كازخستان واليوم الدولي لمكافحة الأسلحة النووية


الدكتور موفق العجلوني

=

 

بقلم  السفير السابق للأردن في أوزبكستان   

الدكتور موفق العجلوني 

 

تحتفل جمهورية كازاخستان والتي تتمتع بموقع جيواستراتيجي هام في اسيا الوسطى في الأيام القادمة بالذكرى الـ ٣٠ لتخلي جمهورية كزاخستان عن أكبر رابع ترسانة أسلحة نووية تدميرية في العالم سبق وان ورثتها عن الاتحاد السوفيتي سابقاً، وذلك من خلال أغلاق موقع للتجارب النووية في مدينة ” سيميبالاتينسك ” الكازاخية، والتي شهدت إجراء ٤٥٠ تجربة نووية خلال أربعين عاماً عانى منها الشعب الكزاخستاني. حيث تخلت جمهورية كزاخستان بمحض ارادتها عن رابع أضخم ترسانة نووية في العالم. وعلى أثرها اعتبرت كزاخستان شريكاً موثوقاً به بالنسبة للمجتمع الدولي حيث نالت كل التقدير والاحترام، وخاصة بالتزامها الكامل بالمعاهدات المتعلقة بحظر الانتشار النووي، ونزع الأسلحة النووية، والطاقة الذرية للأغراض السلمية.

 

هذا وقد أقرت منظمة الأمم المتحدة الاقتراح الذي قدمه الرئيس السابق نور سلطان نزار باييف في حينه اعتبار يوم ٢٩ أغسطس/ أيلول يوما عالميا لمكافحة الأسلحة النووية . على اثرها  وبمبادرة من كازاخستان، وبدعم من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة  وبتاريخ ٢٩ /٨/٢٠١٠ جرى الاحتفال للمرة الأولى عالميا باليوم الدولي لمكافحة التجارب النووية، حيث وقعت جمهورية  كازاخستان مرسوماً بشأن إغلاق موقـــع ” سيميبالاتينسك” للتجارب النووية والذي كان الموقع الثاني من حيث الحجم في العالم، وذلك بعد أن تم تدمير آخر رأس حربي نووي في نفس الموقع السابق للتجارب في مايو/أيار  ١٩٩٥  وفي ٢ /١٢/ ٢٠٠٩، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بإعلان ٢٩ آب/ أغسطس يومًا عالميًا لمناهضة التجارب النووية.

 

 و بهذه المناسبة التي تخلت كزاخستان و للابد عن الاسلحة النووية تقام فعاليات سنوية لتذكير العالم بالأثار الكارثية للتجارب النووية ومنع استئنافها في المستقبل، مما يعني اعترافا من المجتمع الدولي بأهمية تاريخ ٢٩/٨ من كل عام، يوم الإغلاق الرسمي لموقـــــع اختبـــــــار ” سيميبالاتينسك “، الذي كان له أهمية تاريخية ليس فقط لكازاخستان و انما للعالم باسره .

وقد مثل هذا القرار التاريخي بالتخلي الكامل عن الأسلحة النووية المتبقية في كازاخستان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مرحلة جديدة في تاريخ كزاخستان ومنطقة اسيا الوسطى. وهكذا استندت السياسة الخارجية للبلد المستقل حديثاً إلى مبادئ التحرك نحو عالم خال من الأسلحة النووية.

 

 وفي هذا المجال يمكن تحديد المراحل الرئيسية لاستراتيجية كازاخستان لعالم خال من الأسلحة النووية على النحو التالي :

 

  • في شهر كانون الأول / ديسمبر ١٩٩٣ صادق المجلس الأعلى لكازاخستان على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

 

  • منذ شهر شباط / فبراير ١٩٩٤ أصبحت كازاخستان عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووضعت جميع منشآتها النووية تحت رقابة الوكالة.

 

  • في أعقاب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر ١٩٩٦ على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي أصبحت تمثل حجر الزاوية للأمن الدولي وعدم انتشار الأسلحة النووية، صادقت كازاخستان أيضاً على هذه الوثيقة وأصبحت مشاركاً فعالاً في جميع الأنشطة في إطار تنفيذها العملي.

 

  • في عام ٢٠٠٦ وقعت جمهورية كازاخستان وعدد من بلدان آسيا الوسطى على معاهـدة ” سيميبالاتينسك” لمنطقة آسيا الوسطى خالية من الأسلحة النووية، والتي ساهمت في تعزيز الأمن الإقليمي.

