قناة بن غوريون مؤامرة قديمة بدواعي جديدة


مهدي مبارك عبدالله

 

 

قبل أيام اتجهت أنظار العالم إلى قناة السويس بعد جنوح ناقلة الحاويات

العملاقة إيفر جيفين وسد المجرى الملاحي الدولي العالمي ما تسبب فى تعطل

وتكدس مئات السفن وقد أثارت الحادثة التي استمرت لسبعة أيام قبل انفراجها

توترا ومخاوف عالمية على حركة الشحن وحجم الخسائر المالية والاقتصادية

وبطئ تموين العالم بالسلع والنفط والغاز مما أعاد الى السطح من جديد طرح

مشروع قناة بن غوريون بين ( خليج العقبة والبحر المتوسط )  كبديل عن قناة

السويس للحيلولة دون تعطيل التجارة الدولية فى حالة وقوع حادثة مماثلة في

المستقبل

 

من المفيد في البداية ان نفهم ان ما جرى للسفينة ” إيفر غيفن ” في قناة

السويس لم يكن أمرا عاديا ولا هو وليد الصدفة ولا ناتج عن شدة الرياح

انما عن فعل بشري متعمد وهادف للإضرار بمصالح مصر الاستراتيجية لا سيما

وان السفينة عملاقة وحديثة وخصائصها من حيث الطول والعرض والعمق والحمولة

تؤهلها لتجاوز القناة بكل سهولة وتفادي أي صعوبات مناخية تقليدية محتملة

( طولها حوالي 400 متر وعرضها 59 مترا وعمقها 15,7 متر وحمولتها 219 الف

طن ) وقد وتم بناؤها عام 2018

 

وما يؤكد فرضية ( توقف السفينة وغرسها في مياه القناة بضفتيها ) انها

كانت وفق غايات مقصودة وليست عفوية وما نشرته وكالة نوفوستي الروسية من

صور للسفينة قبل دخولها القناة تبين انها سلكت مسارا دائريا دون مبرر

وبما يشير إلى أن العملية مقصودة ومتعمدة وغير بريئة وان السفينة لم تجنح

انما اخذت ( سلوكا إعتراضيا ) ناهيك عن حمولتها الزائدة والتي  تجاوزت

المعايير الدولية المنصوص عليها كشرط لعبور القناة مما يزيد من التكهنات

حول ما إذا كان الحادث مدبراً وان وراءه جهات معادية لتعطيل الملاحة وليس

جنوحاً نتيجة تعرض المنطقة لعاصفة رملية شديدة الرياح والذي لا يمكن

تصديقه بالمطلق

 

الحديث عن ايجاد طرق وممرات بديلة عن قناة السويس قديم وليس وليد اللحظة

الراهنة ويعود تاريخه إلى العام 1963 والذي اثاره معهد لورنس ليفرمور

الأميركي عندما طرح العالم اليكس ويلرشتاين  مؤرخ العلوم في معهد ستيفنيز

للتكنولوجيا الفكرة أنذاك شق قناة داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة والتي

رافقتها وقته صعوبات كبيرة من حيث طبيعة التربة في المنطقة ومستوى سطح

البحر وهما من الأمور التي أعاقت ظهور المشروع للنور

 

ووفقا للمذكرة الأميركية التي رفعت عنها السرية عام 1996 كانت الخطة

تعتمد على استخدام 520 قنبلة نووية لحفر قناة البحر الميت عبر صحراء

النقب بطول 160 ميل لأن الطرق التقليدية للحفر ستكون باهظة الثمن وغير

قادرة على تحطيم التضاريس الطبيعية الصلبة اما اليوم فلم يعد هنالك حاجة

لاستخدام القنابل النووية بعد تطور معدات الحفر الالية ذات التكنولوجيا

العالية

 

إسرائيل كعادتها  ولغايات سياسية وجيوسترايجية مبيته بهدف الترويج لفشل

قناة السويس كممر استراتيجي ودعوة العالم للتفكير بإيجاد ممرات بديلة

لتمزيق وحدة مصر وحرمانها من استعادة مكانتها ودورها القومي والإقليمي

المركزي واثبات عدم قدرتها على ادارة الملاحة الدولية في القناة بشكل

طبيعي وامن وما يشوبها من اهمال وفساد يعرض التجارة العالمية للخطر وان

هيئة ادارة القناة  المصرية عاجزة عن تلافي أو علاج حادث جنوح أو انسداد

للمجرى الملاحي مع التركيز الإعلامي على خسائر التجارة العالمية لهذا لا

بد من البحث عن بدائل لها

 

