في ذكرى مذبحة الساق الخشبية


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم // مهدي مبارك عبد الله

يحيي التونسيون والفلسطينيون في الاول من تشرين الأول من كل عام ذكرى اليمة لتاريخ محفور في بالتضحيات والفداء امتزجت فيه دمائهم الزكية إثر عملية اجرامية غادرة نفذها الكيان الصهيوني في مثل هذا اليوم من سنة 1985 حينما نفذت 8 طائرات حربية من سلاح الجو الإسرائيلي هجوما عنيف ومفاجئ على مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية

الذي كان يسمى بـ ( مقر ياسر عرفات ) في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس وتحديدا في منطقة ضاحية حمام الشط الساحلية حيث كان آنذاك المقر الرئيسي لمنظمة التحرير في المغرب العربي قد اطلق الصهاينة على العملية الاجرامية اسم حركي ( الساق الخشبية )

هدف العملية كان القضاء على القيادات الفلسطينية خلال تواجدهم في اجتماع مركزي كان من المقرر عقده للقيادات العسكرية والأمنية وبعض الرموز والكوادر المتقدمة برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي قضى ليلته في مقره ثم خرج صباح الأول من تشرين الاول ( اليوم المحدد لتنفيذ الغارة ) ليتمشى على شاطئ البحر المجاور واثناء ذلك

وعند الساعة التاسعة أبلغه مدير مكتبه العسكري بتأجيل الاجتماع إلى المساء لأن عددًا من كبار الضباط العسكريين المدعوين للحضور لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية ثم غادر بعدها الرئيس عرفات حمام الشط متجهاً إلى منطقة رادس جنوب العاصمة التونسية لتقديم التعازي إلى عائلة وزير الدفاع التونسي الأسبق عبد الله فرحات الذي كان قد توفي قبل أيام قليلة

ورغم علم القيادة الإسرائيلية والوساد من خلال احد عملائهم في تونس بتأجيل الاجتماع ومغادرة عرفات حمام الشط وبعد اقتراب الطائرات الإسرائيلية من الشواطئ التونسية اصبح من المستحيل إلغاء العملية وفي الساعة العاشرة صباحًا انهالت ستة صواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية كما قصفت الطائرات مقر عرفات ومكتبه والمقر الخاص بحراساته

وقد أدت الغارة إلى تدمير المقر بالكامل وبعض منازل المدنيين في المنطقة المحيطة اضافة الى مقتل 50 فلسطينيًا و18 مواطنا تونسيا وجرح اكثر من 100 شخص والتسبب بخسائر مادية تجاوزت 8.5 مليون دولار وقد تبنت إسرائيل العملية فور وقوعها وادعت أنها قامت بها في إطار حق الدفاع عن النفس وقد بارك حينها المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض لاري سبيكس الجريمة فيما احتفت وسائل الإعلام العبرية بإذاعة خبر مصرع ياسر عرفات و جميع القادة الفلسطينيين في الغارة قبل أن يخرج الرئيس عرفات عبر وسائل الإعلام نافيا ذلك ومتوعدًا بالرد على الهجوم الجبان

الجاسوس اليهودي الديانة والامريكي الجنسية جوناثان بولارد الذي عمل سابقا محلل للمعلومات في المخابرات العسكرية الأميركية والذي ادين بتهمة التجسس لصالح اسرائيل وحكم بالسجن مدى الحياة ثم افرج عنه مؤخرا بوساطة من نتنياهو لدى الرئيس ترامب هو الذي قدم صور الأقمار الصناعية الدقيقة والمعلومات التفصيلية للإسرائيليين من خلال الارشيف السري للقوات البحرية الامريكية

عن مخطط موقع مقر منظمة التحرير ومنظومة الرادار والدفاع الجوي والقواعد العسكرية عند الشواطئ التونسية والليبية بالإضافة الى ان أحد العملاء المجندين لرصد تحركات القادة الفلسطينيين ومخططاتهم تمكن من الوصول الى معلومات دقيقة وسرية حول موعد وتاريخ الاجتماع للقيادات الفلسطينية والذي بدوره قام بإبلاغ الموساد الاسرائيلي بالتفاصيل عبر جهاز إرسال عالي الدقة بحجم ولاعة السجائر تم تزويده به سابقا

بعد مرور 36 عام على المجزرة الرهيبة لا تزال حادثة أعنف قصف إسرائيلي على مدينة حمام الشط التونسية حاضرة في أذهان الكثيرين إلى اليوم لتذكرنا والعالم بتاريخ الاحتلال الإسرائيلي الحافل بالجرائم والمجازر التي تعدت حدود التراب الفلسطيني لتصل إلى كافة بقاع الأرض بهدف تصفية خصومها والمناهضين لها ومقاوميها أينما كانوا فيما كانت مجزرة مدينة حمام الشط سابقة خطيرة في تاريخ تونس راح ضحيتها عدد كبير من التونسيين والفلسطينيين الابرياء

الرد التونسي الشعبي على الغارة الاثمة كان قويا حيث خرجت المسيرات الشعبية والتظاهرات الحاشدة التي جابت الشوارع التونسية على امتداد أيام تدين هذه الجريمة النكراء التي اقترفتها إسرائيل بحق تونس وتستنكر اختراقها لحرمة اجوائها واراضيها

وقد نجح الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بدوره في انتزاع اعتراف مجلس الأمن والولايات المتحدة وإدانتهما للجريمة الإسرائيلية والإقرار بحق تونس في التعويضات بعد أن هدد بقطع العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة إذا ما استعملت حقّ الفيتو لمنع ادانة إسرائيل في مجلس الأمن كما التصقت هذه المجزرة البشعة في الوجدان العربي بأهم ملحمة نضال مشتركة بين التونسيين والفلسطيني اخطلطت فيها الدماء والاشلاء والمصير المشترك

لم تكن عملية ( الساق الخشبية ) هي الجريمة الأخيرة التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي التونسية حيث تبعها اغتيال القيادي في حركة فتح خليل الوزير أبو جهاد في بيته امام ابنائه واسرته كما لا يفوتنا ان نذكر بجريمة تصفية المهندس التونسي محمد الزواري الذي ساهم بشكل كبير وفاعل في تطوير مشروع الطائرات المسيرة لحركة المقاومة الإسلامية حماس على بوابة بيته من قبل عناصر الموساد الاسرائيلي

واخيرا نقول لو نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها من هذه العملية لاستطاعة ازالت كل القيادة العسكرية الفلسطينية عن الوجود دفعة واحدة لكن قدرة الله واردته وعنايته ولطفه كانت اكبر واعظم من نوايا واجرام واستعدادات عتاة وارهابي بنو صهيون وكما قال سبحانه وتعالى في وأد وافشال مخططات ومكائد المعتدين في السر والعلن ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العظيم

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.