عودة سوريا لجامعة الدول العربية المعيقات والضرورات


مهدي مبارك عبدالله

 

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

منذ أكثر من عامين هناك حراك مستجد يطالب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية ليرتفع عدد الدول الداعية لذلك إلى ستة هي ( الإمارات ومصر وسلطنة عمان والجزائر والعراق ولبنان ) بينما يمتنع الأردن عن الإعلان عن موقف واضح بهذا الخصوص نظرا لعدم وجود توافق عربي كامل إزاء هذه المسألة والاردن ( لم يقطع علاقته الدبلوماسية مع النظام السوري منذ بداية الحرب وحتى الآن وبقيت السفارة السورية في عمان تعمل وما زالت ولم يتم الإعلان عن إغلاق السفارة الأردنية في دمشق لكن عملها تأثر بالأوضاع الأمنية السائدة في دمشق )

ومؤخرا تجدد الحديث عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية إثر تقارير إعلامية عن عقد لقاءات سرية مؤخرا بين مسؤولين سعوديين وسوريين تمهيدا لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وذلك بعد الكشف عن محادثات سعودية إيرانية تمت في بغداد وتصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن بلاده ترغب في إنشاء علاقات مميزة مع إيران يذكر أن ( السعودية جمدت علاقاتها كلياً مع المعارضة السورية والهيئة العليا للمفاوضات التي كانت تتّخذ من الرياض مقراً لها وأغلقت مقرّها الرسمي ) كما رحبت بعودة سوريا الى الجامعة العربية وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر في حال انعقاده

عشر سنوات مرت من عمر الأزمة السورية وما سبقها وما لحقها من ترهل وانطواء وعدم فاعلية لمؤسسة ما يسمى بـ ( جامعة الدول العربية ) حيث لا دور يذكر في حل قضايا العرب او مجرد تقريب وجهات النظر ومتابعة تطوراتها عقد كامل مر على تعليق عضوية الدولة السورية في جامعة الدول العربية باتت الجامعة معه عاجزة عن بلورة أي حلول للقضايا الكبرى التي تواجهها الدول العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية فضلا عن العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية لدى العديد من أعضائها والتي تنخر اجسادها

لم يعد ملائم ولا مقبول نهج وسلوك جامعة الدول العربية القائم اليوم خاصة مع ما تمر به بعض الدول العربية من تقلبات وتحديات أمنية والأزمة السورية مثال على ذلك وهذا ما جعلها مجرد ( تجمع لا يقدم ولا يؤخر في حل الأزمات ) بل بات قرارها مرتهن للأموال التي تدفعها بعض الدول الغنية في موازنتها العامة اضافة الى مصادرة قرارها المستقل وتبعيتها وتأثرها اللامحدود بالنظام العالمي القائم الذي جعل منها أداة لتحقيق مصالحه واستراتيجياته لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية المسيطر الأول على هذا النظام الجامعة حتى ان البعض بدأ يشكك بان بعض دول الجامعة كانت جزء من المؤامرة على سوريا فالجامعة العربية لا طعم لها بخروج دولة محورية مثل سوريا من عضويتها وهي التي كانت الأساس إلى جانب مصر في تأسيسها إبان مرحلة الوحدة المصرية السورية آنذاك مع الاعتراف العادل بالمساعي التي بذلنها حينها للوصول إلى ( نظام عربي إقليمي مشترك )

طيلة السنوات الماضية ونظرا لتغير العديد من المعطيات على الساحتين الإقليمية والدولية بدأت تتجدد الدعوات لعودة سوريا إلى الجامعة في تعبير مباشر ربما عن إدراك العالم العربي لحجم الضرر الذي عاد على سوريا والسوريين جراء التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية دون أن تجد تلك الرغبة طريقها للتنفيذ على وقع الخلافات المستمرة داخل البيت العربي إزاء تلك الدعوات لكنّ وحتى على صعيد المشهد داخل سوريا فقد بات الأمر يحتم عودة قوية وفاعلة ومؤثرة لدور سوريا وهو ما أكده الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي الذي قال إن عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية ( سيسهم من دون شك في تطبيع العلاقة السورية مع بعض الدول العربية والسعي عن قرب لحل الازمة )

منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945 لم تقم بشيء يذكر لمصلحة القضايا العربية ولم يرى التعاون العربي المشترك النور والذي كان يفترض أن يحصل لا بل أن الجامعة منيت بسلسلة من الإخفاقات على رأسها معالجة القضية الفلسطينية وحماية المقدسات وقد بدأت هذه الاخفاقات مع الاعتداء على مصر عام 1956 مروراً بحرب تشرين الأول 1973 وقد شهدت الساحة العربية جولاتٍ من الصراع العربي الإسرائيلي منذ الإعلان عن قيام الكيان الإسرائيل في أيار 1948 ثم حرب حزيران 1967 وحتى حرب تشرين الأول 1973 وما تبع من الأحداث والازمات ( اجتياح لبنان 1982 وصولاً إلى اجتياح العراق للكويت عام 1990 ومن ثمّ الحرب الأميركيّة الأولى على العراق 1991 )

