سيناريوهات التغيير في التعليم العالي..!


د. مفضي المومني

التغيير والتطوير سنة الحياة وقالوا من لا يتطور ينقرض..! في الأفق تغيرات مهمة في قطاعات وركائز التعليم العالي، وهذه المرة التغيير ليس ذات التغيير الموسمي الذي اعتدنا عليه، التغيير هذه المرة مفصلي أو هكذا يجب أن يكون، فتكرار ذات الأساليب والسياقات لن يغير من الحال شيء ، وسيجعلنا نجتر الخيبات أو نسير في خطوات سلحفائية للأمام أو سريعة للخلف وبكل الأحوال هذه خطيئة إن حصلت.

في الأفق تشكيل مجلس التعليم العالي حسب قانون التعليم العالي النافذ، وكان لنا انتقاد على التشكيلة، والتي يشكل الجانب الرسمي نصفها والنصف الثاني ثلاثة أكاديميين وإثنان من ذوي الخبرة والرأي من القطاع الخاص، وكنا نتمنى زيادة تمثيل الجامعات الحكومية والخاصة وأن لا يكون التمثيل للأكاديميين من ذات الجامعة..!، ويفضل أن يكونوا من أصحاب الخبرات والشخصيات المستقلة غير المستقطبة لأي جهة، قادرة على رسم إستراتيجيات التطوير المطلوب والخروج من عنق الزجاجة على رأي دولته..!.

التشكيل الثاني كما هو متوقع لمجالس الأمناء، وهنا وبموضوعية، هل تم تقييم عمل مجالس الأمناءضمن المسؤوليات والمهام التي حددها لها القانون..؟، ونحن نرى بعض المجالس مع الإحترام لشخوصها يتم استقطاب أعضائها من خلال رئيس الجامعة أو التغول على شخص الرئيس من قبل المجلس رئيساً أو أعضاءً، وكذلك عجز مجالس الأمناء عن الرقابة الحقيقية في الجامعات لعدم وجود كوادر مساندة لها منفصلة عن موظفي الجامعة أو قسم الرقابة الداخلية في ذات الجامعة، ومن التجربة للبعض، فعلاقة مجلس الأمناء بالجامعة تقتصر غالبا على جلسات دورية يعرض فيها رئيس الجامعة تقاريره أو ما يريد، ولأن أعضاء المجلس غير مطلعين على الحقائق بحيادية وغير منتجين لها، أصبح دور المجلس هامشي يمرر ويتبنى التقارير التي تعدها إدارات الجامعات بغض النظر عن مصداقيتها وموضوعيتها، فكيف يصح أن تقيم الإدارات ذاتها… !؟، وهنا يجب تفعيل دور مجلس التعليم العالي لمراقبة وتقييم أداء مجالس الأمناء، وأحياناً عندما تسأل أحد أعضاء مجالس الأمناء كيف تمررون قرارات بعينها، يجيبون وبكل بساطة؛ لا نعلم..! الجلسات شكلية بالغالب والمجالس لا تدقق وتراقب كما يجب، ولهذا تم إضعاف مجالس الأمناء وتهميش دورها، وأنا لا أبالغ ولم أذكر كثير من الحقائق التي أعرفها في جامعاتنا…!

إقتراحي أن يتم إختيار أعضاء مجالس الأمناء من شخصيات غير قابلة للإستقطاب فاهمة لدورها وقادرة على العطاء والمحاسبة والتوجيه، وأن تكون هنالك رقابة فاعلة من مجلس التعليم العالي على ذلك، وتوفير طاقم إداري رقابي مرتبط بالمجلس وليس الرئيس وإدارة الجامعة، وتتم جميع طرق الرقابة والتقييم من ذات المجلس، لضمان الحيادية والشفافية والمصلحة العامة.

