كيف نستثمر ” هذه المرة ” هبة عرب 48 ؟


مهدي مبارك عبدالله

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

ربما يقول البعض ان المواطنون العرب بمنطقة الخط الاخضر لعام 48 في إسرائيل امتنعوا تقليدياً عن الانضمام إلى نضالات اخوانهم الفلسطينيين الذين يعانون بطش وعدوان الاحتلال الإسرائيلي ومع صحيح القول نسبيا في بعض الحالات الا ان هبة الاحتجاجات الأخيرة بسبب ما جرى في القدس والأقصى وغزة والضفة مثلت تحولاً جذرياً في هذا السياق حيث شارك في الاحتجاجات الأخيرة في حي الشيخ جراح يوم الجمعة ( 7 أيار الجاري ) من عناصر ( حركة احتجاج المواطنين العرب الشباب في إسرائيل )

اكثر من 250 متظاهراً من مدينة أم الفحم العربية وحدها بالإضافة إلى توافد مئات المتظاهرين من البلدات العربية الاخرى الواقعة شمال ووسط اسرائيل للمطالبة بمنع تهجير وطرد سكان حي الشيخ جراح من أرضهم ومناصرتهم والتنديد بما يجري في الاقصى والمقدسات وقد اشتبكوا مع قوات الشرطة الإسرائيلية أكثر من مرة ومن بين 200 جريح فلسطيني في الاشتباكات العنيفة التي وقعت في ذلك اليوم أصيب اثنان على الاقل من عرب الداخل بجروح متوسطة

وخلال العشر الأواخر من شهر رمضان وصلت عشرات الحافلات إلى القدس من مدن وبلدات الوسط العربي تقل المصلين الذين شارك بعضهم في الاعتصامات والاشتباكات وقد مثّل هذا الواقع المستجد بالنسبة للعديد من الفلسطينيين المقدسيين وغير المقدسيين تحولاً دراماتيكيا والحقيقة الثابتة انه نادراً ما أشعلت موجات الاحتجاجات في القدس الشرقية والتي تدور معظمها حول المسجد الأقصى

الا وكانت هنالك مقابلها مظاهرات وتمرد شعبي ومواجهات في أماكن أخرى عربية في إسرائيل وكثير ما يعاتب المواطنون العرب في اسرائيل بانه لا أحد يتذكر مثل هذا الانخراط الواسع لهم في مسيرات القدس الشرقية وهم ينددون بالاحتلال والفصل العنصري ويؤكدون ان القدس هي مركز القضية الفلسطينية وبدونها لا تحرير للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال والظلم التاريخي طويل المدى ً

لقد لعب سكان أم الفحم دوراً محورياً في الاحتجاجات العربية الإسرائيلية والذين قادوا تصاعد العنف داخل المجتمع العربي بشكل عام منذ سنوات وهم يكافحون حتى يتمكن اقرانهم العرب في جميع أنحاء إسرائيل من ممارسة حقهم في البقاء على أراضيهم وكثيرا ما يقال عن شباب أم الفحم من بين غيرهم من المتظاهرين الفلسطينيين بأنهم ( لا يعرفون الخوف من الشرطة الاسرائيلية بل ويستفزونها )

وقد لعبت ( الشبكات الاجتماعية ) للشباب العربي المنتفض في الداخل دوراً رئيسياً في حشد المؤيدين من الشباب للذهاب الى القدس للتعبير عن التضامن مع سكان الشيخ جراح والقدس خاصة بعد مشاهدتهم ما يعانيه سكناهما من ألم وظلم وعدوان ولهذا شاركوا في النضال المتقدم حتى تكون هناك انتفاضة فلسطينية عظيمة ومستمرة من أجل المطالبة بإقامة دولة فلسطينية تكون القدس عاصمتها من خلال هبات جماهيرية متوالية فاقت التوقعات وقلبت المعادلات

