عصا موسى .. مجموعة الهاكرز التي ارعبت اسرائيل


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم //مهدي مبارك عبد الله

ضمن حرب الخفاء المشتعلة يوميا بوتيرة عالية بين طهران وتل ابيب في الفضاء الرقمي تمكنت مجموعة من القراصنة المحسوبين على ايران تطلق على نفسها (عصا موسى ) من إرباك وإحراج كيان الاحتلال بعدما سيطروا منذ أكثر من سنة ولفترة طويلة على العشرات من كاميرات الدائرة التلفزيونية المغلَقة المنتشرة في شوارع الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف ضرب الوعي الجمعي للجمهور الإسرائيلي وإثارة غضبهم وإخافتهم وزعزعة إيمانهم بأنظمة المعلومات لديهم وإلحاق الأذى بهم كما وجه القراصنة رسالة للمسؤولين الإسرائيليين نُشروها في موقعهم عبر الإنترنت تقول لهم ( نحن نرى بأعينكم ولقد قمنا بمراقبتكم طوال عدة سنوات في كل لحظة وفي كل خطوة )

قراصنة عصا موسى الالكترونية هم نفس المجموعة التي سبق لها ان نشرت على قناتها في شبكة تلغرام فيديو يوثق لحظة الانفجار المزدوج بالقرب من محطة الحافلات المركزية في القدس وفي حي راموت والذي أودى بحياة مستوطنين وإصابة 47 آخرين وقد ارفقت المجموعة مع الفيديو رسالة تحذيرية بالعبرية ( ستكون الحياة مظلمة عليكم وستدفعون ثمن الدم الذي أريق ولن تنعموا بالسلام والراحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسنحدد نهايتكم عما قريب )

المؤسسة الأمنية الإسرائيليّة كانت على علم لمدة عام بأن مجموعة قراصنة إيرانية باسم عصا موسى سيطرت على عشرات الكاميرات الإسرائيلية بما في ذلك كاميرات أمنية هامة لكنها لم تفعل شيئًا لوقفها وتأمين حماية للكاميرات واكتفت بالتعليق على الحادثة بان كاميرات المراقبة المذكورة ليست تابعة للشرطة الإسرائيلية أو البلدية الا أن المجموعة الإيرانية وامعانا في التحدي قامت حينها بنشر عدة مقاطع فيديو تظهر المنطقة المحيطة بمصنع رفائيل للوسائل القتالية في حيفا ولقطات من كاميرات اخرى في جميع أنحاء القدس وتل أبيب كما أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الإلكتروني الذي تسبب في حزيران الماضي بانطلاق صافرات الإنذار في بعض مناطق القدس ومدينة إيلات جنوب إسرائيل

في تشرين الثاني عام 2021 شنت فرق عصا موسى هجوماً إلكترونياً هائلا استهدف فبه عدد من الشركات الإسرائيلية وحصلت على مجموعة كبيرة من الخرائط لمرافق حساسة حيث تضمنت المعلومات عن الأماكن الخصائص الحيوية للأنظمة ومَسحا جويا للخرائط بدقة 5 سم بمعدل 2 بوصة وصوراً ثلاثية الأبعاد للمواقع في جميع أنحاء اسرائيل

وفي مساء يوم 14 اذار من عام الجاري شلت وانهارت بشكل مفاجئ عدة هيئات ومواقع حكومية إسرائيلية مختلفة بما فيها وزارة الصحة والعدل والرعاية الاجتماعية والداخلية ومكتب رئيس الوزراء الاسبق نفتالي بينيت ومصلحة المياه والكهرباء وشركات هندسية وبعض المجسمات المعمارية (ماكيتات) ومكاتب المحامين ومصارف مالية بالإضافة الى بعض المؤسسات التجارية وشركات التأمين الكبرى والمستشفيات المركزية وأجهزة وحواسيب وشبكات رقمية أخرى جراء تعرض خوادمها حيث تخزن البيانات لأعنف واكبر هجوم سيبراني مكثف استمر نحو ساعة ونصف الساعة اضطرت إسرائيل بعده الى اعلان حالة الطوارئ لمعالجة تداعيات الحادث

