رمضان في الموروث الشعبي العجلوني


الباحث محمود حسين الشريدة

 

المقدمة :

 

كان الأردنيون في الماضي أكثر قربا بعضهم من بعض ، وأكثر بساطة في حياتهم ، وكانوا يمتازون بمعيشتهم البسيطة ، والمتشابهة ، ولهذا كانت العادات والتقاليد المتوارثة تحكم أسلوب حياتهم ، توارثوا هذه العادات  عبر الأجيال ، ولكن في النهاية مثلت عاداتهم  وتقاليدهم  ألرمضانية ألأصيلة ، التي عززت قيم المحبة وروح التكافل والتضامن بين كافة أفراد المجتمع .

وعند الحديث عن ذكريات شهر رمضان المبارك من خلال حياة الآباء والأجداد ، نجدها متشابهه إلى حد ما ، وخاصة عن حياة الناس في الحضر أي سكان القرى والحواضر الأردنية ، وقد تختلف قليلا عنها حياة المدن التي خالط سكانها ثقافات من المناطق المجاورة ، فاختلط أسلوب حياة الناس بالمدينة مع هذه الثقافات الوافدة أليه من مناطق الجوار .

ومن الملاحظ أنّه يوجد اختلاف واضح بين رمضان الأمس ورمضان اليوم ، فرضه التغير في نمط الحياة كما أن التطور شمل مختلف نواحي وتفاصيل الحياة اليومية.

 

رمضان في جبل عجلون :

 

يعد شهر رمضان المبارك من الأشهر ذات الطقوس الروحانية التي تهفوا إليها ألنفس ، وتستعد فيها للطاعات والعبادة وصلة الأرحام ، وكون غالبية الناس في محافظة عجلون مسلمين ومتدينين وصوم شهر رمضان المبارك بالنسبة إليهم ركن من أركان الدين الإسلامي ، فكان الناس يعدون أنفسهم للصوم قبل قدوم شهر رمضان .

قبل 50 أو 60 عاماً، كانت غالبية قرى محافظة عجلون ، بلا كهرباء ، أو شبكة مياه ، وبلا خدمات ، كالمواصلات العامة ، والبريد والهاتف .إلا إذا استثنينا مدينتي عجلون وكفرنجة وعنجره ،  في وقت أصبحت هذه الخدمات عاملاً رئيسياً  ساهم في تغير نمط الحياة فيما بعد ……..

 

الذاكرة الشعبية في رمضان زمان :

 

كان رمضان قديما أجمل ، كان أكثر ألفة ومحبة وتقاربا وتماسك بين الأرحام والأقارب والجيران ، في الحي أو الحارة على اختلاف منابتهم .

كانت الموائد في شهر رمضان بسيطة ومتواضعة ، ومواد صنع مائدتهم ، جميعها من منتجاتهم الحقلية ، ينتجها في حقله ، ويحتفظ بها في بيته ، وقليلاً منهم يشتري هذه المواد ، ويُصنع منها أكلات شعبية بسيطة وغير مكلفة .

كانت مائدتهم الرمضانية عبارة عن قليل من حبات التمر،مع صنف واحد من الطعان في اغلب الاحيان ، من طبيخ البندورة الطازجة إن أتى رمضان في موسمها أو مجففة (المشروح) المخزن لديهم ، أو طبيخ الرشوف ، أو العدس أوالبرغل أو الفريكة أو طبيخ الخبيزة والعكوب وبعض الخضروات البرية الاخرى في موسمها أو البيض البلدي ،

أما اللحوم ( لحم الضأن أو الدجاج ) فاستعماله لا تعدى مرتين إلى ثلاث مرات في الشهر في بدايته وتسمى غرة رمضان ، واوسطة ، ويوم العيد .

كان الناس  يتبادلون أطباق الطعام قبل أذان المغرب، حيث شكلت هذه العادة الرمضانية حالة من الألفة ، والمحبة ، والتماسك بين أبناء الحي أو الحارة على اختلاف منابتهم .

زمان كانوا يحافظون على عادة اجتماعية مورست من قبل الأجداد وتوارثتها الأجيال ، كونها ترسخ معاني الرحمة وصلة الأرحام . وهي اجتماع  الأسرة في اليوم الأول من رمضان ، لدى كبير العائلة ، الجد أو الأب ، الهدف منها لم شمل أفراد الأسرة وترسيخ العلاقات الاجتماعية أكثر في هذه المناسبة المباركة .

زمان كانت تواجه الناس مشكلة كبيرة في ثبوت شهر رمضان ، فعندما يتحقق ثبوت شهر رمضان لدى دائرة القضاء الشرعي في العاصمة عمان ، يتم إرسال برقية لاسلكية لعدم توفر خطوط هاتف بين العاصمة وقضاء عجلون ، ترسل البرقة إلى قيادة مقاطعة شرطة عجلون لإعلامهم بثبوت شهر رمضان أو غدا متمم لشهر شعبان .

وفي ليلة اليوم المتوقع تحري ثبوت شهر رمضان بها ،  يرسل مخاتير القرى ، حارس القرية إلى قيادة المقاطعة في عجلون ، وينتظرون وصول الخبر من عمان ، وعند وصول خبر ثبوت شهر رمضان ، يتسلمه حراس القرى ويعودون ليلا إلى قراهم ، التي تبعد في بعض المناطق أكثر من 15 كلم ، وعند وصول الحارس إلى القرية يطلق عدة طلقات نارية من بندقيته ، يفهم الناس من خلالها ، ان غدا هو بداية شهر الصوم ، ويتكرر هذا المشهد في ثبوت يوم عيد الفطر  وبنفس الطريقة .