ولم يغب كذلك المجتمع الدرزي في إسرائيل عن هذا التحرك وهو الذي لا يبدي في العادة اهتماماً بالانضمام إلى الاحتجاجات في المجتمع العربي ولا يتفاعل مع احتجاجات الفلسطينيين في القدس وغيرها الا أنهم مؤخرا اظهروا مجموعة من الأنشطة في وسطهم من خلال نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تندد بالعنف والعدوان الاسرائيلي باستخدام هاشتاغ بعنوان ( أنقذوا الشيخ جراح ) والذي نال أكثر من2.5 مليون مشاركة على حساب تويتر وتصدر بشكل واضح في علامة التبويب الشائعة على موقع تويتر في إسرائيل والضفة الغربية كما رددوا في تعليقاتهم ( اننا شعب واحد وأمة واحدة من الجليل إلى النقب ) ونرفض الاعتداءات المتواصلة على البشر والحجر والمعالم التاريخية

على اسرائيل اليوم وبعد انقلاب المعادلات وبطلان التوقعات والمراهنات ان تفهم ان زخم النضالّ الفلسطيني في مواقع الداخل يثبت بأن هذا الجيل الشاب تجاوز في وعيه هويته الضيقة ووجوده المسيس وما تبلور عليه وعي آبائه وأجداده خاصة وانهم ولدوا وترعرعوا في سنوات ما بعد فشل اتفاقيات أوسلو وبعد تكريس الاحتلال والاستيطان في المناطق المحتلة وبعدما أصبح ( نظام أبرتهايد ) واضح المعالم بمعنى ادق أن هذا الجيل محرر تمامًا من وعي ( خيار الدولتين لأنه غير قابل للحياة )

وكذلك رفضوا تقسيم الفلسطينيين جغرافيًا بين ( فلسطينيين شرقي الخط الأخضر وفلسطينيين غربي الخط الأخضر ) أي خط الحدود بين إسرائيل والأردن حتى حزيران 1967 وهو التقسيم الذي أقام فوارق عديدة في السلوك السياسي حيث كانت المشاريع السياسية للفلسطينيين في إسرائيل تعتبرهم ( إسرائيليون في المواطنة وفلسطينيون في القومية ) ومن العدل ان نقول إن نضالات الوسط العربي قبل الخروج الى الشارع تحصلت ضمن القانون الإسرائيلي والعبته السياسية الاسرائيلية المعقدة لا سيما في التمثيل البرلماني المتكرر والمؤثر

وخلافا لكل التوقعات فقد نشأ وضع يرى فيه الجيل الجديد كل فلسطين وليس جزءًا منها ووقد تأكد له جليا ان ما ( يجري على الارض هو احتلال ونظام فصل عنصري واحد من البحر إلى النهر ) وهذا يعني لديهم أن لا فرق بين ما يحدث في الضفة وبين ما يحدث في الساحل الفلسطيني ( السلطة واحدة والقمع واحد والمنظومة واحدة والعدو واحد ) مما يستدعي تجاوز حالة الانقسام التشرذم الداخلي والرفض القاطع للتقسيم الطائفي والتعاقد على رفع العلم فلسطيني فقط في جميع النشاطات واستمرار الدفاع عن حق الحياة المدنية والديمقراطية والكرامة الإنسانية الجماعيّة

وضرورة التوجه نحو محور النضال والخطاب السياسي المنظم برفض الحصار والعدوان في غزة والقهر في حيفا وجنين والخليل والنقب والجليل باعتبارها امتداد لسياسة رفض نظام المستعمِرين الذين لن يستطيعوا بعد الآن تقسيم الوعي الفلسطيني جغرافيًا والسيطرة عليه كما يجب التحذير من عدم الوقوع في ( فخّ ثقافة الحاجة أو إغراء الخلاص الفردي فيما يسمى زورا جنة إسرائيل ) وخاصة بعد سن قانون القومية عام 2018 قرر والذي يعتبر حقّ تقرير المصير في أرض إسرائيل هو حصريًّا للشعب اليهودي من خلال رسم ( البيت القومي لليهود ) وتثبيت خيار الدولة الواحدة مع ضمان أكثرية مُطلقة لليهود بداخلها

