خطأ رئيسة وزراء السويد وخطايا مسؤولينا !


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم  /  مهدي مبارك عبد الله

في عددها الصادر يوم الثلاثاء 11 / 1 / 2022 قالت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية إن رئيسة وزراء السويد المنتخبة ( ماغدالينا أندرسون ) عضوة حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي السويدي تعرضت لانتقادات حادة ولاذعة بعد أن اكتشفت الشرطة اثناء وصولها لمحيط منزلها بعد انطلاق جهاز إنذار ضد السرقة بطريق الخطأ حيث صادفوا هنالك امرأة من نيكاراغوا في الـ 25 من عمرها تشتغل عاملة نظافة في منزل رئيسة الوزراء العائلي في منطقة ناكا وسط السويد وقد اثارت الحادثة التي وقعت في 21 ديسمبر الماضي وتتناقلها وسائل الإعلام السويدية يوم السبت الماضي تساؤلات عديدة حول إجراءات تأمين رئيسة الوزراء وتعزيز التحكّم فيمن يمكنه دخول منزلها

بالتدقيق في الاوراق الثبوتية للعاملة تبين انها مهاجرة غير قانونية وصادر بحقها مذكرة ترحيل حيث سلمتها الشرطة إلى مصلحة الهجرة السويدية وهو ما وضع اندرسون في موقف حرِج للغاية خاصة وانها كانت تدعو دائما سواء خلال ترشحها او بعد تعيينها رئيسة للوزراء الى اتخاذ سياساتٍ واجراءات أكثر صرامة في مواجهة الهجرة غير القانونية

وقد اعتذرت من الشعب وزملائها الوزراء وبررت موقفها لصحيفة اكسبرسن السويدية أنها قد تعرضت لعملية خداع من قبل شركةٍ متخصصة بالعمالة الوافدة تعمل بلا ضمير وقالت بمرارة ( حتى من يحاولون فعل الأمر الصائب من بيننا قد يسقطون ضحيةً للمشغلين ) المتحايلين على القانون وقد أنهت كل العقود مع شركة النظافة المعنية وحصلت على تأكيد من رئيسها بأن كل موظفي الشركة يعملون بشكل قانوني واوضحت بآن هذه الواقعة يجب ان تسلط الضوء على ضرورة تطبيق المزيد من التدابير السياسية لمكافحة جريمة الاحتيال

دخلت اندرسون التاريخ في تشرين الثاني الماضي حين اصبحت أول امرأة تتولى رئاسة وزراء في البلاد بعد التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع حزب اليسار لزيادة الرواتب التقاعدية مقابل دعمها في التصويت لها ومنذ بدايتها وضعت ثلاث أولويات لفترة رئاستها الرفاه الاجتماعي ومحاربة تغير المناخ والبطالة ومكافحة ارتفاع العنف خاصة الجريمة المنظمة وحرب العصابات التي فشلت السويد في إيقافها

هنالك ظروف مشابهة حدثت في أماكن أخرى من العالم حيث استقال في عام 2014 وزير الهجرة البريطاني ( مارك هاربر ) بسبب تقارير حول قيامه بتوظيف مهاجر غير شرعي كعامل نظافة وكذلك خلال فترة رئاسة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون انسحبت مرشحته لمنصب المدعي العام ( زوي بايرد ) بسبب ظهور معلومات حول توظيفها لمهاجرين غير قانونيين وربما لا تكون هذه الأسباب للاستقالة مهمة عندنا ولا يستقيل على أساسها الوزراء والمسؤولون ولكنها في بريطانيا وامريكا والدول الغربية المتقدمة تعتبر مهمة جدا بل وخطيرة قد تضطر الحكومة كاملة للرحيل بسببها

اما عندنا يا سادة يا كرام المعايير مقلوبة والحقائق معكوسة والخلل والعطب بضرب اساسات البنيان وقواعده ولا زلنا نشطف الدرج من الاسفل ونغرق في المياه القذرة فلا احد من المسؤولين يعترف بخطئه حتى ولو كان قاتلا ولا احد يعتذر او يستقيل الا مرغما ويبقى الكثيرون منهم متشبثون بكراسيهم ومواقعهم بسطوة سيف العشيرة او بهيمنة الدم والقرابة او بدهاليز المحسوبية ولسان حلهم يردد ( انا ومن بعدي الطوفان ) ولا يخفى على احد كيف تتحرك قضايا الموا طنين وتدار دواليب العديد من الدوائر والمؤسسات العامة كالأراضي وكيف تسجل القطع وتسهل عملية بيعها او تعقد وكيف تقدر الرسوم وفي البلديات حيث مخططات الابنية والرخص وعوائد التنظيم وضريبة المسقفات وغيرها الكثير من الدوائر الرسمية الاخرى التي ترى فيها بأم عينك ما يفزع عقلك ويفجع قلبك

