( صوبة الشموسة ) عندما تتحول الأزمات إلى مسرح لأكباش الفداء !!!


محامي محمد صدقي الغرايبة

 

لم تعد إدارة الأزمات في كثير من الأحيان مسألة بحث جاد عن الأسباب والمسببات، بقدر ما أصبحت سباقًا محمومًا للعثور على اسم يُلقى في الواجهة لامتصاص الغضب العام. وفي كل مرة، يتكرر المشهد ذاته – حادثة تقع ورأي عام يحتقن، ثم مطالبة فورية باستقالة الوزير المعني، قبل أن يبدأ التحقيق، وقبل أن تُقرأ الوقائع، وقبل أن تُحدد المسؤوليات وفق القانون.

هذا السلوك لا يعكس حرصًا على المحاسبة، بل يكشف خللًا عميقًا في فهم الدولة والمؤسسية، ويكرّس ثقافة تحميل المسؤولية السياسية بشكل انتقائي، بعيدًا عن مبدأ تسلسل الصلاحيات وتوزيع الأدوار داخل الجهاز التنفيذي.

في حادثة صوبة الشموسة، يجري القفز فوق الحقائق القانونية والإدارية، ومحاولة اختزال منظومة رقابية كاملة في موقع وزير الصناعة والتجارة المهندس يعرب القضاه، رغم أن دوره بطبيعته سياسي وتوجيهي، لا تنفيذي أو فني والمعروف عنه بأنه من انجح الوزراء الذين حملوا حقيبة هذه الوزارة . فوزير الصناعة والتجارة لا يفحص المنتجات، ولا يعتمد المواصفات، ولا يجيز دخول السلع إلى الأسواق، بل تمارس هذه الصلاحيات عبر مؤسسات وهيئات مختصة، أنشأها القانون وحدد مهامها بدقة.

إن مؤسسة المواصفات والمقاييس، بوصفها الجهة المسؤولة مباشرة عن سلامة المنتجات الوطنية والمستوردة، تتحمل العبء الأكبر في هذا الملف، سواء تعلق الأمر بإجراءات الفحص أو الاعتماد أو المتابعة. وأي تقصير محتمل في هذه السلسلة لا يمكن تجاوزه سياسيًا عبر التضحية باسم الوزير، وكأن المشكلة انتهت عند هذا الحد.

الأخطر من ذلك أن الخطاب العام يتجاهل في كثير من الأحيان مسؤولية الاستخدام الفردي، وعدم الالتزام بتعليمات السلامة، أو العبث بالمنتجات، وهي عوامل أثبتت الوقائع مرارًا أنها كانت سببًا مباشرًا في حوادث مماثلة. تجاهل هذه الحقائق لا يخدم الضحايا، بل يكرس تكرار الأخطاء.

المطالبة بالاستقالات قبل صدور نتائج التحقيق ليست فقط سابقة لأوانها، بل تمثل ضغطًا غير مبرر على مؤسسات الدولة، وتحوّل المساءلة من أداة إصلاح إلى أداة استرضاء، ومن إجراء قانوني إلى مشهد استعراضي لا يعالج الخلل ولا يمنع تكراره.

الدول لا تُدار بردود الأفعال ، ولا تحاكم مسؤوليها في ساحات الرأي العام، بل تدار عبر مؤسسات رقابية وقضائية مستقلة، تملك الجرأة على تحديد المقصر ومحاسبته، أياً كان موقعه، دون انتقائية أو تهويل.

أما الإصرار على البحث عن كبش فداء في كل أزمة، فلن ينتج إلا مزيدًا من فقدان الثقة، ومزيدًا من الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، حيث تتكرر الأخطاء، وتتبدل الأسماء، وتبقى المشكلة قائمة بلا حل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.