اذا بكل وعي وارداه أدرك هذا الجيل الفلسطيني الشاب أن مسألة التحرير والتحرر لا يمكن أن تقع على عاتق ابناء الشعب الفلسطيني في المناطق الخاضعة للاحتلال فقط بل هم ايضا كعرب وفلسطينيون ملزمون بالمشاركة في النضال وأن عليهم أن يتحملوا قسطهم من المسؤولية والثمن لأجل التحرّر لها والخلاص من الاحتلال وظلمه وهم يتذكرون الان بفخر بان المواجهات مع السلطات الإسرائيلية بسبب الهبة على خلفية اقتحام الاحتلال للأقصى واندلاع الانتفاضة الثانية أوقعت بينهم 13 شهيداً ومئات الإصابات

الجيل الشاب في كثير من مواقع التماس يقود معركة حماية الأحياء والناس والممتلكات من اعتداءات قطعان المستوطنين وفي سبيل ذلك لا يتردد في مواجهة الشرطة المدجّجة والمليشيات العنصرية الداعمة لها

وبهمة عالية وحماس شديد سارع ابناء عرب الداخل للمشاركة في الإضراب العام الذي دعت إليه ( لجنة المتابعة العربية ) وراء الخط الأخضر يوم الثلاثاء الماضي 18 أيار الجاري تماما كما شاركوا من قبل في الإضراب العام الذي دعت إليه اللجنة نفسها استنكاراً لقيام الكنسيت في تموز عام 2018 بإقرار ( قانون القومية اليهودية ) الذي اعتبر فلسطين التاريخية وطناً للشعب اليهودي وهذا يعني تعبيراً جديداً عن وحدة الشعب الفلسطيني والتفافه حول هويته الوطنية الجامعة

كما يؤكد في نفس الوقت على تجاوز مقررات اتفاق أوسلو المهين الذي جعل مهمات النضال داخل الضفة الغربية وقطاع غزة مختلفة عن مهمات نضال فلسطينيي الشتات من أجل العودة وعن نضال فلسطينيي مناطق 1948 من أجل الاعتراف بهم بصفتهم أقلية قومية في وطنهم ومساواتهم القومية بحيث صار كل تجمع من هذه التجمعات يواجه صعوبة في الربط بين نضاله من أجل مهماته الخاصة ونضاله من أجل مهماته الوطنية العامة

هذا التطور اللافت في التلاحم والمشاركة بين ابناء الشعب الفلسطيني الواحد في أماكن وجودهم كافة في الوطن والشتات والذي عزز وحدة الشعب الفلسطيني في الميدان وما يتطلب معه ضرورة استثمار الظرف والمرحلة والحماسة الجياشة لدى ابناء الداخل الفلسطيني بالعمل على احتوائهم والتواصل معهم وشحذ هممهم فضلا عن الحاجة العاجلة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاح مؤسساتها وتوسيع طابعها التمثيلي من خلال تشكيل إطار تنسيقي جامع يكون رديفاً لمنظمة التحرير الفلسطينية يمكن ممثلين عن مكونات الشعب من التشاور في الهم الوطني الفلسطيني والتنسيق فيما بينهم ويسمح بصورة خاصة لممثلي الفلسطينيين وراء الخط الأخضر غير الممثلين في هيئات منظمة التحرير الفلسطينية بالمشاركة فيه مع مراعاة خصوصية واقعهم وتأثيرهم وضرورة استعادتهم الى حضن القضية والامة لانهم وتوجيههم ليبقوا الخنجر المسموم في خاصرة العدو والكابوس المرعب لأحلامه وتطلعاته
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.