في الذكرى الـ 28 لمجزرة الحرم الابراهيمي


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم  //  مهدي مبارك عبد الله

على وقع الإجراءات الإسرائيلية غير المسبوقة لتهويد المسجد الإبراهيمي الشريف اليوم الجمعة 25 شباط 2022 الذكرى الثامنة والعشرين لارتكاب المجرم الصهيوني باروخ جولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل التي أسفرت عن استشهاد 29 مصليا وهم سجود في صلاة الفجر وإصابة 150 آخرين بجراح مختلفة

الإرهابي باروخ غولدشتاين كان يبلغ من العمر 42 عام عند ارتكابه المجزرة وهو من مؤسسي حركة كاخ الدينية العنصرية قدِم من الولايات المتحدة الأميركية عام 1980 وسكن في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة خليل الرحمن

في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شباط 1994 الموافق للخامس عشر من شهر رمضان نفذ المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين المجزرة عندما سمحت قوات الاحتلال المتواجدة في محيط الحرم الإبراهيمي بدخوله إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية وعددًا من مخازن الذخيرة المجهزة حيث استحكم خلف أحد أعمدة المسجد

وانتظر حتى سجد المصلون ثم فتح نيران سلاحه الرشاش عليهم وفي الوقت نفسه ساعده آخرون في تعبئة الذخيرة التي احتوت على رصاص دمدم المتفجر حيث اخترقت شظاياها رؤوس ورقاب المصلين لتتدفق ادمائهم وتتعالى صرخاتهم ويهب من نجا منهم صوب القاتل لمواجهته والامساك به واثناء ذلك أغلق جنود الاحتلال لإسرائيلي المتواجدون في الحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الخروج كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى وإخلاء الشهداء

خلال تشييع جنازات الشهداء لاحقا استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد مما رفع مجموع الضحايا إلى 50 شهيدا 29 منهم استشهدوا داخل المسجد كما اسلفنا انفافي نفس اليوم وعلى إثر الجريمة النكراء تصاعد التوتر والاضطرابات في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وقد بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المواجهات مع جنود الاحتلال إلى 60 شهيدا ومئات الجرحى وهو ما دفع قوات الاحتلال الى اغلاق الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة بحجة التحقيق في الجريمة

حيث شكلت اسرائيل من طرف واحد لجنة شمغار للتحقيق في المجزرة وأسبابها والتي خرجت في حينه بعدة توصيات منها تنسب الجنون إلى القاتل جولدشتاين وعدم مسؤوليته وتقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين بين المسلمين والمستوطنين بموجب بروتوكول الخليل الذي وقعت عليه إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1997حيث تم اقتطاع نحو نصف المسجد الخلفي وتحويله إلى كنيس يهودي دون ان تشير اللجنة غير الحيادية الى تورط عناصر من الجيش الاسرائيلي وتواطؤهم مع الجاني في تنفيذ المذبحة

عقب المجزرة فرضت قوات الاحتلال واقع صعب على حياة المواطنين في البلدة القديمة حيث وضعت الحراسات المشددة على الحرم الشريف ومنحت سلطات الاحتلال الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه حوالي 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه كما منعت رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة ووضعت كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل وأغلقت معظم الطرق المؤدية إلى الحرم في وجه المسلمين باستثناء بوابة واحدة اتخذت فيها إجراءات عسكرية مشددة

إضافة الى إغلاق سوق الحسبة وخاني الخليل وشاهين وشارعي الشهداء والسهلة ونشر العشرات من نقاط المراقبة العسكرية والحواجز الملموسة من جدران إسمنتية وحديدية مأهولة بالجنود داخل أزقة وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة والمسجد عن محيطهما وقد استكملت قوات الاحتلال قبل أيام أعمال الحفريات التي بدأتها منذ عدة شهور في الساحات الخارجية للمسجد بتركيب مصعد كهربائي لتسهيل اقتحامات المستوطنين وإقامة مزار سياحي والتخطيط لأنشاء مشاريع دينية واستيطانية اخرى

القسم المغتصب من الحرم يضم مقامات وقبور أنبياء وشخصيات تاريخية إضافة إلى صحن الحرم وهي المنطقة الوحيدة المكشوفة فيه ولا زال الاحتلال الإسرائيلي حتى الان يحاول ضمن سياساته الممنهجة السيطرة على المسجد الإبراهيمي وعدم الاعتراف بالسيادة الفلسطينية عليه وإلغاء اعتباره وقفا إسلاميا خالصا وفي عام 2020 على سبيل المثال لا الحصر اغلق الاحتلال المسجد الإبراهيمي 77 يوما ومنع رفع الاذان فيه 599 مرة فضلا عن الاقتحامات المستمرة لجنود جيش الاحتلال والمستوطنين

