سيناريوهات أزمة سد النهضة الإثيوبي.


د. كمال الزغول

 

التقت الاطراف الثلاثة مصر والسودان واثيوبيا يوم الاثنين في 5 ابريل 2021 للتفاوض حول سد النهضة في العاصمة الكونغولية كينشاسا، من اجل ايجاد حلول دائمة للأزمة، حيث دعتا مصر والسودان الى توسيع الوساطة لتشمل رباعية دولية ،وذلك لالزام اثيوبيا ببنود اي اتفاق قادم .بالمقابل، رفضت إثيوبيا خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث بشأن السد الإثيوبي المظلة الرباعية في هذه المفاوضات، لكنها تمسكت بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط.وبدا تخوف اثيوبيا واضحا عندما اقترحت إشراك مراقبين في مفاوضات سد النهضة حسب مقتضيات التفاوض ،ومراحله اللاحقة وتداعياته.ورفضت رفضا قاطعا تغيير الرعاية الافريقية واستبدالها بالدولية. وهي الآن سائرة ومتجهة نحو الملء الثاني للسد بالمياه، دون موافقة دول مصب النيل.

هذا الرفض ادى الى تصعيد الموقف، وذلك برفص المصريين والسوادنيين المقترح الاثيوبي،ويبدو ان مصر والسودان تسيران في هذه المفاوضات بالاتجاه القانوني، لمقاضاة اثيوبيا امام الاتحاد الافريقي، ومجلس الأمن والسلم الافريقي ،ومجلس الامن الدولي.
من خلال دراسة الأزمة بين الدول الثلاث حول سد النهضة ، هناك عدة اسباب تتخوف منها مصر والسودان منها:

اولا، التصحر في مصر والسودان، و زيادة الرمال، وتغطيتها للمناطق الزراعية بسبب النقص المتوقع للمياه بعد الملء الثاني للسد.
ثانيا ، عدم وجود اتفاق تتقاسم فيه الدول الثلاث مشاكل التلوث ،والنظافة في دول المصب لنهر النيل (السودان ومصر) ،والتي تؤثر على الثروة السمكية، وعلى حياة وظروف الصيادين على ضفتي النيل.

ثالثا، اتمام بناء السد بدون اتفاقية ، سيتسبب في ملء بحيرات اثيوبيا الجانبية بالماء، وحرمان مصر والسودان من حصتها من الماء،وهذا الملء أُحادي الجانب من قبل اثيوبيا،قد يكون بعد بداية الموسم الصيفي اخر شهر حزيران او بداية تموز القادمين.

رابعا، تبني اثيوبيا مبدأ السرية واعتبار السد منطقة امنية ،وهذا يعتبر خرق للأمن الإقليمي، وذلك بتواجد شركات غير معروفة، تقوم ببناء السد وهذه الشركات قد تأخذ عائدات السد لفترات طويلة .

خامسا، أمان السد،وهذا العامل يتمثل بعدم معرفة الطريقة الهندسية لإنشاء السد، والتي قد تتسبب في التأثير على سكان دول مصب النيل في حالة الفياضانات او في حالة الكوارث الطبيعية، فقد يصل عدد السكان في دول ضفاف النيل الثلاث(مصر،السودان،اثيوبيا) خلال عام 2050 الى 500 مليون ،حيث يجب التفكير في حياة هؤلاء السكان. وعلى اية حال ،فإن معرفة برنامج ملء السد بالمياه ،وكمية المياه التي تُخزن خلفه،وكمية المياه التي تُطلق، وطريقة بناءه تعتبر مهمة جدا في هكذا انشاءات.

وحسب المعلومات الواردة من الجانب الاثيوبي، فإن إثيوبيا تريد إنتاج الكهرباء في شهر اغسطس، مما يعني ملء السد بالمياه قبل ذلك التوقيت، بالرغم ان ٨٦% من المياه الجانبية والبحيرات التي تصب بالسد او نهر النيل الازرق، تتشارك بهما السودان ومصر .لأنه في القانون الدولي، اي نهر عابر للدول ، لا يحق لأحد العبث به الا بموافقة جميع الاطراف.

بشكل عام،مصر والسودان تريدان ان يثبتا للعالم بانهما فعلتا ما يتوجب عليهما من دور في المفاوصات ،وان إثيوبيا هي التي ترفض الانخراط بها.

الخلاصة، هناك ثلاثة سيناريوهات تتعلق بأزمة سد النهضة:

السيناريو الأول، انسحاب مصر والسودان من اتفاقية اعلان المبادئ حول السد والتي وقعت في عام 2015 والتلويح بالتصعيد, ومن ثم دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط ألازمة الى جانب الأُمم المتحدة ،واجبار اثيوبيا الى العودة الى طاولة المفاوضات.

السيناريو الثاني، التصعيد التدريجي بين مصر والسودان من جهة ،وإثيوبيا من جهة أخرى من خلال التعاون العسكري والامني بين مصر والسودان واوغندا ودول افريقية أخرى ،خاصة وان مصر وقعت اتفاقا للتعاون الامني مع اوغندا مؤخرا لتبادل المعلومات، واجرت مناورات عسكرية مع السودان تمهيدا لاستثمار الموقف المتأزم مع إثيوبيا ، هذه الاجراءات جاءت ليتم إستثمارها في قادم الايام، للضغط على اثيوبيا للعودة للمفاوضات تحت مظلة رباعية دولية، لإلزامها بتنفيذ بنود الاتفاق وعدم الدخول في سيناريو متأزم ثالث والوصول الى حل.

السيناريو الثالث،وهو العمل العسكري ، وهذا السيناريو يعتمد على التصعيد المتوقع بين طرفي الأزمة ولا يضمن احد عواقبه ،الا اذا تدخل المجتمع الدولي وأنقذ الموقف، ومع ذلك اذا حدث مثل هذا السيناريو غير المرغوب فيه سيكون هناك تدخل دولي مباشر من خلال الامم المتحدة وضغط من الولايات المتحدة الامريكية للعودة الى الاتفاق، لحد الآن تتأمل الدول في الإقليم ان يتدخل مجلس الامن والمجتمع الدولي لحل الأزمة في بدايتها قبل ان تتفاقم، وهذا ما نتمناه اولا وآخرا.

من خلال ما تقدم، نستنتج أن السيناريو الثاني يلوح بالافق ،لأن الحل لهذه الأزمة غير ممكن اذا اقتصر على الأطراف الثلاثة، وقضية المياه والأنهار هي قضية دولية ولها اساسات صلبة في القانون الدولي، ومن المنطق ان يكون هناك رعاية دولية لأي مفاوضات تجري حول سد النهضة الإثيوبي، وإذا ذهبت الأُمور الى السيناريو الثالث، سنشهد حالة عدم إستقرار في علاقات الدول في الشرق الأفريقي.

 

الدكتور كمال الزغول.
باحث ومحلل سياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.