وقد استثمرت اسرائيل أزمة القناة بإعلانها بدء العمل بمشروع القناة

البديلة ما يزيد من الضغوط على القاهرة والتي تعاملت مع تعثر السفينة

بعرض قناة السويس على أنه أزمة مصيرية تختبر قدرة النظام المصري بالكامل

لان قناة السويس ممر مائي يؤثر على حركة التجارة العالمية وتوقفها عن

العمل لأي سبب يدفع بقوة نحو تشجيع الحلول البديلة

 

وبخلاف قناة السويس التي تنظم السير في اتجاه واحد مداورة للسفن فإن

إسرائيل ستقدم  على حفر قناتين مستقلتين واحدة من البحر الأحمر إلى

المتوسط، والثانية من المتوسط إلى البحر الأحمر بحيث لا تتأخر أي سفينة

في حين تمضي السفن في السويس أسبوعين كي تجتاز القناة وإن ذلك سيكون ضربة

إضافية لقناة السويس ذات الممر الواحد الذي يستخدم بالتداول يوم للسفن

القادمة من البحر الأحمر في اتجاه البحر المتوسط ويوم للسفن القادمة من

المتوسط في اتجاه البحر الأحمر

 

كما تخطط تل أبيب لأن تحول هذه القناة إلى مشروع متعدد الوجوه وفضلا عن

دورها التجاري كبديل لقناة السويس تنوي إقامة مدن صغيره وفنادق ومطاعم

ونوادي سهر ليلية على طول القناة من اجل احيا منطقة ايلات شبه الصحراوية

وفوق ذلك ستكون القناة الإسرائيلية أكثر مرونة وتنظيماً وحداثة فمثلا

ستكون القناة بعمق 50 مترًا أي بزيادة 10 أمتار عن قناة السويس وستستطيع

سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار وهي أكبر قياس للسفن في العالم ومن

أجل تأمين القناة ستضع إسرائيل أجهزة تجسس في عمق القناة وأجهزة مراقبة

في قلبها وستقيم أكبر حاجز يكشف الأسلحة ويصور بطريقة الأشعة الليزرية كل

سفينة تقطع القناة ذهابًا أو إيابًا

 

ان شق قناة بن غريون يعني خنق قناة السويس فالقناتان متقاربتان في الطول

باعتبار أن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط مساوية تقريبا للمسافة التي

أنشئت عليها قناة السويس غير أن إسرائيل ستقوم بخفض المسافة في قناة بن

غريون بالمقارنة مع تلك التي تجتازها السفن في قناة السويس إلى البحر

الأبيض المتوسط  وهو ما يعني خلق منافسة غير متكافئة أبدا بين القناتين

 

 

ومتابعة للضرر الواقع على مصر تساهم قناة السويس الآن بـ 8 مليارات دولار

من المداخيل وعند تشغيل القناة الصهيونية فإنها سوف تنخفض إلى 4 مليارات

حيث تتوقع إسرائيل أن مدخول القناة الجديدة سيكون 4 مليارات في السنة وما

فوق وضمن هذا الوضع الحرج لا تستطيع مصر المكبلة باتفاقية ( كامب دايفيد

) فعل شيء لإيقاف مشروع قناة بن غريون ولو فرضنا جدلا نيتها فعل ذلك

بالقوة العسكرية فالجيش المصري ممنوع من تجاوز قناة السويس وحتى لو ألغت

مصر كامب دايفيد فلن تستطيع استعادة سيناء لأن القوات العسكرية

الإسرائيلية قادرة على ضرب الجيش المصري في حال تجاوزه قناة السويس وأما

عن الاعتراض المصري الرسمي على إنشاء هذه القناة والتهديد بقطع العلاقات

مع إسرائيل فأن اسرائيل لن تكترث لها باعتبار أن العلاقات الدبلوماسية مع

مصر شبه مقطوعة وان التشكيك المصري في عذم قدرة المشروع الإسرائيلي على

منافسة قناة السويس والحديث عن المخاطر الأمنية والتقليل من قيمته لن يحد

من خطره على عائدات قناة السويس ومكانتها

 