 

  • في ٢١ اذار/ مارس ٢٠٠٩ دخلت المعاهدة حيز التنفيذ ، واعتبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعاهدة مساهمة حقيقية في تنفيذ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والعملية العالمية لنزع السلاح وعدم الانتشار النووي.

من جهة أخرى احتضت جمهورية كازاخستان كونها أحد أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، مقر البنك الدولي للوقود النووي على أراضيها، وذلك مساهمة منها لتعزيز نظام منع انتشار الأسلحة النووية. وتقديم إمكانية الحصول على المواد النووية للبلدان التي ترغب في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية ولكنها تفتقر إلى الموارد المحلية الكافية، وفي هذه الحالة لا يشكل البنك أي تهديد بيئي لكزاخستان، إذ تمتلك كازاخستان تكنولوجيات آمنة لاستخراج ومعالجة وتخزين المواد المشعة.

هذا وقد عبرت كزاخستان على لسان الرئيس نور سلطان نزار باييف في حينه علاوة على احتضان البنك الدولي لليورانيوم عن استعدادها لضمان عملية التخزين السليم للوقود النووي، و لن تتجاور كازاخستان الخط الفاصل بين البرامج النووية للأغراض السلمية والبرامج النووية للأغراض الحربية.

 

 وقد تم الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية لأول مرة في عام ٢٠١٠. ومنذ ذلك الوقت، يتم الاحتفال بهذا اليوم كل عام في كزاخستان و في جميع أنحاء العالم ،  كما تحتفل الأمم المتحدة سنوياً بهذه المناسبة .

وفي تاريخ ٢٦ آب / أغسطس ٢٠١٠، استضافت العاصمة استانا في ذلك الوقت ، نور سلطان اليوم  مؤتمرًا مخصصًا لليوم العالمي، بمشاركة الأمين التنفيذي للجنة التحضيرية لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وقيادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات دولية أخرى. حيث اعتمد المشاركون في المؤتمر بيانًا أشار بشكل خاص إلى المساهمة الهائلة في العملية العالمية لنزع السلاح النووي وعدم الانتشار، والتخلي الطوعي عن حيازة الأسلحة النووية وإغلاق أحد أكبر مواقع التجارب النووية في العالم. والبدء بتنفيذ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

وفي ١٢/١٠/٢٠١١، استضاف مدينتي” نور سلطان وسيمي” المنتدى العالمي من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية، المخصص للذكرى العشرين لاستقلال كازاخستان والذكرى العشرين لإغلاق موقع ” سيميبالاتينسك ” للتجارب النووية.

حيث اعتمد المشاركون إعلان أستانا، حيث تم الاعتراف بأن إعلان ٢٩ اب / أغسطس يوماً دولياً لمناهضة التجارب النووية حيث سيساهم في تحقيق أهداف نزع السلاح النووي وعدم انتشاره، وفرض حظر عالمي على التجارب النووية وإيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووي وأسلحة الدمار الشامل .

 

وفي ٢٩ اب/ أغسطس ٢٠١٦  انعقد مؤتمر دولي بعنوان ” بناء عالم خالٍ من الأسلحة النووية ” في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، في إطار انطلاق الحركة العالمية لمكافحة الأسلحة النووية، شارك فيه المنظمات غير الحكومية المعروفة من أجل عدم استخدام الأسلحة النووية. وقد برز المؤتمر، الذي جمع أبرز البرلمانيين ورؤساء المنظمات العالمية ورؤساء البلديات والزعماء الدينيين وممثلي الحكومات والخبراء في مجال نزع السلاح النووي. حيث تم اعتماد الوثيقة النهائية ” رؤية أستانا “: من الضباب المشع إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

في ٢٩ اب / أغسطس ٢٠١٧، تم الافتتاح الكبير لمبنى بنك اليورانيوم منخفض التخصيب التابع للوكالة العالمية للطاقة الذرية في مصنع “أولبا ميتالورجيكال “. من خلال توفير أراضيها لموقع بنك اليورانيوم المنخفض التخصيب. وبالتالي تكون جمهورية كزاخستان قد ساهمت مساهمة فعالة في تعزيز منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وإنشاء آلية جديدة تمامًا للإمدادات الامنة من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي ٢٩آب/ أغسطس ٢٠١٨، استضافت نور سلطان المؤتمر العالمي لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية “ (CTBTO) تذكر الماضي، والتطلع إلى المستقبل” ، بحضور عدد كبير من الشخصيات البارزة لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر ١٩٩٦ على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي أصبحت تمثل حجر الزاوية للأمن الدولي وعدم انتشار الأسلحة النووية، صادقت كازاخستان أيضاً على هذه الوثيقة وأصبحت مشاركاً فعالاً في جميع الأنشطة في إطار تنفيذها العملي.

