قرية برقة تحيي روح الانتفاضة القادمة


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم  //  مهدي مبارك عبد الله

في الوقت الذي كان فيه العالم يحتفي بميلاد المسيح عليه السلام كانت دولة الكيان الصهيوني تدعم وتؤازر المستوطنين في عدوانهم على الفلسطينيين الأبرياء حيث لازالت حالة التوتر والترقب تخيم على بعض المناطق في الضفة الغربية المحتلة بعد توالي هجمات قطعان المستوطنين بحماية قوات جيش الاحتلال الصهيوني على قرية برقة شمال غربي مدينة نابلس في محاولة يائسة منهم للعودة إلى مستوطنة “حومش” واعادة بنائها وإقامة مستوطنة جديدة فيها

مغتصبة ” حومش ” انشات في البداية كمعسكر للجيش الصهيوني عام 1978 فوق جبل ” الظهور والقبيبات ” من أراضي برقة والقرى المجاورة وقد احتلت أكثر من ألف دونم من الأرض ثم ما لبثت أن توسعت الى نحو 4 آلاف دونم

في عام 2005 أخلتها الحكومة الصهيونية بقرار أحادي الجانب ليباشر أصحاب الأرض عمارتها لكنهم بعد عملية إطلاق النار البطولية التي نفذها مقاومون فلسطينيون في 16 كانون الجاري واسفرت عن مقتل مستوطن متطرف واصابة اثنان اخران فوجئوا باستمرار اقتحام المستوطنين واعتدائهم عليها بعدما استغلوا الحادثة ليثبتوا وجودهم من جديد عبر مدرسة دينية وأطلقوا عليها اسم ” شوماش” بدلا من ” حومش ” وقد عثر في القرية قبل ايام على لافتات نشرها المستوطنون تؤكد مطامعهم بالاستيلاء على أراضي المواطنين فيها

طوال أكثر من 40 عام لم يتوقف نضال البرقاويون ضد حومش وجيش الاحتلال والمستوطنين حيث قدمت القرية 6 شهداء في انتفاضة الأقصى ومئات الأسرى والجرحى كما واصلت نفَسها المقاوم حين دحرت آلاف المستوطنين ومنعت مسيرتهم مما اضطر جيش الاحتلال الى الغائها بعد تصاعد المواجهات واستبسال الأهالي بتحدي المستوطنين وصد عدوانهم

وقد كا ن محل فخر واعتزاز تداعي كل القرى المحيطة وقرى أخرى بالضفة الغربية لنصرة برقة فضلا عن الشخصيات السياسية والقيادية وكواد المقاومة الشعبية كما نقلت مناطق أخرى ساحة المواجهات إليها مثل قرية سبلسطية وسيلة الظهر وقد أطلق المقاومون النار في اماكن اخرى على مواقع لجيش الاحتلال ومستوطناته كما حدث في مستوطنة بسجوت قرب رام الله ومعسكر حوارة جنوب نابلس وتصدرت وسوم ” أنقذوا برقة ” و” برقة تقاوم ” التداول المحلي الفلسطيني والعربي والعالمي

الصمود البطولي والمبهر لأهالي قرية برقة في هبتهم المنظمة وانتفاضتهم العاجلة بالتصدي لمحاولات ودعوات قطعان المستوطنين لاقتحام اراضيهم كان لافتا فمنذ اللحظات الاولى تعالت الأصوات عبر مكبرات الصوت في المساجد تدعوا ” حي على الجهاد ” وتطالب شبان المدن والقرى المجاورة اسنادهم ونصرتهم والوقوف معهم في وجه الاعتداءات الصهيونية الغاشمة

اضافة الى دعوة اهالي برقة نفسها الى اليقظة والانتباه من أي اعتداء محتمل على أي بيت كما حدث في الأيام الماضية والاستعداد للنفير العام وتصعيد المقاومة الشعبية والدفاع عن الأراضي والبيوت وضرورة التوجه العاجل إلى مدخل بلدة برقة الغربي ومدخل بلدة بزاريا الشرقي كمكان للتجمع لأفشال خطة المستوطنين المتطرفين في تصعيد إرهابهم ومواجهة مسيرتهم التي دعوا لها عبر مواقع التواصل والتي ستمر من بين منازل المواطنين لدواعي استفزازهم والتحرش بهم والاعتداء عليهم وهي في طريقها الى مستوطنة حومش

على اثر هذا التحدي العظيم والاستبسال الرائع حيث لم ( يبق شبر في المكان إلا وقف عليه متظاهر ) قررت سلطات الاحتلال منذ عصر يوم الاثنين الماضي فرض حصار شامل على القرية حيث نصبت الحواجز والسواتر الترابية على جميع المداخل والمخارج وهوما دفع الشبان الفلسطينيون ألي اعادة فتح مدخل القرية الرئيسي والمداخل الفرعية الأخرى بالقوة والذي نجم عنه اصابة العشرات بالرصاص الحي والمطاطي والاختناق بالغاز المسيل للدموع خلال مواجهاتهم العنيفة مع قوات الجيش الاسرائيلي فضلا عن تدمير بعض مزارعهم وممتلكاتهم وعرقلة العملية التعليمية في مدارس القرية

