دعوة شعبية عاجلة لمناصرة المناضلة أحلام التميمي


مهدي مبارك عبدالله

=بقلم// مهدي مبارك عبد الله

يبدو ان واشنطن عادت من جديد الى سياسة الابتزاز المعروفة والى خطى البلطجة المكشوفة والغطرسة المفضوحة والتهديد الارعن والاستغلال المبتذل والمسرحيات المملة والمطالبات المستحيلة والتوظيف الرخيص للظروف والاحداث حيث نشر يوم الاثنين الماضي 10 / 7 / 2022 تصريح صادر عن مجلس الأمن القومي الأميركي بان الإدارة الأميركية ( تواصل السعي لترحيل احلام التميمي والحصول على مساعدة الحكومة الأردنية لتواجه العدالة ) بزعم مشاركتها في عملية انتحارية جرت في القدس المحتلة عام 2001 رغم ان منظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول إزالة اسمها من قائمة المطلوبين لديها وأغلقت ملف القضية

اميركا تعلم وتعترف بوجود قانون أردني يحظر ترحيل المواطنين الأردنيين الى أي جهة كانت ومما يثير المخاوف على مستقبل ومصير المناضلة التميمي احتمال إصدار أحكام أمريكية قاسية بحقها قد تصل إلى الإعدام او السجن مدى الحياة على أقل تقدير دون إمكانية الإفراج المشروط عنها وهو ما دفع الحكومة الأردنية مرات عديدة إلى رفض الطلب الأمريكي باعتباره مخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية المبرمة بين البلدين ولكونه يحاكم الضحية بدل الاحتلال

بصدور هذا التصريح الامريكي الاستفزازي ذو الاهداف السياسية والذي يقف خلفه الكيان الإسرائيلي رغم انه يظهر علينا بقناع القضاء الأمريكي من اجل التضييق على الاسرى المحررين بإعادة قضية البطلة أحلام التميمي الى الواجهة من جديد ووضعها على قوائم الإرهابيين المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ( إف بي آي ) بعدما أمضت عشر سنوات من عمرها داخل السجون الإسرائيلية عاشت خلالها ظروف تحقيقية قاسية وتعرضت كغيرها من الأسرى للعنف والحرمان والعزل الانفرادي بعد سلسلة طويلة من الأحكام الجائرة الصادرة ضدها والتي تجاوزت السجن المؤبد 16 مرة أي بمعدل 1584عام كما حكم عليها ايضا بستة أشهر إضافية بدعوى قيامها بضرب شرطية إسرائيلية من طاقم السجن

في عام 2011 تم الإفراج عنها ضمن الدفعة الأولى لصفقة تبادل الأسرى التي سميت حينها وفاء الأحرار والمعروفة أيضا بصفقة ( شاليط ) لتبادل للأسرى بين كيان الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية حماس ثم ابعدت الى الأردن حيث تعيش حرة مكرمة في ظل الرعاية الهاشمية وحماية الأجهزة الأمنية ونصرة الشعب الأردني الوفي ومن المهم الاشارة هنا الى ان صفقة التبادل تلك تضمن للتميمي والمعتقلين الذين تمّ الإفراج عنهم أن يبقوا أحرار دون أن يعاد اعتقالهم من أي طرف او جهة إسرائيلية او غيرها

مع انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى الثانية اختارت التميمي طريق المقاومة لإيمانها المطلق أنه السبيل الوحيد لتحرير الأرض من دنس اليهود وطرد المحتل حيث كانت أول امرأة عضو في صفوف كتائب القسام ( الجناح العسكري لحماس ) تنخرط في اعمال المقاومة ولم تكن استشهادية بالمعنى العملي للكلمة وقد مكنها عملها كصحفية تتقن اللغة الإنجليزية من الدخول إلى أماكن تجمعات الإسرائيليين وإجراء المقابلات معهم دون أن تثير أي ريبة أو شك لدى جنود الاحتلال وهو ما ساعدها في المشاركة بتنفيذ العديد من العلميات الفدائية النوعية

في يوم 9 / 8 / 2001 شاركت الصحفية التميمي بقلب جسور وإرادة صلبة في العملية الاستشهادية الجريئة التي نفذها المقاوم عز الدين المصري في القدس المحتلة حيث فجر عبوة ناسفة كانت مخبأة داخل جيتار في مطعم سبارو للبيتزا وهو ما تسبب لاحقا باعتقالها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحام منزل والدها في قرية النبي صالح خلال تلقيه العزاء بوفاة زوجته

