كورونا المتحور والخوف من فشل اللقاحات


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم /  مهدي مبارك عبد الله

على الرغم من مرور ما يزيد على 18 شهراً منذ بداية جائحة كورونا وسعي العالم الجثيث منذ ذلك الحين إلى تحصين سكانه بالإجراءات الوقائية والاحترازية وحملات التطعيمات الا إن سبل واشكال عدوى الفيروس الخبيثة تتغير باستمرار وتنتج سلالات جديدة أكثر غرابة وفتكاً بالبشر وأسرع من ناحية قابلية العدوى والانتشار وهو ما يصعب ويعقد من مقدرة الحكومات على مواكبة ومكافحة تلك التحولات والتنوعات الفيروسية المتواصلة

على هذا الاساس توحدت وتكثفت الجهود الدولية المشتركة في السابق لمكافحة السلالات المتحورة من فيروس كورونا التي ظهرت في حينه وأهمها ( ألفا وبيتا وجاما ولامادا ) وصولاً إلى سلالتَي ( دلتا ودلتا بلس ) اللتين ظهرتا تباعاً في شبه القارة الهندية وبعض مناطق أوروبا خلال الأشهر القليلة الماضية وما تبع ذلك من إصابة أعداد كبيرة بالسلالات الجديدة في دول لم تكن قد تعافت بعد من الموجات المتلاحقة لوباء كوفيد-19

في المقابل فقد وصلت تلك السلالات مؤخراً إلى دول تعتبر صاحبة نسب عالية نسبياً في سباق التطعيمات وقد كانت تستعد بثقة لاستقبال موسم سياحي جديد تمنى الكثيرون أن يشهد عودة الحياة إلى طبيعتها من دون إجراءات وقائية غير أن الواقع جاء على عكس ذلك حيث بدأ ينذر باستمرارية هذه التحولات في الظهور بشكل اثار قلق الكثيرين حول هذه الطفرات الفيروسية المرعبة خصوصاً أن غالبية دول العالم لم تتمم بعد حملات التطعيم وبعضها لم يقطع أشواطاً بعيدة في هذا الصدد تكفي لشيء من الوقاية والحماية

في تصريح سابق لرئيس منظمة الصحة العالمية ( تيدروس أدهانوم غيبريسوس ) قال إن هنالك أربعة أنواع جديدة من الفيروس ظهرت حتى الآن وهي مثيرة للخوف والقلق كما قالت منظمة الصحة العالمية في بداية الشهر الجاري إن ظهور نسخة دلتا الاخيرة المتحورة من فيروس ” سارس كوف 2 ( المسبب لفيروس كورونا ) كوفيد-19 يعتبر بمثابة تحذير خطير للعالم من أجل التحرك العاجل للتعاون في قمع الوباء كليا قبل أن يتحول ويتطور مرة أخرى إلى ( شيء أسوأ ) وقبل ظهور متغيرات أكثر خطورة في الوقت الذي يكافح العالم نفس الفيروس لكنه اصبح فيروس أقوى واسرع عدوى وانتشار واستيطان

الفيروس المتغير شديد العدوى كما اسلفنا اكتشف لأول مرة في الهند في ولاية ماهاراشترا الهندية وذلك في تشرين الأول من العام الماضي وتبع ذلك ظهور انتشار مرعب للعدوى بالمتحور الجديد أسفر عن مئات الآلاف من حالات الإصابة وآلاف الوفيات اليومية خلال الأشهر القليلة الماضية وقد أكدت منظمة الصحة العالمية إن متحور دلتا الأكثر خطورة وفتكا ضمن تنوعات فيروس كورونا حتى الان بحكم قدرته الهائلة على اختراق خلايا الجسم البشري ومقاومة جهاز المناعة بالإضافة إلى قابليته العالية على الانتشار

متحور دلتا قفز بالهند إلى المركز الثاني على مستوى العالم نظراً إلى إجمالي عدد الإصابات وكذلك إلى المركز الثالث في قائمة أعداد الوفيات وسرعان ما أخذت السلالة الجديدة دلتا في الانتشار إلى أن وصلت إلى ما يقارب 132 دولة في العالم من أقصى شرق آسيا حتى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية مروراً بأوروبا وإفريقيا وهو المسؤول جزئياً عن زيادة بنسبة 80% في وفيات فيروس كورونا في إفريقيا خلال الفترة الماضية وسيظل هنالك المزيد من الضحايا والاصابات ما دام الفيروس مستمرا في الانتشار وربما تكون نفس الإجراءات التي طبقت من قبل سوف توقف تمدد هذا الفيروس لا سيما التباعد الجسدي وارتداء الكمامات ونظ

