كورنيت الصاروخ الفتاك الذي ارعب جنود الاحتلال


مهدي مبارك عبدالله

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

بعدما أخذت المقاومة أبعادا متقدمة في استخدام أساليب جديدة ومتطورة في استهداف جنود الاحتلال والمستوطنين وساعدها في ذلك امتلاكها المزيد من العتاد والتسليح ومن أبرز أشكال هذا التطور إطلاق ( صواريخ الكورنيت ) الدقيقة وذات القدرة التدميرية الهائلة على الدوريات والابراج العسكرية ومركبات وقوافل المستوطنين وحافلات الجيش الاسرائيلي أو أي هدف إسرائيلي حيوي ومهم يتاح لفصائل المقاومة اصطياده وهو ما ادخل الهلع والرعب في بين المستوطنين وقوات الجيش ملحوظة ( استخدام صواريخ الكورنيت والقذائف الموجهة تغلب عليه الندرة والتباعد نظرا لنتائجه الثقيلة على الاحتلال وإمكانية أن يستتبع ذلك ردود فعل قاسية ما قد يجعل المقاومة تلجأ إليه في المواقف المفصلية والحساسة التي تريد المقاومة منها جباية ثمن باهظ من الاحتلال وايقاع خسائر فادحة ) وقد عرف صاروخ الكورنيت الروسي بـلقب ( كلاشينكوف القرن الـ 21 )

الكورنيت سلاح روسي الصنع ذاتي التوجيه ( بشكل نصف أوتوماتيكي ) تم الإعلان عن دخوله منظومة الخدمة العسكرية الروسية في عام 1998 وهو متخصص في استهداف المدرعات والدبابات والاليات والمخابئ والتحصينات وتدميرها بالكامل ويوجد بداخله رأس قوي الانفجار زنته سبعة كيلوجرامات او حسب الطراز حارق جداً بضغط عالٍ قادر على كسر وإذابة الدروع وتدمير كل ما هو موجود داخلها بشكل كامل ولغاية سماكة تصل إلى بين ألف و2200 ميليمتر من المواد المصفحة وحتى ثلاثة أمتار من الخرسانة المسلحة ويبلغ قطر الصاروخ 152 ميليمتر وطوله 1200 ميليمتر وتفوق سرعته سرعة الصوت ويتراوح مداه بين 100 متر و 5500 متر

يعتمد الكورنيت على نظام دفع يعمل بالوقود الصلب بمخرجين للعادم بكل جانب ما يمنحه ميزة الدوران حول نفسه عند الانطلاق نحو هدفه الأمر الذي يزيد من استقراره خلال الطيران وهو مزود بنظام التوجيه الليزري وخاصية توفير الحماية الكاملة ضد التشويش والتدابير الإلكترونية المضادة كما يتميز الصاروخ بإمكانية استخدامه في ضوء النهار وكذلك الظلام وفي مختلف الظروف الجوية وعمليات الاستهداف البحري دون التأثر بعوامل البيئة القتالية كما يمكنه التعامل مع أهداف برية متنوعة ثابتة أو متحركة على حدٍ سواء وإسقاط الطائرات المروحية التي تطير على علو منخفض ويمكن إطلاقه من على حامل منصوب ثلاثي الأذرع أو من على ظهر عربة مزودة بقاعدة إطلاق خاصة ويمكن استخدامه في تنفيذ استراتيجية عسكرية جديدة تعرف بـ ( الضربة المزدوجة ) لإمكانية إطلاقه لقذيفتين في وقتٍ واحد

استخدم هذا الصاروح بفاعلية كبيرة في العراق عام 2003 لصد دبابات ” ابرامز ” الأمريكية ومدرعات ” برادلي ” التي اجتاحت بغداد آنذاك كما استخدمه حزب الله على نطاق واسع وفي افضل تجربة عملية له في صيف 2006 ضد الدبابات الإسرائيلية فيما سمي بمجزرة دبابات ( الميركافا ) بوادي الحجير في جنوب لبنان التي توجت هزيمة الجيش الصهيوني حيث دمرت عشرات الدبابات والعربات المدرعة وقتل وجرح طواقمها وقد احتجت اسرائيل بعد الحرب لدي روسيا على ايصال هذا السلاح إلى سوريا التي بدورها اوصلته لحزب الله

تمكنت المقاومة الفلسطينية في المواجهات المتكررة والأخيرة تحديدا ورغم كل الاحتياطات وتفوق قدرات الجيش الاسرائيلي من تغييرِ قواعدِ َاللعبة على طول الحدود مع غزة بعد استخدامِها صاروخ كورنيت المضاد للدبابات والذي استطاع في معارك سابقة اختراق تدريع دبابة ميركافا التي تشكل فخر الصناعات العسكرية الاسرائيلية ما اضطَّر الجيش الصهيوني الى اعادة تقييم واسعة لحركته الميدانية وتغيير نمط عمله واستقدامِ الكتيبةِ 9 من اللواء 401 المزودةِ بمنظومةٍ مضادةٍ لهذه الصواريخ لتتمركز على الحدود مع قطاع غزة لمواجهة التحدي الجديد