العملية البطولية أسفرت حينها عن سقوط 15 قتيل 13 إسرائيلي ومواطنان أميركيان أحدهما فتاة تحمل الجنسية الإسرائيلية تدعى ( مالكي روث ) لا زالت عائلتها حتى الساعة تمارس مختلف الضغوط على الإدارة الامريكية والمسؤولين الاسرائيليين وأعضاء الكونغرس والكنيست لإجبار الأردن الحليف القريب من واشنطن على تسليم التميمي

بعد مرور ست سنوات على الإفراج عنها قام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بوضعها على رأس لائحة الإرهابيين المطلوبين بتهمة التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد أمريكيين خارج الولايات المتحدة والمشاركة في تفجير مطعم بالقدس المحتلة وبناء على ذلك طالبت وزارة العدل الأمريكية الحكومة الاردنية بتسليمها فورا كما وضعت مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل اي معلومات تؤدي إلى اعتقالها أو إدانتها

المناضلة التميمي ولدت عام 1980 بمدينة الزرقاء ثم انتقلت مع أسرتها في تسعينيات القرن الماضي إلى قرية النبي صالح في رام الله بفلسطين والتحقت بجامعة بيرزيت لدراسة الإعلام والعلوم السياسية وبعد تخرجها عملت كمحررة صحفية في مجلة ميلاد التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية ومقدمة برامج في تلفزيون الاستقلال وهي وجه نسوي مألوف في الإعلام المحلي والإقليمي والدولي ومن خلال معاناتها الطويلة في السجن وصمودها الأسطوري واقدامها البطولي حازت بكل جدارة واستحقاق على لقب عميدة الأسيرات الفلسطينيات وأميرة الحرائر في جميع الأوساط الفلسطينية والأردنية على حد سواء

الأردن الرسمي ممثل بـ ( الدولة والنظام والحكومة ) مواقفه المبدئية والراسخة حيال قضية المواطنة أحلام التميمي مشرفة للغاية حيث قاوم آنذاك بقوة تهديدات ترامب وغطرسته ورفض الرضوخ لمضمون الرسالة شديدة اللهجة الموجهة من سبعة نواب من الحزب الجمهوري إلى السفارة الأردنية في واشنطن والتي تضمنت تهديد جدي بفرض عقوبات على المملكة في حال عدم تسليمها التميمي كما رفضت عمان مقايضة المساعدات والمنح والقروض براس التميمي واننا على امل ان تسير الحكومة الحالية على ذات النهج والإصرار بان لا ترضخ لتحديات الإدارة الامريكية لمشاعر الشعبين الفلسطيني والأردني وبالتالي ان لا توافق على تسليم التميمي مطلقا

الطلب الأمريكي بهذا الشأن ووفقا لتصريحات العديد من رجال القانون والحقوقيون غير قانوني ويفتقد للمسوغات الشرعية والدستورية كما انه يتعارض مع مبادئ وقرارات الشرعية الدولية التي أعطت الحق للشعب الفلسطيني بمقاومة المحتل بكل الوسائل وتقرير المصير بالإضافة الى ان اتفاقية تبادل المجرمين الموقعة بين الأردن والجانب الأمريكي عام 1995 غير سارية المفعول ولم يصادق عليها مجلس النواب الاردني ولم تستكمل مراحلها الدستورية المطلوبة وهي غير نافذة ولا مستوجبة للتطبيق كما انه لا يحق للولايات المتحدة اتهام التميمي ثانية لأنها حوكمت بالفعل في إسرائيل ولا يجوز محاكمتها على نفس الجرم مرتين ومع أنها لم تمضِ كامل العقوبة في السجن الا انها مشمولة ببنود الصفقة التي تسقط ملاحقتها على الجرم نفسه

الواقع يكشف بوضوح ان ما تسعى اميركا في الوصول اليه يدخل في إطار العنصرية المقيتة ويأتي خدمة لكيان الاحتلال الذي يسعى بكافة الوسائل إلى إجهاض وإسقاط أي رمز قد يرفع منسوب المواطنة والمقاومة في نفوس الفلسطينيين ورغم كل ذلك سنبقى ننظر في الاردن الى البطلة التميمي كرمز للمرأة الفلسطينية الصامدة والمكافحة التي يجب ان ندعمها وننتصر لها ونقف معها باعتبارها عنوان للمرأة المناضلة والمقاومة التي أصبحت مثالاً يحتذى به ولأن ذلك أيضا يشكل الحصانة الحقيقية والضمانة الأكيدة لبقائها سالمة ولا تصل إليها الأيدي الامريكية او الإسرائيلية الاثمة