بالإضافة إلى ذلك، بادر الرئيس السابق نور سلطان نزار باييف في حينه التوقيع على المعاهدة الجديدة على المستوى العالمي لعدم الانتشار الأفقي والرأسي للأسلحة النووية. وفي الوقت نفسه ايدت كازاخستان الحق المشروع وغير القابل للتصرف لكل دولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي في تطوير واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية مع امتثالها لجميع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

ان قيام جمهورية كازاخستان بالتخلي عن ترسانتها النووية بقيادة الرئيس الأول لكزاخستان نور سلطان نزار باييف عزز دورها وحضورها في الساحة الدولية وساهم في تمكين كازاخستان من إطلاق العديد من المبادرات السلمية كمؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية والذي شارك فيه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين عام ٢٠١٥ ومسار استانا لخفض التصعيد في سوريا ومؤتمر التفاعل واجراءات بناء الثقة في اسيا (السيكا) وهي مبادرات يعود الفضل في اطلاقها الى الرئيس الاول لكازاخستان نور سلطان نزار باييف .

 

ونظراً للتقدير الكبير الذي يحظى به جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في كزاخستان على مستوى القيادة والشعب، فقد سبق ان قام الرئيس بمنح جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين جائزة نور سلطان نزار باييف الاولى لعالم خال من الأسلحة النووية والأمن العالمي، تقديراً لجهود جلالته ولمساهمته في الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي والموقف الثابت ضد الحرب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، حيث تحظى جهود جلالته بتقدير كازاخستان والعالم.  مقتبسا ما قاله الرئيس نور سلطان نزار باييف بان “الملك عبد الله الثاني هو سفير العالم، الذي خلف دور والده الحسين وأن الجائزة الممنوحة لجلالته هي “اعتراف بمزايا الملوك“.

 

وفي هذا السياق، هنالك تعاون وثيق بين المملكة الأردنية الهاشمية و جمهورية كزاخستان في كافة المجالات حيث يلعب كل من سعادة السفير الأردني في كزاخستان الزميل يوسف عبد الغني و سعادة سفير كزاخستان في الاردن السيد ايدار بيك توماتوف دوراً فاعلاً في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين و كان لكليهما نقلة نوعية بتوجيهات القيادتين الحكيمتين كل من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين واخيه فخامة الرئيس قاسم جومارت توكاييف في تعزيز و تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين و في كافة المجالات.

هذا وقد سبق ان التقى معالي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين السيد أيمن الصفدي، بمعالي نائب رئيس الوزراء وزير خارجية كازاخستان السيد مختار تليوبيردي، على هامش الاجتماع الوزاري الرابع لمبادرة ستوكهولم لنزع السلاح النووي ومعاهدة عدم الانتشار، حيث تم بحث آليات تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ثنائياً والتنسيق في إطار منظمة التعاون الإسلامي، تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين الشقيقين.

واتفق الوزيران على توجيه الفرق الفنية المعنية في كلا البلدين للتحضير لعقد اجتماعات الدورة الخامسة للجنة الأردنية الكازاخية المشتركة في أقرب وقت ممكن، لبحث أطر التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية، وتبادل الخبرات في مجالات الطاقة النووية للأغراض السلمية.  

هذا وقد وجهت الدعوة لوفد اعلامي أردني حيث سيشارك في احتفالات كازاخستان بمناسبة احتفالات كازاخستان باليوم الدولي لمكافحة الأسلحة النووية .

و السؤال الأخير، هل تأخذ إسرائيل الدرس و العبرة من كزاخستان بحيث تكون منطقة الشرق الاوسط خالية من الأسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل و تصبح عنصر امن و استقرار في الشرق الأوسط بدلاً من ان تكون دولة احتلال و دمار و دولة مارقة على القانون الدولي و الاجماع الدولي ، و تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ و عاصمتها القدس الشرقية …!!!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.