أما عن مدة البناء فستكون 5 سنوات وسيعمل في المشروع 300 ألف مستخدم من

مهندسين وفنيين في جميع المجالات ليبقى في النهاية منهم عدد يتجاوز ال 30

الف لتشغيل القناه وستكلف القناة إسرائيل حوالي 16 مليارًا قابل للزيادة

حسب ظروف المشروع  وتعتقد إسرائيل أن مدخولها سيكون 4 مليارات في السنة

وستتفق إسرائيل مع 3 مصارف أمريكية لإقراضها الـ 16 مليار بفائدة 1 في

المئة على أن تردَها على مدى 30 سنة وهكذا تكون إسرائيل قد بنت القناة من

قروض أمريكية بفائدة بسيطة بينما هي تستفيد بقيمة 4 مليارات وأكثر في

السنة

 

وعلى الرغم من ان قناة السويس ومحافظاتها الثلاث تعد مفتاح الأمن القومي

المصري منذ أن حفرت بأيادي عمال مصريين وهي أحد أهم المجاري الملاحية فى

العالم بتحكمها فيما يقترب من 12% من حجم التجارة البحرية العالمية فضلا

عن  دورها كممر عسكري يتفوق على أهميتها التجارية من خلال عبور السفن

والبوارج الحربية لها

 

الغريب جدا وفي ظل الاخطار المحدقة ان تبقى القناة ومنذ ان حفرها

الانجليز ثم اممها الرئيس جمال عبد الناصر بعد الثورة لم يحدث عليها

تعديلات وفق التطورات العالمية ولم يتم توفير وسائل تشغيل القناة

وإنقاذها في الأزمات واكتفت الحكومة المصرية بكسب 10 مليار دولار دون ان

تستثمر في تحديث القناة ناهيك عن الترويج الصهيوني بفقدان الثقة في

الإدارة المصرية للقناة وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي والتخوف من أن يكون

هنالك اهمال متعمدًا ممن يعملون في الخفاء لإفشال كل ما هو جهد وانجاز

مصري وفي الحقيقة وبعيد عن نظرية المؤامرة أين هي الاستعدادات المصرية

لمثل هذه الحوادث وهي أمر وارد دائما في تأمين الملاحة في ممر مائي حيوي

وشريان رئيسي للدخل القومي وأين القوات المسلحة المصرية الباسلة التي

صنعت العبور التاريخي بمعجزات هندسية فائقة من التعامل مع ذلك الحادث

 

المشروع عملاق واستراتيجي وسيكون له تداعيات سياسية واقتصادية هائلة

وتهديد وجودي على مصر في ظل اقتصادها المترنح وعوز الكثير من المواطنين

وسواء كانت حادثة السفينة إيفر جيفين عرضية أم مدبرة نستطيع القول إن

المشروع الإسرائيلي البديل أُنضج إعلامياً كجائزة لتل أبيب لضمان هيمنتها

على الإقليم والتحكم بممر مائي بالغ الأهمية في حركة التجارة البحرية

العالمية وأن مصر مستهدفة اليوم كما تكن مستهدفة في أي وقت مضى

 

اخيرا نحن لا نستبق التحقيقات ولا نجزم بحقائق دون أدلة ولكننا نستعرض

قرائن بخصوص المستفيد من الحوادث وخاصة التي تشوبها الريبة بما وراء جنوح

السفينة الذي أيقظ أحلامًا ومؤامرة قديمة وحديثة كانت وما تزال حية في

مخططات الكيان الصهيوني وما زالت تراوده بإحياء مشروع ” قناة بن غوريون ”

 

mahdimubarak@gmail.com

التعليقات

  1. كرم سلامه حدّاد يقول

    لطفا ,,المقالات المطولة,,والطويله, قلما تقرأ ,,,وخاصة ان المعلومات الوارده فيها معروفة لطبقة القراء والمتابعين والمثقفين , البلاغة في الايجاز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.