في ذكرى رحيل الشهيد وصفي التل


الباحث محمود حسين الشريدة

=

تمر علينا ذكرى رحيل قامة وطنية كبيرة من قامات الوطن اسهمت اسهامات كبيرة في بناء الدولة الاردنية ، على مدى السنوات الطويلة التي قضاها في خدمة الاردن نظاما وحكومات …

تمرعلى الاردنيين ذكرى استشهاد المغفور له وصفي التل الذي قضى على يد فئة حاقدة لا تؤمن الا بالدم والظلام … تمر علينا هذه الذكرى الاليمة بعد نصف قرن من حدوثها ، نستشعرها وكانها الذكرى الاولى لاستشهادة ، لم تنل اي شخصية عامة اردنية من محبة الشعب الاردني وحزنهم وتالمهم مثلما نال المرحوم وصفي التل ، ولا يزال من يتحدث عن وصفي ومناقبة ويخاطبة بصيغة الحاضر وليس الماضي لقربة من قلوب الناس ، نتيجة الحب والتقدير والاحترام لهذه الشخصية الكبيرة ، وما هذا الحب المتواصل بين الشعب الاردني بكافة اطيافة ومراحلة العمرية ، من عاصره منهم ومن ولد بعد رحيلة ، الا بفضل السجايا الطيبة التي تركها وصفي في ضمير الاردنيين .

وصفي الذي غنى له الجيش والأمن مع اشراقة شمس الصباح وفي طوابيرهم “ فوق التل تحت التل، أسأل عنا وصفي التل ” .

عندما قضى وصفي شهيداً، خيم الحزن على الأردن، بكت نساء الرمثا وقالت: على المثلث حطو دورية ممنوع المخمل يا رمثاوية … ردت نساء معان: يا بيض حدن على وصفي ، قصن شعور الثنا كله … نحبت نساء البادية في المفرق ، وهن يغربلن القمح ، شوباش عمصر واللي فيها مرحوم يا وصفي استشهد  فيها … هذا وصفي الذي انجبته الأرض الاردنية ، فكان قائداً أحب الناس، فبادلته الحب بحب … كتب الكتاب والشعراء وغنت المطربات :

اقول ياصويحبي يكفي عتب يكفي

يا مهدبات الهدب غنن على وصفي

يا وصفي يا رمحنا الموت ماهمك

قلت يا ارض ارتوي ويا نبعنا جفي

كان رحمه الله اشد التصاقا بالاردن واهل الاردن وارض الاردن ، اكثر من رجال السياسة الاخرين ، كان يهتم بالقضايا الصغيرة مثلما يهتم بالقضايا الكبيرة ، واجراءاته السريعة بحل قضايا المواطنين اوصلته الى قلوبهم بعد أن تيقنوا انه يشعر معهم ويحس بما يعانون، كان يعرف مشاكل القرويين وابناء البادية مثلما يعرف مشاكل اهل المدينة وارباب التجارة والصناعة والاقتصاد ، وبفضل ذلك الارتباط كان يستقبل أبناء الشعب العاديين بعفوية وببساطة مثلما يستقبل اندادة من اهل السياسة والفكر والثقافة .

كان وصفي رجل دولة من الطراز الاول في كل المواقع التي خدم بها الوطن والمواطن ، خسرنا بفقدة رجلا كبيرا ، خسارة لايمكن تعويضها ، كان من طبيعته الرغبة في الالمام بكل صغيرة وكبيرة ، يعرف كل مشكلة في البلاد وكيفية حلها ، وعين يوم الثلاثاء لمقابلة ذوي الحاجات والقضايا العالقة ، والقضايا التي يعرضها المراجعون كان يكتب بها للوزراء المعنيين لحلها ، وكان يريد البت في كل شيء بسرعة .

هذه قصة حدثت مع احد الاردنيين الذين قابلوا وصفي وشرح له مظلمته … فيقول من سمعها ، ان الرجل قال لوصفي وقد بدا عليه الحزن، أنه تم اعتقال ابنه لأنه ‘سبَّ وصفي التل’ ، وقد عرض لوصفي ورقة تبدو وكأنها صادرة من مركز امني ، تشير الى اعتقال ولده وانه يرجو من وصفي ان يطلق سراحه .
اثار هذا الطلب وصفي وبدا عليه التأثر وما كان منه الا ان اخذ تلك الورقة من الرجل ، وكتب علي ظهرها : ‘يلعن ابو وصفي التل اللي بتسجنو الناس منشانه’ ، و طلب من الرجل تسليم تلك الورقة لمركز الامن الذي تم اعتقال ابنه فيه ، عندها انفرجت اسارير ذلك الرجل وانهال بالشكر والدعاء لوصفي وخرج مسرعا ليخرج ابنه من الحبس..

كان يؤمن بالعمل البناء ، ويعتقد أن تنمية موارد الدولة ومرافقها تؤدي الى الاستقرار أكثر بكثير من الشعارات التي لا تاتي للمواطن بلقمة الخبز، كان واثقا بنفسة ويمتلكة إيمان لا حدود له ببلادة .

كان نظيف اليد يتحلى بشجاعة شخصية كبيرة وكان وفيا لاصدقاءة الى اقصى حدود الوفاء .لم يكن عنده استعداد للخصومات ، ولم يكن مسكون بمشاعرالحقد والكراهية ، شجاعة وصفي وصراحته كانتا ظاهرتين نادرتين كانتا اكبر مصدر لقوتة .

هذا هو وصفي التل شهيد الوطن ، نصير المظلومين الغائب الحاضر بيننا هذا ضمير الاردن ومثلنا الاعلى في القيادة  والادارة ، نسال الله تعالى ان يتغمدة بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ، وان يرزقنا رئيس وزراء بمواصفات وصفي التل ….

 

الباحث / محمود حسين الشريدة

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.