 

ومن الذكريات الجميلة زمان وجود المسحراتي ، وهو رجل يتوافق عليه المخاتير مع أهل القرية وبمواصفات تصلح لهذه المهمة ، وهنا نستذكر المرحوم علي أبو عودة ، ومن بعدة المرحوم صباح في خربة الوهادنة وهم يجوبون الحارات ، ذات الأزقة الضيقة والمتعرجة وهم يضربون على تنك من الصفيح ، وينادون بأصواتهم العالية ، أو يدقون على أبواب المنازل ، وينادون على سكانها بأسمائهم ، لان المسحراتي يعرف جميع سكان القرية بأسمائهم ، أو يُنشدون بعض المدائح أو الأقوال المحببة مثل :

يا نايم وحد الدايم … تسحروا تسحروا … فان في السحور بركة ، وكم كانت فرحة الأطفال كبيرة وهم يلاحقون المسحراتي في حاراتهم وهم يرددون معه يا نايم وحد الدايم .

 

أما وقت الإفطار ونظرا لعدم توفر أجهزة الراديو ، وقليل من الناس من يقتني ساعة توقيت ، يعتمد الناس في إفطارهم أو إمساكهم عن الطعام ، على رفع الأذان من مسجد القرية ، ولعدم توفر الكهرباء لا يوجد سماعات مكبره للصوت على مآذن المساجد ، فكان إمام المسجد يرفع الآذان مباشرة من فوق المئذنة أو سطح المسجد  .

وكان هناك وظيفة ظريفة للأطفال وهي مراقبة المؤذن عندما يظهر على ظهر المئذنة ، فيصيح الأطفال الذين يراقبونه من فوق أسطح منازلهم ( طلع ، طلع ، طلع ) ، وهذا إيعاز لربة البيت لفرد مائدة الطعام ، لأنة بالعادة يظهر الشيخ على مئذنة المسجد ، قبل وقت موعد الإفطار بخمس دقائق على الأقل ، وعند رفع الآذان ينزل الأطفال مسرعين ، من فوق أسطح المنازل لتناول طعام الإفطار .

 

زمان كان الناس أكثر ترابطاً ، ومن باب التكافل الاجتماعي الحقيقي كانوا يتبادلون ما يعدون من طعام عند الإفطار، وبالتالي يتنوع الطعام في بعض البيوت ، وكانوا يعتمدون على مياه الآبار وجرار المياه في شربهم وإعداد الطعام .
كما تحرص الأسر في العشرة الأواخر من رمضان على إخراج زكاة الأموال ويتم توزيعها على مستحقيها من الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل .

ومن العادات الرمضانية كان الناس يستعدون لاستقبال ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان بجو روحاني فيه كثير من الرجاء والأمل بالقبول والمغفرة ، بينما المسحراتي يقوم في أواخر أيام رمضان بالتوحيش لوداع رمضان ببعض المدائح :

لا أوحش الله منك يا رمضان …  يا شهر الصلاة والصوم والغفران  …   يا شهر الكرم والإحسان  …   يا شهر الخير والغفران …

 

ويحرص الناس في أواخر رمضان في أيام الوقفات ( الوقفة الصغيرة وهي يوم 28 رمضان والوقفة الكبيرة يوم 29 رمضان بإخراج زكاة الفطر وكانوا يسمونها ( الفُطرة ) وتوزيعها على المحتاجين ليستعينوا بها على حاجاتهم يوم العيد ، ويدفعون اجرة المسحراتي ، وفي اغلب الأحيان يدفع له كمية من القمح عن كل أسرة

كانت النساء تنهمك في أواخر شهر رمضان بتنظيف البيوت استقبالا ليوم العيد ، وتجهيز بعض الحلويات المصنوعة من اللزاقيات أو أقراص العيد ، التي كانت تقدم لأفراد الأسرة والضيوف صباح العيد ، وأيضا من العادات الرمضانية القديمة كانت تأخذ النسوة بعض من بعض هذا الخبز وبعض الحلوى مثل راحة الحلقوم عند زيارتها في الصباح الباكر يوم العيد للمقابر للدعوات وقراءة الفاتحة للأموات من الأقارب ، ويوزع على الأطفال والمحتاجين .

 

أما الرجال فبعد انتهاء صلاة العيد يزورون المقابر ويترحمون على الموتى بالدعاء وقراءة الفاتحة ويعودون لبيوتهم استعدادا للسلام على الأقارب والجيران وصلة الأرحام ، وتكتمل فرحة الأطفال عندما يأخذون ألعيديه من والديهم أو إخوانهم الكبار .

 

يحرص الجميع على تناول وجبة الإفطار، وبعدها تبدأ ربات البيوت بتجهيز الغداء وعلى الأغلب ، وحسب الاستطاعة ، اشتهر عند الأردنيين أن يكون طعام الغداء منسفا يوم العيد .

وهذا ما استطاعت ذاكرتي أن تسعفني به عن الموروث الشعبي الرمضاني في  منطقة عجلون ، وهو لا يختلف كثيرا عن باقي مناطق الوطن … وكل رمضان وانتم بخير ….

التعليقات

  1. محمود حسين الشريدة يقول

    الشكر والتقدير لوكالة عجلون الاخبارية ، ولعميدها الاستاذ منذر الزغول المحترم ، ولجميع طاقم الوكالة ، ولكل محبي ومتابعي وكالة عجلون الاخبارية
    متمنيا لكم صوماً مقبولاً وفطوراً هنياً … وكل عام وانتم بخير …

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.