كل اردني يعرف عدداً من الوزراء والمسؤولين ومدراء الدوائر والنواب والموظفين الذين اصابهم الغنى وتبدلت بهم الاحوال وصاروا اغنياء ومن اصحاب الارصدة والاراضي والسيارات الفارهة وبعضهم اصبحت له خطوط باصات وتكاسي وغيرها على حساب وظائفهم ولا اريد الحديث عن الصفقات الكبيرة ومعظم الاردنيون يعرفون الكثيرين ايضا من الذين وصلت اعمدة الكهرباء لمزارعهم على حساب فلس الريف او من الذين حصلوا على قروض زراعية أو من صندوق التنمية والتشغيل وتخلفوا عن سدادها وشطبت عنهم

في بعض مديريات الزراعة لدينا كان العديد من عمال المياومة يعملون في بيوت ومزارع المسؤولين يسقون الارض و ويقلمون الاشجار ويعتنون بالحدائق والى غير ذلك من الاعمال الخاصة اما المراسلون فأكثرهم غارقون في شراء الحاجيات والاغراض المنزلية لمدراءهم كما يشاهد الاردنيون في كل يوم كثيراً من السيارات الحكومية بالنمر الحمراء تلف الشوارع في نزهات ليلية بلا خجل وفيها ابناء واحفاد المسؤولين يتراقصون وهم يستفزون مشاعر البسطاء

بصراحة هل فكر احد منا يوما كيف اصبح كثير من المعدمين من الوزراء والمسؤولين من اصحاب الملايين وكيف استولوا على عشرات الأف الدونمات من اراضي الدولة وزرعت لهم ووصلتها الخلطة الاسفلتية الساخنة واعمدة الضغط العالي حتى انارت قمم الجبال على مدى عشرات الكيلو مترات فيما اهملت القرى المجاورة لها فالوزير الذي راتبه اقل من الفي دينار في الشهر ويمضي في الوزارة اقل من سنة ولنفرض انه جمع راتبه ولم يصرف منه فلساً هل يصبح بعد هذه السنة المباركة من اصحاب الملايين ومالك للأراضي الشاسعة وصاحب مزارع ومعامل وشركات وسيارات وكثيرون منهم غيروا البيوت والنساء والأثاث

للأمانة نقول ان معظم الاردنيين تعايشوا مع الفساد وكثير منهم يرحبون بالفاسدين ويعتبرون قدومهم لأفراحهم واتراحهم تشريفاً لا يحظى به الاتقياء من الصالحين ولم تعد تأذينا كلمة فاسد وكأننا بتنا نتنفس فساداً وحتى تنظيمات واحزاب المعارضة كانت تخص اعضاءها ومؤازريها بالعمل الخيري وتستثني كثير من الفقراء والمحتاجين الاردنيين كونهم خارج جداولهم الانتخابية

نحن في الاردن مللنا الاكاذيب والتعامل مع قضايا المواطنين للاستهلاك الاعلامي المضلل فالعقود ما تزال تعمل والمستشارين الذين يتم استرضاؤهم يتكاثرون وابناء الذوات يحلون على التوالي بمواقع ابائهم وابناء عشيرتهم والمواطن العادي لا يستطيع ان يصل الى وزارة الخارجية او الداخلية او السفارات أو رئاسة الوزراء وهي وغيرها مواقع حكراً على ابناء الطبقة الراقية ومن يصل لها يكون مدعوماً بنسب او مصاهرة او لوبي متنفذ وحتى وفود الحج في الوزارات والدوائر ايضاً كانت تخضع بدرجة معينة للمعرفة والواسطة ويتم ” تزريق ” فلان او علان لأداء المناسك دون وجه حق

لقد اصبح بعض المسؤولين لدينا في مرحلة ما تجار وسماسرة لتصاريح العمل يجنون آلاف الدنانير منها حساب العمال البسطاء خاصة في القطاع الزراعي بسبب سهولة الحصول عليها ولا يخفى على احد ما تشوب طرق الاستقدام الكثير من الثغرات ( تجارة عقود العمل تندرج تحت بند الاتجار بالبشر وفقا لقانون الاتجار بالبشر الأردني الذي ينص على أن استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم يعتبر جريمة اتجار بالبشر ) فهل تم محاسبة احد ليذكرنا من يعرف

الحديث يطول عن بعض المسؤولين الذين اختلسوا الاموال العامة وحولوها للملاذات الامنة في البنوك الأجنبية وخرجوا نهارا وجهارا من بوابات المطار ومعابر الحدود دون حسيب او رقيب وبترتيبات ومرافقات وحماية مسبقة وطالما استخف بعض المسؤولين بمطالب الحراكات والمعارضة باستعادة الأموال المنهوبة في قضايا الفساد وكان ردهم أن قيمتها بسيطة ولن تسد العجز في الموازنة

