سياسة الحرباء في التعامل مع الاردن


جهاد المومني

بقلم / جهاد المومني

ليس بالحكم المطلق ان نكذب رواية العدو حين يتعلق الامر بقضية وطنية بحجم الفتنة الاخيرة التي عصفت بمملكتنا الهاشمية وانتهت بالفشل كما بدأت ، لكن من الحصافة الا نتجاهل ما يبث وينشر ويقال في اسرائيل عن علاقة حكوماتها واجهزتها الامنية بالتحريض على الاردن وتحديداً على شخص جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وعن دورها في المؤامرة الأخيرة ،فالقصة لم تبدأ قبل اسبوع أو سنة ،وانما مع بداية انطلاق العهد الجديد قبل اكثر من عشرين سنة ،فالموقف من الملك الشاب لم يكن سوياً منذ بدايته ،بل اتسم بالكثير من الحذر في دوائر القرار الاسرائيلية لمعرفتهم الاكيدة هناك ان الاردن يدخل عهداً مختلفاً من العلاقات مع اسرائيل خاصة بعد تمسك الملك عبد الله بمشروع السلام وفق القرارات الدولية القائم على مبدأ الارض مقابل السلام ،لا كونفدرالية ،لا فدرالية ولا توطين ولا تنازل عن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين الموعودة ،كل هذه القضايا واللاءات الاردنية عليها جعلت من الملك عبد الله شخصاً غير مرغوب به عند القادة الصهاينة بل ومعادياً لاسرائيل ،ولعل المناسبة واتت الآن للتذكير بأكثر تصريحات القادة الاسرائيليين صراحة ووقاحة في العام 2006 حين قال يائير نافيه نائب رئيس هيئة اركان ما يسمى بجيش الدفاع في محاضرة له ان الملك عبد الله قد يكون آخر الملوك الهاشميين ،لم تكن تلك مجرد اشارة او تلميحاً او زلة لسان ،وانما تعبيراً عن امنية ورغبة اسرائيلية تجمع عليها المؤسسات الصهيونية وتعمل من اجل تحقيقها بطرق مختلفة وتعكس حجم العداء الذي يكنه قادة المؤسستين العسكرية والامنية في اسرائيل لشخص الملك عبد الله وعهده الجديد ،ومنذ ذلك الوقت والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تعمل ضد المشروع السلمي الذي ورثه الملك عبد الله عن ابيه الحسين رحمه الله وواصل العمل من أجله ويقوم على حل الدولتين كاساس لأي حل لقضية الشعب الفلسطيني ،وهو الحل الذي لا تريده اسرائيل وتعمل بكل ادواتها للاجهاز عليه ولو اقتضى الامر اقصاء انصار هذا الحل من جميع الاطراف الاقليميين والدوليين .

نعلم انهم يكذبون في اسرائيل حين يعلنون حرصهم على استقرار المملكة الاردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله ،فمثل هذه التصريحات الزائفة لا تتفق وتوجهات الحكومات الاسرائيلية المتطرفة ازاء الاردن وما تقوم به يومياً من استفزازات تهدف الى اضعاف الموقف الاردني ومواقف جلالة الملك المتعلقة بحماية المقدسات ،فثمة مؤشرات واضحة وصارخة احياناً على ان اسرائيل تسعى الى ترك ثغرة في هذه القضية تستند الى وعد أميركي في عهد ادارة ترامب لتسليم الوصاية الى طرف آخر أكثر ليونة ،لأن الملك عبد الله يمثل عقبة امام فرض الحلول التآمرية على القضية الفلسطينية معتمداً على علاقاته مع قادة العالم وعلى بنود اتفاقية السلام المضمونة من هيئة الامم المتحدة وترعاها الولايات المتحدة الاميركية بصفة شريك للطرفين ،فالملك عبد الله لا يقبل بصفقة القرن ويرفض أي حل ينتقص من حقوق الفلسطينيين ويتمسك بالوصاية الهاشمية على القدس مثلما تمسك بعدم تمديد استمرار وضع الباقورة والغمر تحت سلطة الاحتلال الاسرائيلي ،يضاف الى ذلك كله العلاقات الاردنية الاسرائيلية التي تمر بانتكاسة مستمرة منذ بداية العهد الاردني الجديد في ظل التخريب الدائم لعملية السلام من جانب تل ابيب وحكومات نتنياهو المتعاقبة .

ويكذبون في اسرائيل حين يلبسون جلد الحرباء ويعربون عن قلقهم عما جرى في الاردن خلال الايام الماضية والفتنة التي احبطت بقدرات أمنية اردنية وطنية ، فهم في اسرائيل كانوا على علم بها لانهم كانوا طرفاً اساسياً فيها ومعهم أطراف اخرى خططت لمؤامرة تسمح لهم باستباحة المنطقة وتسليم مفاتيح الوصاية الهاشمية على المقدسات لجهة تتساهل في تسليم القدس كاملة شرقية وغربية واماكن مقدسة لحكومة نتنياهو وفق برنامج الصهيوني كوشنير احد بقايا ادارة ترامب البائدة ،ويعملون بكل السبل المتاحة لابطال اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية باعتبارها القوة الدبلوسياسية التي يستخدمها الاردن لمقاومة الضغوطات الاميركية الاسرائيلية من اجل التراجع عن المواقف الثابتة للمملكة .

كانت اسرائيل تدبر لمؤامرة منذ بداية العهد الجديد ،وما قاله يائير نافيه يعكس الموقف الحقيقي للقيادات الاسرائيلية التي ترى في اتفاقية وادي عربة عائقاً امام مشروعها بضم القدس والاراضي الفلسطينية بدون سكانها وترحيل ما امكن منهم الى الاردن عبر عملية واسعة كانت ستنفذ في عهد ترامب لو تم انتخابه مرة ثانية ولولا وقوف الاطراف الدولية الفاعلة ومنها دول عظمى بوجه هذا المخطط برفضها نقل سفاراتها الى القدس وعدم الاعتراف بأي شكل من اشكال الضم للاراضي المحتلة عام 1967 التزاماً منها باتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية المضمونة دولياً ،حتى ادارة ترامب لم تستطع التنكر لدورها في رعاية الاتفاقية ولذلك اكتفت بغض الطرف عما تفعله اسرائيل ودعمت مشاريع نتنياهو التوسعية في السر أكثر مما فعلت في العلن .

وقعت اسرائيل اتفاقيات امنية مع عدة دول عربية ثبت ان بعض هذه الدول يتولى شؤونها مغامرون لهم اطماع وطموحات صبيانية ،ولذلك انبثق عنها موقفان ازاء الفتنة ،موقف تحتي تشترك فيه مع اسرائيل وكوشنر في المؤامرة ،وموقف آخر ظاهري اعربت فيه عن الحرص على امن واستقرار الاردن ،وهذان الموقفان المتناقضان هما موقفا حكومة نتنياهو التي سارعت للاعراب عن حرصها على أمن وسلامة واستقرار المملكة الاردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك ،لكن الموقف الحقيقي هو ما عبر عنه يائير نافيه قبل ستة عشر عاما .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.