على الفور اتهمت اسرائيل إيران وجهات محسوبة على الحرس الثوري الإيراني مثل مجموعات ( بلاك شادو ) التي سربت العديد من الملفات والتفاصيل الشخصية للمستوطنين والمسؤولين الإسرائيليين ونشرت آلاف البيانات لمستخدمي موقع ( أتراف ) لتعارف المثليين وهو ما أثار ضجة واسعة في إسرائيل إضافة الى مجموعة عصا موسى التي سبق أن شنت العديد من الهجمات الإلكترونية ضد إسرائيل بالهجوم واعتبرته رد مباشر على استهدافها للأنظمة الإلكترونية لمحطات الوقود الإيرانية ومحاولتها تجنيد المزيد من الجواسيس لاغتيال كبار المسؤولين الإيرانيين او القيام بعمليات ضد المنشأة النووية وتكرار التعرض لجنودها في سوريا وربما يكون هناك المزيد من العمليات السيبرانية الإيرانية خلال فترة احتفالات أعياد راس السنة الميلادية نهاية الشهر الحالي

مجموعة عصا موسى تكتل خبراء الكترونيين قادرة على فك شيفرات مختلف المؤسسات الإسرائيلية وخاصة الأمنية وقبل شهور قليلة اخترقت عدة شركات في إسرائيل ونشرت بيانات المئات من عملائها وهي تمتلك عدة خرائط للبنية التحتية والمراكز الحساسة في إسرائيل فضلا عن مواقع وتطبيقات أخرى ولديها معلومات دقيقة وتفاصيل حساسة تتضمن أسماء وعناوين ورتب ووحدات مئات الجنود والضباط والقادة العاملين في الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الامنية ومعلومات شخصية دقيقة وحساسة تتعلق بالحالة العقلية والوضع الاجتماعي للجنود وجميع المعلومات الأمنية والعسكرية عنهم

كما تمتلك المجموعة قائمة كاملة بجنود الاحتياط في جميع الوحدات العسكرية تتضمن اسماء وعناوين مئات الألاف من الجنود وأماكن سكنهم ورتبهم وأرقام هواتفهم الشخصية وحسابات البريد الإلكتروني الخاصة بهم وكذلك تفاصيل شخصية عن بعض جنود الاحتياط ورتبهم العسكرية كما تحتوي الملفات التي تم اخترقها ونشرها على شبكة ( دارك نت ) وفي مجموعات تلغرام تفاصيل عن الكتيبة ( القتالية ألفون ) ومواقعها والجدول الزمني لتدريباتها وأسماء الجنود المرشحين للانخراط بالوحدات القتالية فيها وقد تم نشر هذه البيانات مرفقة برسالة جاء فيها ( سنواصل القتال حتى كشف جرائمكم وسنتعقبكم من حيث لا تدرون وهذه مجرد بداية وسنضربكم بطريقة لا تستطيعون تصورها فانتم من بدأتم هذه المغامرة لكن نحن من سننهيها وستتكبدون خسائر لا تعُوض على الصعيدين السيبراني والبنى التحتية )

تسريبات المجموعة المتكررة تميزت بالرسائل ذات العناوين الهجومية أبرزها ( مستمرون في القتال حتى نكشف جرائمكم الخفية نهايتكم بالمعركة ) وقد ورد في إحدى التدوينات ( سوف نتبعكم ونتعقبكم في كل مكان ) وفي إشارة لوزير الجيش غانتس بعدما نشرت المجموعة صور شخصية له كتبت معها ( نعلم جميع قراراتك وانت تحت المراقبة وسوف نصيب الهدف حيث يوجد بحوزتنا تقارير سرية لوزارة الجيش ولك وكذلك معلومات عن خطط تشغيلية وخرائط ومعلومات عن أماكن الوحدات والقوات ومراسلاتها ) سننشرها لإبلاغ العالم كله بجرائمكم

