية. وفي نهاية كل شهر، يزورهم أطباء الاختصاص لإجراء الفحوصات اللازمة في بيوتهم، وفي حال تتطلب الوضع علاجًا أكبر، يُحوّلون مباشرة إلى المستشفى مع منحهم أولوية قصوى في كل إجراء.
إن رعاية كبار السن ليست مظهرًا من مظاهر الترف او الرفاهية، بل ضمانة أساسية لبقاء الدولة وصلابة بنيتها. فمن يعرف اليوم أن دولته لن تخذله غدًا، سيعمل بكل إخلاص وولاء لبناء مؤسساتها والمحافظة عليها ولن يشعر مطلقا بأنه سيصبح ذات نهار ضحية لانطباق المثل الشعبي القائل إذا كبر كبيركوا سرحوه بحميركوا .