في ظل هذه الأجواء المفعمة بالقلق والخوف وسطوة وعربدة الموساد الاسرائيلي نحذر لا قد الله من إمكانية تكرار السيناريو الفاشل في محاولة اغتيال خالد مشعل او اغتيال محمود المبحوح أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام عام 2010 بفندق في مدينة دبي وكذلك اغتيال عمر النايف عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 2016 الذي تم في ظروف لا زالت مجهولة إلى الآن حيث كان يختبئ في السفارة الفلسطينية بالعاصمة البلغارية صوفيا وهو ما يستدعي ضرورة استمرار توفير الحماية الامنية للتميمي لعدم تعريض حياتها لأي اعتداء او خطر محتمل

المطالبات والضغوطات الامريكية بتسليم التميمي مرة أخرى تعتبر سابقة خطيرة وهي ليست جديدة ولن تكون الاخيرة وقد حاولت الولايات المتحدة في السابق رفع سوط العقوبات فهل تعاقب من جديد الاردن على قرار دستوري وسيادي ملكا له ومن حقه مقابل كل ذلك فأننا كشعب اردني عربي روت دماء شهداءه الابطال معظم ارض فلسطين نستهجن وتدين موقف الادارة الامريكية وازدواجية المعايير لديها ففي الوقت الذي تصمت فيه عن جرائم الحرب الصهيونية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني الاعزل بل وتدعمها بالمال والسلاح والدبلوماسية وخير شاهد على ذلك ما جرى في الاعتداءات المتكررة على غزة والقدس والاقصى وجنين ونابلس وغيرهما وفضلا عن التواطؤ والتستر الأمريكي الأخير المخزي في مجريات التحقيق حول مقتل الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة نراها اليوم تعود لتتهم مواطنة أردنية باستخدام أسلحة دمار شامل وتضعها بقائمة أخطر الإرهابيين ظلما وعدوان

قبل الختام انه ليشرفنا في هذا المقام ان نسجل الاعتزاز الكبير بموقف محكمة التمييز الموقرة أعلى هيئة قضائية اردنية مصادقتها عام 2017 على قرار محكمة استئناف عمان القاضي برفض تسليم التميمي إلى السلطات الأمريكية وهو ما يثبت حقيقة ان ( الأردن دولة ذات سيادة مستقلة وقانونية تعرف كيف تتعامل مع المطالب الامريكية بما يحمي مواطنيها أو الأشخاص المقيمين على أرضها )

كما إننا ونحن نشيد بالموقف الوطني الرسمي الصلب فإننا نرجو أن يكون ذلك السلوك منهج راسخ أمام كل المتغطرسين الذين يسعون للتطاول على سيادة الأردن وانتهاك الحقوق الأساسية لمواطنيه وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني الغاصب وما حادثة استشهاد القاضي الراحل رائد زعيتر عنا ببعيدة نكرر امام العالم اجمع وبالثقة المطلقة ان الأردن ( ملك وحكومة وشعب ) لن يقبل بأية مساومات تنتقص من كرامتِه الإنسانية وسيادتِه الوطنية على كافة ترابه الطهور كما انه لن يرضى وقوع أي ضيم أو غبن أو مساس بحرائره النشميات

المطلوب من الشارع الأردني الذي يميل في غالبيته إلى رفض تسليم أحلام التميمي وبشكل عاجل تنظيم حملات غضب واحتجاج واسعة ومواقف شجب واستنكار مكثفة على كافة مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلف على الموقف الأمريكي اتجاه التميمي بالإضافة الى المشاركة بفتح هاشتاقات بوسم ( كلنا أحلام ) او غيرها

لدعمها ومناصرتها وكذلك لا بد من مؤازرة الموقف الأردني الرسمي المشرف لتعزيز قدرته وصموده في التصدي للرغبة الأمريكية وعدم الرضوخ لضغوط البيت الأبيض بتسليم التميمي ومواجهة عنصرية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي طالما عزف على وتر صهيونيته وحماية تل أبيب وتوفير سبل الأمن والأمان لها املين من الجميع في كل ارجاء الوطن الغالي الالتفاف حول قضية المواطنة البطلة أحلام التميمي لأنها إنسانية وعادلة

دعاؤنا الموصول لبلدنا وشعبنا وقيادتنا بالحفظ والامن والاستقرار في ظل رعاية الرحمنmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.