إسرائيل ضمن احتياطاتها الامنية تخصص شبكة إنترنت عسكرية لجيشها وتستعين بالوحدة 8200 التي تعتبر بمثابة جيش إلكتروني لحماية امنها القومي وجنودها حيث يتم التكتم على طبيعة عملها ونشاطها في حرب السايبر التي تدور رحاها على مدار الساعة في مختلف المواقع

الرقابة العسكرية الاسرائيلية تمنع نشر تفاصيل وحجم عمليات الاختراق والقرصنة التي تستهدف بعض الجنود والضباط كما تفرض قيود على الجنود والضباط وتحظر استعمالهم شبكة الإنترنت المدنية خلال الخدمة العسكرية كما تمنع إدخال الهواتف الخليوية أو الحواسيب الخاصة لقاعات الاجتماعات العسكرية والمعسكرات والمناطق ذات الأنشطة الأمنية وتقوم بحملات توعية في صفوف الجنود من أجل تحصين هواتفهم الخليوية وضمان الاستعمال الآمن للأجهزة اللوحية

خاصة بعدما اكتشفت إن حوادث الاختراق وقرصنة المعلومات بصفوف بعض الجنود والضباط مستمرة منذ نحو 3 سنوات خلت وهو ما يثبت أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح إلى الآن بتحصين عناصره ومنع الاختراق وتسريب المعلومات بل من الواضح انه أخفق في تثبيت القيود التي تحظر نشر مضامين ذات طابع أمني أو عسكري على شبكة الإنترنت المدنية

الاختراقات المتواصلة التي تعرض لها كيان الاحتلال الإسرائيلي وتم الحصول من خلالها على معلومات مهمة تخص الجنود وضباط داخل الجيش تعد صفعة قوية لجيش الاحتلال الذي يعتبر نفسه متطور تكنولوجياً ويمتلك أنظمة تكنولوجية حديثة كما يوحي ذلك بفشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية وعدم قدرتها بالمحافظة على سريتها وان المعلومات الأمنية والاستخباراتية التي تم الحصول عليها غاية في الأهمية ويمكن استخدامها كتكتيك أمني وعسكري في المعارك المقبلة مع الجيش لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفه حيث تمكنوا من اختراق حسابات 300 ألف إسرائيلي والحصول على معلوماتهم الشخصية انظر كيف ( مجموعة هاكرز صغيرة ارعبت اسرائيل أكثر من الصواريخ والأسلحة التقليدية )

هؤلاء القراصنة بكل المقاييس والمعايير اثبتوا نجاحهم في عالم التقنيات وكيفية الدخول إلى حسابات ومواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي والحصول على المعلومات التي يريدونها إذ أنهم تحدوا دولة تعتبر نفسها من أكثر الدول تطوراً في مجال التكنولوجيا وأمن المعلومات كما استطاعوا الوصول إلى ثغرات فنية والكترونية لاخترق المواقع والحسابات وهو ما جعل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في ارباك واسع وحيرة كبيرة أمام الرأي العام الداخلي والعالم خاصة وأنها لا تكف عن التباهي بمستواها الأمني والتقني وأن لديها تحصينات تكنولوجية قوية تمنع القراصنة من الوصول إلى حساباتها

التكتيك الدقيق والقدرات الهائلة تؤكد ان من يقف وراء مجموعة عصا موسى ليسوا أشخاصاً عاديين أو مجموعة مبرمجين لديهم خبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات وإنما جهة قوية تعمل بمستوى دولة وبشكل منظم ولديها دراسة معمقة عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ودراية كاملة في مجال الاختراق والهندسة الاجتماعية وتمتلك قدرات استخباراتية في الرصد والمتابعة وعملية جمع المعلومات ورغم عدم معرفة هويتها بدقة حتى هذه اللحظة الا انها تمكنت من التأثير على المنظومة الأمنية الإسرائيلية ومكانتها وقوتها وهو ما يزيد قلق ورعب جيش الاحتلال من ضعف جبهته الداخلية الإلكترونية