ناهيك عن صعوبة استعادتها أصلا واحدة منها على سبيل المثال فقط ( شركة الفوسفات ) التي أثبتت بطلان هذه الادعاءات بعدما تبين أن قيمة الأموال المتهم باختلاسها رئيس مجلس إدارتها السابق وليد الكردي تصل إلى 340 مليون دينار حسب لائحة الاتهام التي صدرت من النيابة العامة وربما يتضاعف المبلغ المذكور ثلاث مرات على الأقل اذا تم التعمق في التحقيقات أي أن المبالغ المسروقة ستناهز المليار دينار

هنالك العديد من القضايا التي تورط فيها بعض المسؤولين جرى لفلفتها وضاع فيها على الخزينة مبالغ تزيد على الوارد في لائحة اتهام الكردي من صفقات ( نفط وزيت ثقيل وعمولات مشاريع وعطاءات على حساب الخزينة ومشاريع خصخصة ملتوية وبرامج اقتصادية وإسكانية وأراضي خزينة جرى نهبها وقصور تم تشييدها من عرق الناس ) ناهيك عن الرواتب الخيالية للرؤساء والمدراء ومكافئات وبدل تنقلات وسفرات اعضاء المجالس الادارية وغيرهم

لا زلنا نتذكر قضية المسؤول الامني الكبير الذي تورط بجريمة غسيل الاموال بمبالغ زادت عن 30 مليون دينار حيث كان يتولى تهريبها في طائرات وسيارات ويسهل مهمة دخولها عبر المنافذ الحدودية مستغلا وظيفته ونفوذه لغايات نقلها وإخفائها وتحويلها لتمويه مصدرها الحقيقي او تغيير صورتها بالاشتراك مع اشخاص من عدة جنسيات ( عصابات دولية منظمة )

ولا يخفى على احد كثرة الشكاوى المرة للأردنيين والاردنيات العاديين الذين فقدوا ادوارهم في ديوان الخدمة المدنية لأن واسطة ونفوذ الكبار تعدت على حقوقهم ومستقبلهم ودعونا لا نخدع انفسنا ونقول بصدق ان الكفاءة في الاردن نادراً ما تعطيك حقك ومكانك في ظل سيطرة كثير من المسؤولين على الواجهة والمشهد والبيئة المحفزة للاستغلال وان قوة الطبقة السياسية التي اوجدت الفساد وجعلت الواسطة هي المسير لأحوال البلد ما تزال موجودة فلا تسألن بعدها كيف غادر( الاردن قلوب الاردنيين )

للأسف ما يسمى بالديمقراطية عندنا لم توصلنا مسؤولينا بعد لمثل هذا النوع المشرف من الاعترافات او الاعتذارات او الاستقالات حتى ولو دمروا القطاعات وألحقوا أفدح الأضرار في المواقع التي يتحملون مسؤوليتها فالعديد من الوزراء والمسؤولين وفي حكومات عديدة ارتكبوا ( خطايا أكبر بكثير من خطئها ) رئيسة الوزراء السويدية وبقوا يتربعون فوق عروشهم بقبضة حديدية وتصريحات كاذبة رغم ان سياستهم خاطئة ومضرة بالدولة والمجتمع والمواطنين ودون أي شعور منهم بالمسؤولية أو تأنيب الضمير

قبل الختام نقول اننا سنبقى على ثقة كبيرة بان الإرادة التي حركت مؤخرا بعض ملفات الفساد الضخمة من جديد قادرة على تحريك ملفات أخرى مفتوحة منذ مدة والخطوة العملية التي يمكن أن تحدث فرقا في هذا الصدد هي إطلاق يد هيئة مكافحة الفساد لتعمل بهمة كما تعمل حاليا للتحقيق في الملفات المفتوحة والسير في إجراءات التقاضي وصولا إلى استعادة أموالنا المسروقة ومعاقبة كل من مد يده على أموال الأردنيين في القطاعين العام والخاص

يذكر ان ( ماغدالينا أندرسون ) بعد 7 ساعات فقط من موافقة البرلمان السويدي ( ريكسداغ ) على توليها منصب رئيسة وزراء السويد قدمت استقالتها من المنصب نتيجة خروج شريكها في الائتلاف حزب الخضر من الحكومة التي فشلت في تمرير ميزانيتها وهو ما جعلها تقف بكل مسؤولية وشجاعة وصدق امام الصحافيين وتقول لهم ( ثمة عرف دستوري أن حكومة ائتلافية ينبغي أن تستقيل في حال انسحاب حزب منها وأكدت لا أريد أن أرأس حكومة مطعون بشرعيتها )

الا انه في 29 تشرين الثاني 2021 أعيد تعيينها من جديد رئيسة للوزراء في هذا البلد الإسكندنافي بعد أن أجبرتها الاضطرابات السياسية على الاستقالة ووجدوا فيها الكفاءة والامانة والمصداقية المستحقة اليس هنالك فرق كبير وبون شاسع بين خطأها وخطايا من ابتلينا بهمmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.