عودة قضية الشهيد الطيار الكساسبة للواجهة لحظة القصاص تقترب

مهدي مبارك عبدالله
–
معلوم بان القضاء في مملكة السويد يمارس فعليا مهامه باستقلال وحياد وتجرد ونزاهة ويصون حقوق وحريات المتخاصمين وهو أنقى وأسمى من أن يمارس ظلما أعمى او يهضم الحقوق ولا يخضع لأي توجيهات سياسة او تتحكم في قراراته وأحكامه أجهزة أخرى ولا يتعرض لضغط او اغراء من اي قوى من السلطة التنفيذية او اصحاب الجاه والنفوذ والمال والأعمال ولهذا هل ينجح في تحقيق العدالة المنشودة في جريمة تنظيم الدولة ( داعش ) بحق الشهيد الطيار معاذ صافي يوسف الكساسبة وينصف دمه المهدور ظلما بالحكم الأشد قسوة بحق قتلته الارهابين
سنوات عشر انقضت على الحادثة البربرية والوحشية التي هزت العالم بأفعالها المشينة والخارجة عن كل القيم والآداب والضوابط الإسلامية حين اقدمت في عام 2015 ثلة اجرامية من لصوص عصابات ما يسمى تنظيم الدولة الارهابي ( داعش ) على إجبار الطيار الشاب معاذ الكساسبة 26 عام على الدخول الى قفص حديدي بينما كان يرتدي بزة برتقالية اللون ثم حرقًه حيا حتى استحال جسده مع النار في كتلة لهيب واحدة ثم التمثيل بجثته المتفحمة بسير جرافة عليها ودفنها بالركام وذلك بعد اسره يوم 24 كانون الأول 2014 جراء سقوط طائرته الحربية من نوع إف-16أثناء قيامها بمهمة عسكرية على مواقع تنظيم داعش في محافظة الرقة شمالي سوريا
العمل الاجرامي الخسيس والجبان الذي قام به تنظيم الدولة لا يمت بأي صلة للأخلاق والانسانية وقوانين ومواثيق الحرب الدولية كما انه يخالف النصوص الشرعية والقواعد الفقهية لشريعتنا الإسلامية السمحة وتعاليم كل الديانات والشرائع السماوية الاخرى حيث درج تنظيم الدولة على اتخاذ ( الترهيب ) كاستراتيجية ردع ثابتة بالقتل الجماعي وتصفية الرهائن بجز الرؤوس وأخيرا الإعدام بالحرق ونذكر هنا إعدام التنظيم لعدد من الجنود الاتراك بالعراق في عام 2016 في مشهدًا مشابهً لما حدث مع الكساسبة مما يسلط الضوء على الطبيعة الوحشية لجرائم التنظيم ويؤكد بما لا يدع مجال للشك ان ( الأسير المسلم وغير المسلم لا يجوز قتله أبدا بالحرق وباتفاق جمهور العلماء )
بعد كل هذه السنوات والاسى والمعاناة ومرارة الفقد عند اسرته واهله ومختلف ابناء الشعب الاردني وعدم الكشف عن المجرمين عادت قضية الكساسبة إلى الواجهة مجددا حيث طالب ممثلو الادعاء العام في مملكة السويد بطلب مواطن سويدي محتجز حاليًا في فرنسا يدعى ( أسامة كريم ) 32 عامً المعروف ايضا باسم نعيم أو نعيم الحامد اصول سورية ولد في مدينة مالمو السويدية يشتبه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم إرهابية خطيرة في سوريا من ضمنها المشاركة في قتل الطيار الكساسبة حرقا في سوريا بعد انتمائه لتنظيم الإرهابي وقبل أن يعود إلى أوروبا ويلقى القبض عليه عام 2016 في مدينة مولينبيك ببلجيكا
ذلك وفق ما صرحت به المدعية العامة السويدية رينا ديفغون خلال مؤتمر صحفي حيث قالت ان كريم متهم بالمشاركة مع عناصر من تنظيم داعش في تلك الجريمة التي وثقت فظاعتها بمقطع فيديو استمر لمدة 22 دقيقة بدقة عالية بثته مؤسسة الفرقان التابعة للتنظيم تحت عنوان ( شفاء الصدور ) ضمن حملتها الإعلامية والدعائية وقد استخدم المقطع كأداة لبث الرعب عالميًا بعدما تصدر الشاشات وعناوين نشرات الاخبار وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة
المجرم كريم متورط ايضًا في هجمات إرهابية وقعت في باريس وسان دوني الدموية عام 2015 حيث قُتل 130 شخص وفي عام 2016 أُدين بتهمة القتل الإرهابي لدوره في هجمات بروكسل التي أودت بحياة 32 شخصاً وفي تطور لاحق أصدرت محكمة بلجيكية حكما بالسجن مدى الحياة بحقه في عام 2023 بعد ثبوت تورطه في تفجيرات مطار بروكسل وشبكة المترو في 22 آذار 2016 والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصًا وإصابة المئات وبعد موافقة السلطات الفرنسية تم تسليم كريم مؤقتًا إلى السويد في اذار الماضي لمدة تسعة أشهر لتمكين الادعاء من استكمال التحقيقات ومحاكمته على على أن يُعاد لاحقًا إلى فرنسا لقضاء محكوميته
من المقرر أن تنطلق جلسات محاكمته في العاصمة ستوكهولم في الرابع من حزيران المقبل وسط اهتمام واسع من الأوساط القانونية والإعلامية نظرا لحساسية القضية وارتباطها بواحدة من أبرز الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش بحق أسرى الحرب وما تمثله من خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني وارتباطها بعقوبات دولية قد تساهم في محاكمة المشتبه بهم عبر المحاكم الدولية المختلفة
التحقيقات القضائية التي اجراها الادعاء العام السويدي مؤخرا نجحت في تحديد موقع الجريمة بدقة حتى وإن تعذّر تحديد تاريخها بشكل مؤكد كما أظهرت أن كريم كان يقف مسلحاً وملثماً مع أشخاص آخرين أجبروا الِكساسبة على دخول قفص معدني ثم اشعلوا النار فيه وهو على قيد الحياة ما أدى إلى وفاته
الحكومة السويدية عينت مؤخرا المحامي ( السويدي ميكيل ويسترلند ) لتمثيل أسرة الكساسبة في القضية والذي زار منزل العائلة في محافظة الكرك قبل فترة برفقة الصحافي السويدي اللبناني قاسم حمادي وقد تم توكيله رسميًا من قبل والد الطيار الكساسبة وعائلته للترافع في المحكمة السويدية والمطالبة بمحاكمة عادلة مع تقديم طلب لجلب المتهم إلى الأردن للكشف عن كامل ملابسات القضية
عند اسر الطيار الكساسبة كان الأردن جزءاً من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا خلال الحرب الأهلية وقد سعى لتأمين إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل للأسرى الا ان التنظيم ماطل وكذب واصر على اعدامه الوحشي ليرد الاردن فورا بإعدام الارهابية العراقية ساجدة الريشاوي التي شاركت في تفجيرات فندق رادسون ساس والمجرم زياد الكربولي المنتمي لتنظيم القاعدة والذي اختطفه فرسان الحق رجال ( المخابرات العامة ) من لبنان وجلبوه للأردن بعدما ساعد في قتل عدد من سائقي الشاحنات الاردنيين في العراق
جلالة الملك عبد الله الثاني لازال يطالب بالثأر الذي يشفي الصدور لدم الشهيد الكساسبة ويتوعد برد قاس ومؤلم على البغاة ومقاتلات سلاح الجو الاردني في اتم استعدادها لشن غارات هجومية جديدة ضد