شذرات عجلونية (44)


د. علي منعم القضاة

=

ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى                   أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا

 

شذرات عجلونية (44)

القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سوياً في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، والتي سنبتعد بها هذه المرة عن الساسة وعن السياسة، دعونا نتناول فيها البيئة والطبيعة، وأهميتها عالمياً، في هذه الشذرة، وستكون شذرة الأسبوع القادم رقم (45) عن بيئة عجلون غير الطبيعية؛ورجالاتها النوابغ؛ راجياً أن تروق لكم.

اهتمام عالمي غير جدي بالبيئة

سؤالٌ يطرح نفسه أمامنا جميعاً: لماذا تتظافر الجهود العالمية في الأمراض العالمية، مثل: شلل الأطفال، أو الأوبئة المعدية!! ونجد الحقنة ذاتها ضد جدري الأطفال والتدرن والمطعوم الثلاثي والحصبة، وكورونا في أي مكان في العالم، وبالجرعة نفسها، فقد جند المجتمع الدولي كل جنوده، وسخر كل طاقاته في التصدي لجائحة كورونا. ولكن التعاون العالمي بقضايا البيئة لم يكن على المستوى نفسه، ولا يشعر المجتمع الدولي، بأنّ قضايا البيئة هي الخطر الحقيقي، اللهم إلا على مستوى المؤتمرات والندوات، والإجراءات الشكلية والبروتوكولات؛ التي قد تشكل عبئاً بحد ذاتها، وزيادة في النفقات.

إن الاستغلال الجائر للموارد والأخطار أصاب مكونات البيئة إصابة واضحة للعيان، فهي تبدو من خلال الغازات الملوثة والمنبعثة من المصانع والمعامل وعوادم السيارات، والكميات الكبيرة من الملوثات التي تقذف في البحار، والمساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والغابات التي يحولها الاستخدام الجائر إلى صحراء، فقد زادت التنمية الصناعية والزراعية في الاستخدام المفرط للمواد الكيماوية التي ينتج عنها فضلات يستقر بها المطاف؛ إما في التربة، أو في مصادر المياه ومجاريها، أو في الغلاف الجوي، فضلاً عن المبيدات والنفايات التي تلوث التربة والمزروعات وبالتالي طعامنا.

فهل نحتاج إلى صدمة بيئية مفاجئة، حتى يستجيب جهازنا العصبي للكوارث البيئية التي تحصل من حولنا؟ ألا يمكن لنا أن نتعظ بغيرنا دون الحاجة إلى أن نعاني بأنفسنا من الخطر؟

خطرٌ أشد من الإرهاب

نعم إن الحل بأيدنا كان الإنسان يتعايش مع بيئته منذ الأزل، بتوازن، ويأخذ منها احتياجاته الحقيقية والضرورية فقط؛ ولكنه أصبح يتعسف باستخدام حقوقه، ويسرف في تلبية احتياجاته منها أحياناً كثيرة، حتى تعالت الصيحات لإنقاذ البيئة من تعسف الإنسان ونشاطاته وصناعاته. ولعل شذراتي هذه تشكل صرخة توعوية بيئية لتنبيه الغافلين. فقد ساعدت الانتقالة الكبيرة في سرعة نقل وتبادل المعلومات والسلع على زيادة الوعي بمشاكل البيئة؛ بفضل تطور وسائل الإعلام، وخاصة شبكة الإنترنت التي حطمت كل الحواجز الجغرافية والثقافية والسياسية والدينية والعرقية، وحتى اللغوية، ولم يعد للرقيب ولا للرقابة دور في أن يقفا أمام كل المعلومات المتدفقة إلى منازلنا عبر الإنترنت، كما هو الحال بأية قضية بيئية، أو تلوث بيئي، والذي لا يمكن لأيّ نظام سياسي دكتاتوري منغلق أن يقف أمامه، أو يوقفه، ولعل ما حدث مؤخراً من زلازل وفيضانات، كانت آثاره واضحة على البيئة العالمية. فالتلوث الذي يحدث في منطقة ما من العالم؛ تُحمَل آثاره إلى مناطق بعيدة جداً عن مكان الحدث نفسه، بفعل العوامل المناخية وجريان الأنهار وحركة التنقل، وأمور أخرى.

نعم نستطيع الارتقاء بأنفسنا إلى مستوى المسؤولية، ولنعلم بأنه سيأتي يوم الحساب المؤجل، الذي ستحاسبنا فيه الأجيال القادمة، وسوف نتمنى فيه لو أننا استمعنا إلى النصيحة؛ بترشيد الاستهلاك والتعامل الإيجابي مع البيئة، ولو أننا تنبهنا إلى الأخطار المحدقة ببيئتنا. للحيلولة دون حدوث الأخطار البيئية، والحد من انتشار الأمراض المعدية، فقد أوردت بعض الدراسات أن هناك (25) مرضاً معدياً، ينتشر بسب التلوث البيئي (منها السارس)، وبحسب نائب رئيس أمريكي أسبق (آل غور) فإن التهديدات البيئية قد تفوق تهديدات الإرهاب والإرهابيين.

الوعي البيئي مطلبنا

أصبح العالم بفضل وسائل الإعلام قرية كونية بحق، وتحققت نبوءة “مارشال ماكلوهان” على أرض الواقع. كما يعدُ الإعلام أحد المقومات الأساسية في الحفاظ على البيئة، ولذلك فإن خَلْقَ وعيٍ بيئيٍ، ونشر ثقافة بيئية لدى الناس، يعدُ من أبرز مهام الإعلام البيئي؛ للعمل على زيادة الوعي البيئي العالمي بمشاكل البيئة؛ حتى يدرك كل فرد فينا دوره الحقيقي في المحافظة على البيئة والتقليل من مشكلاتها؛ لأن رفاهية الإنسان الحقيقية؛ هي في المحافظة على موارد بيئته دفاقة مستدامة، وليست مستنزفة.

ومن هنا يبرز دور الإعلام جلياً في تكوين وعي وحس بيئيين، وتزداد أهمية الإعلام اضطراداً في حياة البشر في ضوء التطور الهائل، الذي جرى على وسائل الاتصال، وأنواع المخترعات وصنوف التكنولوجيا الحديثة، التي دخلت أدق خصوصيات إنسان القرن الحادي والعشرين.

وإن إيجاد هذا الإحساس البيئي لدى الناس وجعله ثقافة لديهم، من شأنه أن يجعلهم متفاعلين مع قضايا بيئتهم، ويساعد في الحفاظ على الطبيعة ومحتوياتها والمحافظة على الثروات البيئية، من أي نشاط إنساني قد يؤثر في البيئة، وسوف يعمل على زيادة اهتمام الناس؛ بما يحيط بهم من عناصر البيئة ومكوناتها الرئيسة. فالإنسان هو العنصر الفاعل في المعادلة، ويحتاج في جميع مراحل حياته إلى برامج توعوية؛ تبصره بحقيقة العلاقة بينه وبين مكونات البيئة، التي يعيش فيها ويتعايش معها؛ بل ويعيش منها.

 

الدكتور علي منعم القضاة

أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني

E-mail:dralialqudah2@gmail.com

Mob : +962 77 77 29 878

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.