وقد كانت الأزمة العراقيّة الكويتيّة خير شاهدًا على عدم قدرة الجامعة العربيّة على التعاطي بفعاليةٍ مع القضايا المنفجرة وفي مقدّمتها قضايا الحدود السّياسيّة وما كشفته هذه الحرب هو أنّ ( نظام الأمن القومي العربي ) الذّي حاولت جامعة الدّول العربية إقامته منذ عام 1945 حتى 1990 لم يحقّق الهدف منه ولم تنته الإخفاقات بعد حرب الخليج الأولى بل استمرت بعد العدوانين الإسرائيليين على لبنان في تموز 1993 ومن ثم نيسان 1996 كما سجل العجز العربي اكبر صوره في عدم قدرته على حفظ الأمن القومي أمام الغزو الأميركي للعراق عام 2003 حيث بدت الدول العربية مجدداً عاجزةً عن التحرك لردع العدوان

بل إن هناك دولاً عربية اشتركت مع التحالف الأميركي في غزو العراق وسهلت مهمته من خلال السماح باستخدام قواعدها العسكرية وبدلاً من أن تكون قمة شرم الشيخ التي انعقدت في 1 / 3 2003 لبحث الوضع العراقي وكشف ما تقوم به واشنطن فقد كانت مكاناً لعرض التشرذم والعجز العربي في الحفاظ على الأمن القومي العربي المشترك وفي تموز 2006 تفاقم الانقسام والتشرذم خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان تحت تصور أن القضاء على حزب الله اللبناني سوف يحل الأزمات في الشرق الأوسط

لقد تفاعلت قضية تراجع مفهوم الأمن القومي العربي لتدخل في مرحلة جديدة أكثر خطورة بعد ما سمي بـ ( ثورات الربيع العربي ) ومن ثم التدخل الأجنبي في ليبيا وصولا الى الأزمة السورية القائمة والفشل في الحرب الأهلية في اليمن واخيرا جاء بصورة صادمة إعلان ( تنظيم داعش ) عن دولته والتي شكلت ( مرحلة انعدام الأمن القومي العربي ) وتراجع كبير لدور جامعة الدول العربية التي لم تستطع إيجاد حلول لهذا النزاع بل اتخذت قرارات غير واقعية فاقمت وساعد في انتشار وتقوية الجماعات المسلحة الإرهابية بدل أن تعمل على إرساء السلام في سوريا والحفاظ على أمنها وسيادتها وكيانها الذي كان أمام خطر التقسيم إلى دويلات

حيث كانت الجامعة في ذلك اشبه بـ ( منظمة إقليمية تفرق ولا تجمع ) وكانت دائما عاجزة عن تقديم رؤية متكاملة حول مفهوم الأمن القومي ولم تستطع تحقيق أهدافها التي كان أبرزها توثيق الصلات المشتركة بين الدول العربية وتحقيق التعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها

يرى كثير من المراقبين والمحللين السياسيين ان جامعة الدول العربية ساعدت بشكل أو بآخر على تأجيج النار واشتداد الأزمة في سوريا بدلاً من إخمادها لا سيما بعد أن قامت بتعليق عضوية دمشق في الجامعة خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في 12 تشرين الثاني 2011 ودعت إلى سحب السفراء العرب لغايات تنفيذ مبادرتها لحل الأزمة في سوريا وذلك بشكل ( خالف ميثاقها ) حيث إن سوريا لم تخالف واجباتها التي تحرمها من عضويتها كما تنص عليه المادة 18 من الميثاق ولا بد هنا من التفكير العملي في كسر العزلة العربيّة المفروضة على دمشق منذ العام 2012 كي لا تبقى فريسة للتجاذبات الاقليمية والدولية وبما يعقد أي مسعى لحل المشكلة

هنالك من يعتقد بان الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية تعمل على عرقلة الجهود الراميّة إلى عودة دمشق إلى ( بيتها العربي ) وذلك بعد توافق عربي شبه تام على اعادتها إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربيّة بدلاً من استمرار عزلها ومحاصرتها لان في عودة العلاقات الطبيعية بين دمشق والدول العربية دور هام في تجاوز الأزمة السورية خاصة وأن سوريا وصلت إلى بداية نهاية أزمتها التي دخلت عامها الحاديّ عشر وأنّه لا يزال لدى سوريا العديد من الأصدقاء الأجانب والشركاء في الرأي وفي كل يوم يزداد عدد الدول المطالبة بإعادة العلاقات معها خاصةً بعد الأدراك بأنّ الإقليم العربي بلا سوريا لا قيمة له ولا يمكن للجامعة أن تنتج موقفاً موحداً في ظل غيابها