إطلاق اسم عصا موسى على الهجوم الالكتروني الأخير له دلالة دينية وتاريخية بأن هذه المجموعة قادرة على تنفيذ الاختراق مهما كانت قوة التحصينات كما كانت عصا موسى قادرة على فلق البحر إلى نصفين فإن تلك المجموعة قادرة على فك شيفرات مختلف المؤسسات الإسرائيلية وخاصة المؤسسة الأمنية

مجموعة هاكرز عصا موسى استطاعوا اختراق العديد من المواقع التي تتضمن معلومات لدوائر ومراكز ومؤسسات هامة وشخصيات ذات ثقل كبير مثل وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الموساد ديدي برنياع حيث تمكن القراصنة بعد مراقبة استخباراتية طويلة المدى لرئيس الموساد بدأت في عام 2014 من اختراق هاتف زوجته والحصول على وثيقة مكونة من 15 صفحة تحوي معلومات طبية عن رئيس الموساد

حيث شملت نتائج الفحص البدني الشامل الذي أجراه رئيس الموساد في 2018 وفحص سمع وبصر واختبارا للقلب خلال بذل مجهود ونتائج فحص للدم وصور شخصية وقد نشرت المجموعة صوراً فوتوغرافية على سبيل الاستهزاء لأسنان رئيس الموساد ونصحته بأن ينظف أسنانه مرتين يوميا كما نشرت صور شخصية لبرنياع بعضها وهو يرتدي أقنعة من أزياء عيد المساخر ولتذاكر طيران تخصه وعائلته خلال إجازة عائلية في كوبنهاغن وصورة بطاقة هويته ووثائق ضريبية خاصة به وبأفراد أسرته كما حصلوا أيضا على صورة من القمر الصناعي لمنزله الرسمي

ربما يكون معلوم للبعض ان إيران طورت مؤخرا شبكة معقدة من القراصنة المهرة والمدربين على عمليات التجسس الالكتروني والذين غالباً ما يصعب كشفهم وفي التفاصيل حول أنشطة هذه المجموعات يعرض الموقع الخاص تها أنها تمكنت من اختراق أكثر من 165 سيرفر و 254 موقعًا الكترونيا بحيث استطاعت جمع أكثر من 22 تيرابايت بمعدل 8300 سجل من البيانات من مواقع ذات أهمية وحساسية كبرى في كيان الاحتلال ( خدمات عامة سياحة طيران عسكرية امنية اتصالات)

بالإضافة الى الاستيلاء على لعديد من بطاقات الهوية وملفات بعض النواب في الكنيست ومعاملات الشيكات والتقارير المالية وغيرها كما حاول القراصنة تنفيذ هجمات إلكترونية ضد كيانات سياسية وأكاديمية وتجارية رفيعة المستوى بينهم يائير لابيد رئيس الوزراء السابق ونتنياهو رئيس الوزراء الحالي ووزيرة الخارجية السابقة ليفني والسفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ورئيس معهد أبحاث مركزي وأكاديمي كبير في شؤون الشرق الأوسط، ونائب رئيس شركة أمنية كبرى وجنرال في الجيش برتبة لواء

الاجهزة الامنية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي لاتزال حتى الساعة تعيش الصدمة والقلق جراء نجاح مجموعة عصا موسى وغيرها باختراق أجهزة حواسيبها وشبكاتها الرقمية رغم كل عمليات الحماية والتحصين وهو ما دب مزيد من الفزع والبلبلة في قلوب الإسرائيليينmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.