سجلت مدينة نابلس خلال الأيام القليلة الماضية مئات الاعتداءات من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال الصهيوني واصابة اكثر من 300 فلسطيني برصاص جيش الاحتلال أحدهم جراحه خطيرة خلال المواجهات في بلدتي بُرقة و بَزّاريا شمالي الضفة الغربية المحتلة اذ لم تعد اعتداءات المستوطنين المتكررة مجرد اعمال فردية بل أصبحت سلوك ارهابي منظم ومخطط له بحماية الجيش الاحتلال خاصة بعدما عزز قواته بشكل كثيف وأغلق الشوارع لحماية قطعان المستوطنين

ولهذا على جميع المناطق والقرى والمحافظات واللجان استمرار وابقاء التضامن والتكاتف والتعاون والإسناد والوقوف مع أبناء برقة ضد الهجمة الاستيطانية من قبل مجموعات متطرفة تحاول السيطرة على المنطقة والسرعة بتفعيل الحراسة الليلة في كل القرى والمواقع الفلسطينية وتصعيد المقاومة بكل أشكالها لحماية مقدرات الشعب والتصدي لجرائم المستوطنين المتصاعدة في الضفة الغربية

لا شك بان دولة الكيان الصهيوني لها مشروع استيطاني خبيث تريد ان تنهيه بأسرع وقت ممكن بالسيطرة الكلية على الضفة الغربية وترسيخ نظام الفصل العنصري الابارتايد عبر ترسيخ نظام الكانتونات وحشر الفلسطينيين في قری ضيقة ومحاصرة

السلطة الفلسطينية مطالبة القيام بدورها في تعزيز صمود المواطنين في برقة وجميع المناطق التي تواجه اعتداءات المستوطنين وتكثيف العمل للضغط على الاحتلال لوقف جرائمهم رغم أن الاحتلال لا يسمح للسلطة بالوصول أو العمل في برقة إلا بتنسيق كونها مصنفة ضمن المنطقة “ج” فيما يواجه الأهالي صعوبات ومعاناة يومية في ظل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه المتصاعدة

كذلك فان كافة الجماهير الفلسطينية مدعوة للمشاركة في فعاليات وتظاهرات حاشدة وفاعلة للتصدي للمستوطنين ومواجهة انتهاكات الاحتلال الصهيوني في محافظتي نابلس وجنين شمالي الضفة الغربية المحتلة وفي غيرها من الاراضي الفلسطينية المحتلة كأول الأوليات

ما شاهدناه من إصرار وصمود في برقة وتعاظم إرادة الفتية والشباب والنساء والشيوخ في مواجهة قطعان المستوطنين يعد مفخرة نضال يسجلها التاريخ بأحرف من نور ونار وهي ليست غريبة على هذه القرية المقاومة ذات البصمات العظيمة في دفتر الذاكرة الفلسطينية الجماعية فهي واحدة من قرى عديدة تحمل هذا الاسم كـ ” برقة رام الله العامرة وبرقة غزة ” التي هجر اهلها في العام 1948 وإلى قرية برقة تعود أصول الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف القائد العام لثورة 1936 المولود في ذنابة عام 1898 وكذلك اليها ترجع أصول الشاعر الراحل محمود درويش المولود في قرية البروة عام 1941 لعائلة خرجت من برقة إلى البروة في منتصف القرن التاسع عشر

يذكر في هذا السياق انه يتوزع نحو 666 ألف مستوطن صهيوني في 145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائية ( غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية ) بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وفق بيانات لحركة ” السلام الآن ” الحقوقية الإسرائيلية كما يقيم الاحتلال مستوطنة ” شافي شمرون ” على أراضي بلدة برقة من الجهة الجنوبية فيما تقع بؤرة “حومش” المخلاة على أراضيها من الجهة الشمالي

يعلم قادة الجيش الصهيوني جيدا بأن هناك تغيرًا واضحا في طبيعة المواجهات التي تندلع بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال خلال اقتحام مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة حيث كانت تقتصر في الماضي على إلقاء الحجارة أو الزجاجات الحارقة وما يحدث حاليا هو اطلاق رصاص وعبوات متفجرة تجاه قوات الجيش وهو ما يعرضها للخطر

قرية برقة بمقاومتها وصمودها واستبسال اهلها وجيرانها لقنت الاحتلال والمستوطنين درسا قاسيا مفاده أن الفلسطينيون العزل بإرادتهم الصلبة وعنفوانهم وقوتهم وتعاضدهم قادرين على افشال مخططات العدو الصهيوني وأن ما جرى امام العالم في حارات وشوارع قرية برقة حدث مبشر بالخير لانطلاق انتفاضة شعبية قادمة تقود الضفة الغربية لانفجار شامل إذا ما استمر جيش وحكومة الاحتلال بحماية المستوطنين ودعمهم

ختاما نقول انه لا حل إلا بالمواجهة وجعل الأرض الفلسطينية المغتصبة مقبرة للاحتلال وقطعان مستوطنيه كما لا يفوتنا ان نوجه تحية فخار واكبار إلى أهالي برقة وجوارها الثائرين في تصديهم لقطعان المستوطنين واعتداءاتهم المتواصلة بأجسادهم العارية وإشعال الإطارات والتمويه لإرباك جنود الاحتلال الذين اعتلى القناصة منهم أسطح المنازل في القرية وانتشروا بالمئات عند مدخلها وعلى طول الشارع العام لتأمين وحماية مسيرة المستوطنين وبعد هذا الانتصار الشعبي المؤزر في معركة ” حومش ” يجب عدم ترك اي قرية أو مدينة لوحدها في مواجهة المستوطنين الجبناء وإحباط مخططاتهم القذرة لتبقى هذه الأرض ” فلسطينية خالصة ” لا يمكن القبول بأي مستوطن فيها

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.