ومن الملاحظ ان عدداً من السفارات الأوروبية تستعد لاستئناف نشاطها في دمشق في القريب العاجل فيما رفعت أعلام كل من اليونان وهنغاريا وصربيا إلى جانب علم الاتحاد الأوروبّي على سفاراتهم في دمشق وقد ادرك العديد من ممثلي الدوائر الدولية أن الخطاب ( المعادي لدمشق والذي تفرضه بعض العواصم الغربية يزيد في ديمومة وتعقيد الازمة ولا يخدم سوى مصالح دائرة ضيقة للغاية من اللاعبين الأجانب ) ومن اجل ذلك تصر الإدارة الأمريكيّة وحلفاؤها على عرقلة عودة دمشق إلى الحضن العربي لمنع إعادة النبض إلى قلب الجامعة العربيّة الميّت اصلا إضافة الى منع تحقيق أي انفراج في واقع المواطن السوري المنهك من الحصار الأمريكي والغربي الذي استهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر في ظل ضعف غير مسبوق للدور العربي المرتهن لأوامر القيادات الأمريكية والاوروبية

الولايات المتحدة ومن معها يعملون ايضا لعرقلة جهود بعض الدول العربية في التدخل الايجابي في هذا الملف لإيقاف محاولة توفير مظلة عربيّة جيدة لسوريا وبالتالي عرقلة تجاوز عثرتها الحالية حيث يعد الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة بالنظر إلى كثرة اللاعبين الدوليين ووجود قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها بشكل غير شرعي مع الأخذ بعين الاعتبار أن عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية تعد( صفعة لأمريكا والدول الغربية ) التي تساندها في مشاريعها العدوانية ولهذا هي تمنع بشدة حدوث ذلك لحفظ ماء الوجه

بعد أن دفعت امريكا وحلفائها بكل ما أوتوا من قوة لإسقاط سوريا وتشريد وتجويع شعبها ومنع حدوث أي تعاون عربي معها لأن تضافر الجهود لدعم العمل العربي المشترك وخاصة لجانب عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهمية على العالم العربي بأكمله وهذا بالطبع ما لا يودون حدوثه ويواجهون بقوة عودة سوريا للجامعة ولأنّ في تلك الدعوات العربية رسالة بأن سوريا لا تزال تحظى باهتمام عربي كبير كما أن لها انعكاسات إيجابية بإعادة إحياء فكرة ( النظام الإقليميّ العربي ) في مواجهة النظام الشرق الأوسطي الغريب الذي تدعو إليه بعض الدول الأخرى

كذلك فان عودة دمشق للحضن العربي تعني باختصار ( فشل المشروع الغربيّ في المنطقة ) وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء فمن الطبيعي أن يكون احتلال سوريا مقعدها الطبيعي باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة أمراً مرفوضاً بالنسبة لأصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في المنطقة

بالمحصلة يمكن القول إنّ الموقف العربي شبه مجمع بدرجة ما على عودة سوريا للجامعة لكن الخلاف على ( توقيت عودتها ) وإنّ حجم الضغوط التي ستفرضها امريكا وحلفاؤها هي التي ستحدد سرعة حدوث ذلك وخاصة أنّ أغلب الأنظمة العربيّة تسير وفقاً للأوامر والتعليمات الأمريكيّة وإن الجامعة العربية نفسها أظهرت بشكل جلي خلال سنوات الحرب على سوريا أنّها أداة طيعة في يد القوى الأجنبيّة بعد أن طردت سوريا من الجامعة بأوامر وتوجيهات أمريكيّة

والجامعة لازالت حتى اليوم بعيدة كل البعد عن الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة ورؤى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين اعضائها وفي المقابل كل ذلك يتم لشراء صمت واشنطن ورضاها عما تقوم به بعض الانظمة والحكومات العربية من سياسات قمعيّة و إجرامية بحق شعوبها لضمان حماية عروشهم المتهالكة وأنظمتهم المتخلفة

واخيرا لا بد من الاعتراف للحقيقة والتاريخ ان الجامعة العربية وفي خضم الأزمة السورية عملت على محاربة النظام والدولة السورية عوض عن الوقوف معها وبدلاً من أن تتوحد دول الجامعة حول سوريا اختارت المشاركة في تدمير بنية الدولة وهو ما ادى الى تراجع لدورها بعدما دخلت شريك في الحرب ضدها بدل أن تعمل على إرساء السلام فيها والحفاظ على أمنها وسيادتها وكيانها الذي كان أمام خطر التقسيم إلى دويلات فئوية وعرقية وسياسية متناثرة ومتناحرة

ولا زلنا نأمل بان عودة سوريا للمنظومة العربية يمكن أن يسهم في الدفع بالحل السياسي للأزمة السورية وكسر الجليد الذي يحيط بها رغم ما نشهده من صعوبات واضحة خاصة بعد اتضاح أنه لا مجال لحل عسكري أو أي حلول أخرى بخلاف التسوية والتوافق والتنازلات السياسية المتبادلة وبما يكفل أمن الشعب السوري ويحميه من المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تعطل الوصول إلى حلول حقيقية تخدم حياته ومستقبل ابنائه
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.