اتهمت المصادر الرسمية الصهيونية حزب الله وايران بتزويد الفلسطينيين بهذا النوع من الصواريخ المتطورة وقيل ان الجنرال الراحل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني الذي اغتالته واشنطن عام 2020 في محيط مطار العاصمة العراقية بغداد بقصف أمريكي لسيارته هو من اشرف على تسهيل ادخال الصواريخ الى قطاع غزة عبر الانفاق بعد اخذ الموافقة الشخصية للرئيس بشار الاسد على نقلها من مستودعات الجيش العربي السوري الى المقاومة الفلسطينية ( حماس والجهاد ) بعيداً عن الأضواء وخلف الستار

في الحرب الأخيرة على قطاع غزة ظهر واضحا تآكل قدرة الردع الاسرائيلية وتحدي المقاومة الفلسطينية العدو بإعادة استخدام لهذه الصواريخ المرعبة وهي لم تكن المرة الأولى ففي كانون الأول من عام 2010 أطلق رجال المقاومة لأول مرة صاروخ كورنيت على دبابة اسرائيلية من نوع ” مركافا 3″ كانت تشارك في دورية في محيط قطاع غزة ومؤخرا اعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية عن استهداف جيب عسكري إسرائيلي نوع ديفندر شمال قطاع غزة ما أدى إلى إصابة ومقتل من كانوا موجودين بداخله في إطار معركة سيف القدس اضافة الى مركبة عسكرية اخرى رداً على جرائم الاحتلال وعدوانه على أبناء القدس وغزة

إن استخدام صواريخ كورنيت في بداية المعارك والمواجهات من قبل المقاومة فيه دلالات ذات أبعاد سياسية وعسكرية كبيرة أبرزها أن الفصائل أرادت من جديد تذكير العدو الصهيوني بأن لديها قوة عسكرية قادرة على إيذائه حيث تمتلك اعداد كبيرة من هذا الصاروخ ذو القوة التدميرية القادرة على ان تخلّف أضراراً مادية وبشرية كبيرة وأن المقاومة لديها قوة أكبر مما يتخيله المحتل وهي قادرة على ردعه وخلق مردود سلبي على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وقوات الجيش وهو التكتيك الذي اجبر اسرائيل في عدوانها عام 2014 على الانصياع للتهدئة ووقف العمليات العدوانية

صواريخ الكورنيت المضادّة للدبابات لازالت تمثل أكبر تهديد لقوات الجيش الإسرائيليّ التي قد تُحاول الدخول إلى قطاع غزة وهو ما جعل القيادة العسكرية الاسرائيلة تحجم عن فرضيات الغزو البري وتتذكر جيدا ان معظم الاصابات خلال عملية الجرف الصامد وغيرها كان سببها صواريخ كورنيت الموجهة وبسبب خشيتها من تدهور أمني طارئ يهدد حياة سكان الجنوب شرعت إسرائيل في وقت سابق الى إقامة جدار خرساني مدمج بتقنيات ذكية في المنطقة المكشوفة على السياج الأمني شمال القطاع بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية نوعية باستخدام صاروخ كورنيت موجه استهدف سيارة عسكرية إسرائيلية وكذلك بهدف حماية القطار الذي يسير في المنطقة المكشوفة من جهة قطاع غزة كما وضعت سواتر ترابية في منطقة واسعة من غلاف غزة والبلدات والمستوطنات المعرضة لخطر الاستهداف بهذه الصواريخ الفتاكة لكن كل هذه التحصينات فشلت كما سبقتها في حماية الاحتلال من عمليات المقاومة التي تتطور في كل مواجهة عن سابقاتها وتؤكد بعزيمة واقتدار ان اليوم ليس كالأمس

تهديد صواريخ الكورنيت المضادة للدروع أصبحت كابوس رعب يؤرق المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ناهيك عن ان المقاومة في غزة قادرة في كل وقت وتمتلك من الإمكانيات ما يؤهلها لمفاجأة العدو بعمليات نوعية من حيث لا يحتسب وإن الاحتلال لن يتوقف عن إقامة التحصينات والملاجئ على حدود قطاع غزة وهو كذلك يفعل في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة لكن المقاومة ستبقى وفي كل مرة قادرة على تجاوز كل التحصينات والاستعدادات وهذا ما أثبتته جولة التصعيد الأخيرة حيث استطاعت تجاوز منظومة القبة الحديدية وتقييد حركة المركبات والمدرعات والسيارات وحتى الافراد جنود ومدنيين قبالة عزة

ختاما المقاومة الفلسطينية بكل تأكيد لا تريد أن تجر قطاع غزة إلى معركة مفتوحة في أي مرحلة كانت لكنها أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الارهاب الاسرائيلي المستمر والمتصاعد في القدس والاقصى والضفة والداخل المحتل وان صواريخ كورنيتت وصواريخ أرض جو الأخرى التي هزت إسرائيل وادخلت الهلع والرعب في قلوب المستوطنين والجنود حققت المعادلات الكبرى والتوازنات الجديدة في الصراع وفتحت الطريق لمسار جديد لن يحصل بعده كيان الاحتلال ابدا على الأمن والاستقرار طالما أنه يحتل الأرض الفلسطينية ويتنكر لحقوق شعبها ويدنس المقدسات وينتهك الحرمات ويقتل الرجال والاطفال والشيوخ والنساء ويهدم البيوت ويمارس سياسات التطهير العرقي والعنصري ويحاصر قطاع غزة منذ سنوات
mahdimubarak@gmail.com
.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.