الحلقة الثالثة في التغييرات المنتظرة هي لرؤساء الجامعات، فمنهم من عُين حديثا وأثبت نجاحه، أو لم يتسنى إعطاءه فترة للتقييم، والعدد قد لا يزيد عن ثلاثة ، أما باقي الرؤساء فيدور الحديث عن تغييرهم جميعاً، والرقم يقع بين من تبقى، وهذه توقعات لا أكثر، طبعا لكل منهم مؤشرات إيجابية وسلبية، ولكن ليس لأي منهم نجاحات صاروخية، ويجب أن تنتهي من جامعاتنا إدارات (أنا الجامعة والجامعة أنا)، ويجب أن تعود لمجالس الحاكمية في بعض جامعاتنا دورها الذي اغتصب منها، من هنا مطلوب تغيير منتج، نحو رئيس جامعة بشخصية إدارية وأكاديمية فذه، قادرة على التغيير وإحداث الفرق، تعمل بشفافية وتطبق التشريعات فعلاً لا قولاً..!، قادرة على إشاعة اجواء المحبة والدافعية للعمل والإنتاج في الجامعة وبين الزملاء، محفزة مشجعة متواضعة لا تظهر بلونين..! وقد اقترحت سابقاً، ليتم الإختيار من غير اللجان ذاتها التي تزكي وتعزل ذات إختياراتها بين عشية وضحاها..!، ربما في هذه المرحلة يجب العودة للتعيين من خلال عقل الدولة، كما كان يتم سابقا، فهنالك شخصيات أكاديمية وازنة قادرة ومؤهلة وستنجح إذا ما أخذت فرصتها، بغض النظر عن عناصر قد لا تعكس القدرات الإدارية، مثل التميز البحثي وغيره، الإدارة علم وفن ولا تنجح بدون شخصية قيادية إيجابية مؤثرة.

وبعد كل هذا ننتظر أن تتم تعيينات العمداء ورؤساء الأقسام الأكاديمية بالإنتخاب، لأن التجربة والواقع الحالي يشير إلى أن رئيس الجامعة يختزل عمل كل مجالس الحاكمية إلا من رحم ربي، الإنتخاب سيبعد سيطرة الرئيس والإدارة الفردية، ويفعل دور مجالس الحاكمية ويبعد الرئيس ويحميه من الغرق في وحل الواسطات والتنفيعات والإبتزاز من جهات لم تتورع عن الضغط والتوسط والتدخل في المؤسسات الأكاديمية لمصالح آنية وفردية نعرفها جميعاً، وفي مرحلة لاحقة لما لا يتم إنتخاب رئيس الجامعة من قبل أعضاء الهيئة التدريسية في جامعته وهنالك تجارب عالمية بذلك، وأن يرسخ مبدأ المحاسبة والرقابة على الأداء من قبل مجلس التعليم العالي، وأن تُعتمد جهة ما من قبل المجلس، لتلقي شكاوي العاملين في الجامعات ومعالجتها، مع أنه إذا طُبق ما اقترحته فقد لا تجد مظالم مشوبة بسوء إستخدام السلطة من الإدارات الجامعية.

ولا أنسى إستبعاد فكرة المناقلات بين رؤساء الجامعات والتي كان الوزير الحالي أحد المتضررين منها سابقاً، ولا نعتقد أنه سيطبق ما لم يرتضيه لنفسه في حينه..!

ننتظر من مجلس التعليم العالي ومعالي الوزير، أن تتم التغييرات قريباً ، وأن لا يعتريها الواسطة والمصالح بأي شكل من الأشكال، كفانا إحباطات وتراجع، الأردن يستحق الأفضل، وأجزم دائما مشكلتنا في التعليم العالي في الغالب مشكلة إدارات ضعيفة مترددة لا تمتلك مهارات الإدارة الصحيحة، ترتكب عن قصد أو غير قصد أخطاء عملت على إضعاف منظومة التعليم العالي، وعملت أحياناً على تهجير الكفاءات أو تحييدها وإحباطها، حيث سادت في الكثير من جامعاتنا نظرية الإنسحاب من قبل المتميزين، عندما يتسيد الموقف الواسطة والمحسوبية وتسيد الضعاف لمراكز صنع القرار والقيادة، من خلال ممارسات بعيدة عن الأكاديميا وما يتطلبه التطور والنجاح في عصرنا الحاضر وما نطمح به للمستقبل، ننتظر وندعو… فلعل وعسى… حمى الله الأردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.