ولا زال الكثيرون يتذكرون قيام رئيس وزراء الاحتلال النتن ياهو يرافقه العشرات من وزرائه باقتحام الحرم الابراهيمي الشريف وهو ما شجع زيادة الاقتحامات والانتهاكات للمسجد وتجرؤ المستوطنين على نصب شمعدان كبير على سطح الحرم الابراهيمي رغم ان هذه الممارسات العنصرية والافعال الاجرامية لا تنقص من قيمته وحرمته وإسلاميته ومكانته التاريخية والدينية باعتباره وقف إسلامي خالص للمسلمين لا يشاركهم فيه أحد

يذكر أن لجنـة التـراث العالمـي التابعـة لمنظمـة الأمم لمتحـدة للتربيـة والثقافة والعلوم اليونسـكو أدرجت عام 2017 الحـرم الإبراهيمي والبلـدة القديمـة في الخليل علـى لائحـة التـراث العالمي الواجب حمايته

ولهذا عليها تحمل مسؤولياتها تجاهه ووضع حد لعنجهية وعبث الاحتلال ومستوطنيه الخطير بحاضره ومستقبله والمطالبة بإعادة المسجد كاملا للسيادة الفلسطينية وإخراج المستوطنين من القسم المغتصب فيه وعودة المصلين المسلمين بحرية ووقف كل أشكال التعديات والانتهاكات والإجراءات التي تعرقل وصولهم إليه في المقابل على أبناء الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط ديمومة إعماره وزيارته وحمايته من أطماع المستوطنين بكل الأدوات الممكنة وعلى مدار الساعة

في الواقع لم تكن المجزرة البشعة سوى حلقة من حلقات الإرهاب الصهيوني المنظم والمستمر بأشكاله المختلفة من قتل وتهويد واعتداءات متواصلة بحق الإنسان والمقدسات الإسلامية في محاولة يائسة لتغييب وطمس الهوية العربية والإسلامية للحرم الإبراهيمي الشريف وتغيير هويته وطابعه وإبعاد المواطنين عنه من خلال عزله ووضع القيود أمام المصلين والوافدين إليه وهو ما يؤكد أن هذا العدو لا يفهم مطلقا إلا لغة الرصاص والصواريخ والمقاومة وأن كل حلول التسوية العبثية والتنسيق الأمني المخزي لا تعني للاحتلال إلا فرصة يستثمرها في سلب وقضم وضم مزيد من الأرض وقتل مزيد من الفلسطينيين

وقد كان من آثار المجزرة أيضا تشكيل بعثة التواجد الدولي المؤقت بقرار دولي عام 1994 لمراقبة انتهاكات الاحتلال في الخليل والتي عملت منذ 1997 حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق النتن ياهو منعها من العمل مطلع 2019

ضمن عمليات التصدي لإجراءات الاحتلال التهويدية أطلق قبل أيام عدد من النشطاء الفلسطينيون دعوات لإحياء صلاة الفجر العظيم اليوم الجمعة في كافة مساجد فلسطين تحت عنوان فجر الشهداء من المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي الى مساجد نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم وقطاع غزة والداخل الفلسطيني المحتل عام في ظل ما يتعرض له المسجدين الأقصى والإبراهيمي من عمليات اقتحام وتهويد إضافة الى تصدي أهالي حي الشيخ جراح للاعتداءات ومساعي التهجير المتواصلة

تنتشر في قلب الخليل ومحيط المسجد الإبراهيمي على نحو كيلومتر مربع ثماني بؤر استيطانية منها ثلاث قيد الإنشاء وخمسة اخرى يقطنها حوالي 700 مستوطن كما يقيم في البلدة القديمة نحو 400 مستوطن بشكل دائم بالإضافة إلى 300 طالب يتلقون التعليم في مدرسة دينية فيما عدد الفلسطينيين يبلغ حوالي 7 آلاف نسمة

في الذكرى 28 لمجزرة المسجد الإبراهيمي نؤكد من جديد انه لا حل أمام الفلسطينيين لمواجهة جرائم الاحتلال إلا بأنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الجامعة والتوافق الشامل وانهاء التنسيق الأمني ودعم المقاومة واستنفار كل الطاقات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه ومخططاته الهادفة الى اقتلاع الوجود وسلب الأرض وهدم البيوت وقتل المواطنين

هذه المجزرة الدموية لا تدلل على عنصرية الاحتلال وإرهابه وإجرامه فحسب إنما تؤكد أيضاً في مضمونها واسلوبها على جوهره ووجوده القائم على الاغتيال والقتل والعدوان للضغط على الفلسطينيون للهجرة وترك أرضهم

دون ان يعلم جيدا بأن الاجرام والإرهاب والاذلال والهدم والدماء والشهداء لن تكسر إرادة وصمود وتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني التي كانت وما تزال وستبقى متعلقة برحاب الحرم الإبراهيمي والاقصى الشريف وكل شبر من ارض فلسطين حتى التحرير والعودةmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.