افة اليدين وتجنب البقاء فترة طويلة داخل الأماكن المزدحمة سيئة التهوية
وما كادت تمر سوى ستة أشهر حتى ظهر متحور آخر يشبه دلتا من حيث الأعراض والفتك حتى اكتشِفت في شهر آذار الماضي طفرة جديدة تدعى ( دلتا بلس ) والذي ظهر للعالم لأول مرة في أوروبا ثم تلتها الهند وقد عثر على دلتا بلس حتى الآن في تسع دول أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرتغال وسويسرا واليابان وبولندا ونيبال وروسيا والصين مما جعل حكومات العالم تنتفض وتهيء نفسها من جديد بعدما أعلنت وزارة الصحة الهندية أن سلالة دلتا بلس تنتشر بسهولة أكبر وترتبط بخلايا الرئة بشكل أبشع ويحتمل أن تكون مقاومة لنوع من العلاج يسمى ( العلاج بالأجسام المضادة أحادية النسيلة ) مما صعد المخاوف نحو موجة خامسة من الوباء

لقد أصبح الفيروس أكثر فاعلية وسرعة ولا تزال خطط المواجهة والتصدي كما هي الامر الذي يستدعي تنفيذ برامج أكثر كفاءة وفاعلية بكثير مما طبق من قبل خاصة وان جميع النجاحات والمكاسب التي تحققت بصعوبة في مكافحة كوفيد-19سوف تضيع مع انتشار سلالة دلتا جديدة تكون شديدة العدوي على الرغم ان اللقاحات التي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية لا تزال فعالة ضد المرض وتوفر حماية مهمة ضد الحالات الحادة التي تتلقى العلاج بالمستشفيات

الإصابات بسلالة دلتا هي الاعلى التي سجلت في معدلات الوفيات وان تغير الأرقام لن يغير من استراتيجية المنظمة الا نحو المزيد من التطبيق بفاعلية أكبر و( تسليم مزيد من اللقاحات ) والتي تعتبر الحلّ السحري الوحيد المتوفر بين ايدينا لأن الوسيلة الفضلى لمكافحة الوباء هي بتوزيع اللقاحات بشكل عاجل في كافة أنحاء العالم وهو الأمر الذي لا يزال اشبه بالرهان بعيد المنال

إسرائيل مثلا حققت نسبة تعافٍ كبيرة من جائحة كورونا نظراً لتلقي اللقاحات بكمية عالية ما ادى الى عدد حالات يومية منخفضة للغاية وفي نيسان الماضي بدت إسرائيل كأنها تجاوزت الأزمة بالكامل مع تلقى ما يقرب من 5 ملايين من سكان البلاد البالغ عددهم 9 ملايين جرعتَي اللقاح إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أفاد في اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد الرابع من تموز بأن بلاده تدرس إعادة فرض بعض القيود لمكافحة متغير دلتا المنحور شديد العدوى بعدما تنين انه المسؤول عن أكثر من 90% من حالات الإصابة الجديدة في إسرائيل

العالم لم يتجاوز أزمة جائحة كورونا بعد ولا يبدو أن ذلك سيحدث في المدى القريب فقد جاء في كلمة ( تيدروس أدهانوم غيبريسوس ) المدير العام لمنظمة الصحة العالمية التي افتتح بها أعمال جمعية الصحة العالمية في دورتها الرابعة والسبعين انتقاد كبير لأداء بعض الحكومات فيما يتعلق بالجائحة وأزمة التلقيح حيث صرح بانه لا توجد أي وسيلة دبلوماسية لقول ذلك (هنالك مجموعة صغيرة من الدول التي تصنع وتشتري غالبية اللقاحات تتحكم في مصير العالم بأكمله لقد قدم أكثر من 75% من جميع اللقاحات لعشر دول فقط )

ختاما العالم لن يكون في مأمن من خطر كورونا ومهما كان مستوى التلقيح في أي بلد قبل السيطرة الكاملة عالمياً على ( الفيروس بمتحوراته المستجدة ) التي قد تعيد المواجهة مع الوباء إلى نقطة الصفر خاصة بعدما اكد عدد من العلماء من خلال تحليل أجروه بآن لديهم ثقة عالية في أن المتغيرات ستستمر في الظهور وأن القضاء على الفيروس غير مرجح وانه من شبه المؤكد ظهور متغير بعد الاخر قد يؤدي إلى عجز وربما فشل اللقاحات الحالية وأن بعض المتغيرات التي ظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية اظهر قابلية أقل للتأثر بالمناعة المكتسبة من اللقاح اذا هل تعود معركة العام ضد كورونا إلى نقطة الصفر ام ماذا ؟
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.