ظاهرة تبديل الليل بالنهار في رمضان


الدكتور رشيد عبّاس

بقلم / الدكتور: رشيد عبّاس

من سنوات ليست ببعيدة أخذت تتشكل لدى الشباب ظاهرة غريبة عجيبة في شهر رمضان المبارك, هذه الظاهرة لم تكن موجودة من قبل, والغريب العجيب أن هذه الظاهرة بدأت عند الشباب ولحق بهم الكبار دون إرادة,..للأسف الشديد هذه الظاهرة والمتمثلة في تبديل الليل بالنهار وتبديل النهار بالليل قد عطّلت كثير من المعاني والمغازي الروحية للصيام, تلك المعاني والمغازي التي يتم بناءها كل عام خلال شهر رمضان المبارك, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, كيف تسلّلت لنا مثل هذه الظاهرة؟

وأتساءل هنا, كيف للنائم الصائم في نهار شهر رمضان المبارك أن يتمثل قيمة (الصبر) مثلاُ كحِكمة من حِكم الصيام, وكيف للنائم الصائم في نهار شهر رمضان المبارك أن يتمثل قيمة الشعور بأحوال الفقراء والمحتاجين من حولنا مثلاُ، وكيف للنائم الصائم في نهار شهر رمضان المبارك أن يمس الجوع والعطش روح وجسد هذا الانسان الصائم، إلى غير ذلك من حِكم ومعاني مادية ومعنوية يُجدّد ويشحن بها ذلك الانسان حياته لعام جديد.

نوم الصائم طوال النهار بحجة الصيام, وسهر الصائم طوال الليل بحجة انتظار السحور, والتي أصبحت ظاهرة مجتمعية لدينا اليوم.. فيه تعطيل واضح وصريح وسافر لكل المعاني السامية التي جاء بها شهر رمضان المبارك, كيف لا.. واقل هذه المعاني للإنسان الصائم هو السعي والعمل والحركة واليقظة والتفكر في النهار, والنوم والراحة والسكينة والاطمئنان في الليل.

لقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا الليل لباسا وجعل لنا النهار معاش,..فجعل لنا الليل غير مضيئاً وغير مشرقاً لتهدأ الأجساد وتتحصل على راحتها حتى لا تتضرر من استمرار الحركة, ولتسكن الأجساد وتهدأ الأنفس من مشقة الكد ايضاُ, وفي كل ذلك عبادة لله تعالى, ثم جعل لنا النهار مضيئاً مشرقاً لتنتعش الأجساد بعد ثباتها وتتحرك لتحصيل المعايش وعمارة الأرض وفي كل ذلك أيضا عبادة لله تعالى.. والجميل هنا أن عبادات النهار وطقوسها تختلف تماماُ عن عبادات الليل وطقوسه, فكيف إذا ما بدّلنا الليل بالنهار بحجة الصيام!

لقد بدّلنا للأسف الشديد وفي شهر رمضان الكريم بالذات الليل بالنهار والنهار بالليل, فتبدّلت مع ذلك حياتنا وتبدّلت أهدافنا وتبدّلت أفكارنا, ففي النهار نوم (عميق) فهدأت الأجساد وسكنت الأرواح وارتاحت الأنفس, وفي الليل حركة وشغب وضوضاء ولعب.. وربما قيل وقال وكثرة السؤال.

وما زال السؤال عالقاُ هنا, كيف تسلّلت لنا مثل هذه الظاهرة؟

اعتقد جازما أن طريقة تعامل الشباب الخاطئة مع قيمة (السحور) والسماح لهم أسريا بذلك هي التي أسسّت لمثل هذه الظاهرة, ظاهرة تبديل الليل بالنهار وتبديل النهار بالليل في شهر رمضان المبارك, لتنتشر لدينا ثقافة (السهر حتى السحور والتململ قليلاُ ثم النوم بعد ذلك), محطّمين في ذلك المعاني الروحية السامية للصيام.

وبعد,,

قيمة (السحور) قيمة لا تتجزأ عن المعاني الروحية للصيام ككل,..فـ(السحور) ينبغي أن يسبقه نوم عميق ويلحق به صلاة لطلوع الفجر, وأن وراء هذه الطقوس حِكم ومعاني جليلة لا يعلمها إلا الله, والله المستعان..

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.