قرية الساخنة والأستاذ باجس عبود


منذر محمد الزغول

=

تاريخ النشر/  10-03-2011

قرية الساخنة هي أحد قرى تجمع الصفا الذي يضم أيضا( الشكاره/ الفاخره الصفصافه /السوق / الخشيبه الفوقا /الجبل الاخضر /الزراعهآ  ). وهي قرية صعبة التضاريس وتكثر فيها أشجار الزيتون حيث أن الزيت الذي يخرج من هذه القرية من أطيب وأجود انواع الزيوت في المملكة .

انا شخصيا لم أحب قرية كما أحببت قرية الساخنة التي قضيت فيها أصعب وأجمل أيام حياتي ، حيث كنا نخرج في موسم الزيتون يوميا من بلدة عنجرة الى هذه القرية الجميلة الطيبة بأهلها وأرضها برفقة كل الأعزاء منهم من إنتقل الى الرفيق الأعلى كالوالد والوالده رحمهم الله ، ومنها من غادر وذهب في شتى بقاع الأرض باحثا عن أسباب الرزق.

ما دفعني وشجعني لكتابة هذا المقال هو ذلك الإحتفال الرائع الذي جرى في أحد مدارسها بمناسبة عيد ميلاد الملك فأيقنت تماما أن هذه القرية وسكانها ورغم قلة الإمكانات حتى أنها تكاد تكون معدومة إلا أنه ما زال عندهم الطموح والتحدي للوصول بقريتهم ومجتمعهم الى أفضل وأرقى ما هو ممكن .

وأجمل ما تذكرت أيضاآ  في هذا الإحتفال بدايات هذه القرية مع التعليم حيث كان يشرف على تعليم الناس في هذه القرية معلم يأتي من فلسطين ومن قرية بيت إكسا تحديدا التابعة لمحافظة نابلس وإسمة الأستاذ باجس عبود ، وكان هذا في خمسينات القرن الماضي، وكما حدثنا كبار السن الذي تتلمذوا على يديه أنه كان يحظى بإحترام وتقديرجميع أهالي القرية وكانوا يقدموا له كل ما يلزمه من طعام وشراب وغيره ، وكان الأستاذ باجس عبارة عن الطفل المدلل عند جميع أهالي القرية ليس لشىء إلا لسبين لا ثالث لهما هما أنه من عادة أهل هذه القرية وكل القرى الأردنية إكرام الضيف والسبب الثاني وهو الأهم برأي أن المعلم كان له إحترام وتقدير وكان المعلم هو الشخصية الأولى بلا منازع في جميع قرانا الأردنية ، ولذلك كان المعلم يقدم كل ما عنده للعلم والتعليم وكان يحب مهنته أيما حب ، ولذلك ورغم عدم وجود الإمكانات خرج أجيالا من الشباب المتعلم حيث كان مستوى الصف الخامس و السادس في ذلك الزمن يضاهي مستوى التوجيهي في زمننا إن لم يكن يضاهي المستوى الجامعي في كثير من الأحيان .

وعودة الى الأستاذ المبدع باجس عبود فعند حلول موعد إجازته كان يحضر أبناء القرية فرس ويركبوه عليها حتى يصل الى منطقة ديرعلا في الغور ومن هناك يركب بباص نابلس – الغور الى مسقط رأسة في قرية بيت إكسا في نابلس ، وفي عودته أيضا حيث يتم الإتفاق على موعد العودة وينتظره مجموعة من شباب القرية في منطقة دير علا ويحضرونه الى قرية الساخنة .

هذا هو الإحترام الذي نريد ونحبة لجميع المعلمين في عصرنا هذا الذي إختلط فيه الحابل بالنابل وهو التقدير الذي نحبه لجميع معلمينا حتى يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم على أكمل وجه ، وصدقوني نموذج أهل قرية الساخنة وكل قرانا الأردنية في ذلك الوقت هو أفضل نموذج يمكن تقديمه لكل أصحاب النظريات الحديثة في العلم والتعليم .

وبالنسبة لمصير الأستاذ باجس عبود فبعد حرب عام 1967 م وكما قال لنا من هم أكبر منا سنا وقدرا لم يعرف أي شىء عنه ، وعلى كل فإن كان قد توفاه العلي القدير فندعو له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه العلي القدير فسيح جنانه ، وإن كان ما زال على قيد الحياة وأشك بذلك فندعوا له بالصحة والعافية والعمر المبارك إن شاء الله .

وأخيرا كل الإحترام والتقدير لكل أبناء قرية الساخنة الذين صمدوا وبقوا فيها ولم يخرجوا منها رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتهم وما زالت حيث أنها قرية نائية لم تصلها معظم الخدمات إلا منذ فترة بسيطة جدا ورغم كل هذا إلا أن سكان هذه القرية عمروها بحبهم وإنتمائهم الكبير للوطن وقائده حتى أصبحت هذه القرية محط إهتمام الكثير وخاصة المستثمرين والزوار من شتى بقاع الأرض .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.