متلازمة هافانا المرض الدبلوماسي الغامض !


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم  / مهدي مبارك عبد الله

جملة من الحوادث الصحية غير الطبيعية ذات الاثار الخطيرة والتي قد تلحق تلف بالدماغ عانى منها عدة دبلوماسيين أمريكيين في معظم أنحاء العالم حيث ظهرت عليهم عوارض الإصابة التي اكتشفت للمرة الأولى بالسفارة الأميركية في العاصمة الكوبية هافانا أواخر عام 2016 بعدما سمع دبلوماسيون أمريكيون فجأة أصوات حادة جداً وبدأوا يعانون صداع شديد ودوار أو غثيان وقد أصبح المرض فيما بعد مزمن ومنهك للبعض ولكن ليس للجميع

في حينها تم تأكيد إصابة أكثر من 20 عاملا أميركيا خدموا في كوبا وعدد أقل من الكنديين كما تم توثيق إصابة موظف حكومي أميركي في الصين في عام 2018 حيث ظهرت عليه أعراض مماثلة وقد نفت كوبا بإصرار وباستمرار أي علم أو تورط لها في هذه الحوادث

منذ ذلك الوقت سجلت حالات من هذا النوع في الصين وألمانيا وأستراليا وروسيا والنمسا وفرنسا ودول أخرى وحتى في واشنطن وفي التفسير للظاهرة قالت بعض المصادر الأمريكية الصحية والأمنية إنها ناجمة عن هجمات صوتية غامضة والمعروفة بطاقة التردد اللاسلكي النبضي حيث يتم توجيهها عن قصد بواسطة سلاح يطلق موجات راديوية خاصة

معظم المتضررين اشتكوا علناً في الماضي من الشعور بالإجهاد والتعب لكن معاناتهم لم تؤخذ على محمل الجد في المقابل دعا وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لاحقا كل دبلوماسي معني لكشف وضعه من دون خوف من اي انتقادات أو تداعيات سلبية وفي لغة رفع المعنويات أضاف كلنا عازمون بالاعتماد على قدرات أجهزتنا المخابراتية وتوظيف أفضل العقول العلمية داخل الإدارة وخارجها لكشف أسباب هذه الحوادث ومرتكبيها ورعاية المتضررين وحماية زملائنا

بعض الدبلوماسيين الامريكيين ادخلوا على الفور الى مستشفى جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور قرب واشنطن وجرت رعايتهم واخضعوا الى فحوصات عصبية وسمعية وطب العيون قبل مغادرتهم للعمل في الخارج ليكون لديهم أساس للمقارنة إذا أبلغوا لاحقاً عن حادث صحي غير طبيعي ومماثل

دعونا أولا نتعرف إلى أعراض متلازمة هافانا والتي وثقها تقرير صادر عن الأكاديميات الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة تحت عنوان ( تقييم المرض لدى موظفي الحكومة الأميركية وعائلاتهم في السفارات بالخارج ) منها الشعور بشكل مفاجئ بضوضاء عالية وألم في إحدى الأذنين أو كلتيهما أو عبر منطقة واسعة من الرأس وفي بعض الحالات الإحساس بالضغط والاهتزاز في الرأس والدوخة التي يتبعها في بعض الحالات طنين وفقدان السمع

إضافة الى اضطرابات بصرية وصعوبات ظاهرة في الإدراك والمشي غير المستقر وكذلك الأرق والصداع وفقدان الذاكر وما لحظه معظم المصابون إن الأعراض المعتادة تتوقف عند انتقالهم من غرفة لأخرى لكنها تعود ثانية برجوعهم لمكانهم الذي رصدوا فيه الأعراض لأول مرة

خلال الفترة الواقعة بين عامي 2016 و2017 ظهر فجأة على بعض الدبلوماسيين والموظفين الأمريكيين بالإضافة الى 14 موظف على الأقل في السفارة الكندية في كوبا مثل هذه الاعراض وفي أكثر من دولة أخرى أصيب عاملون دبلوماسيون بأعراض مشابهةفي البداية اتهم مسؤولون أميركيون الحكومة الكوبية بتنفيذ اعتداءات صوتية على مواطنيها

إلا أن هافانا أنكرت ذلك سيما وان المتلازمة لم تكن مرتبطة فقط بالسفارة الأميركية في كوبا ثم وجهت بعد ذلك واشنطن وبشكل غير رسمي اتهامها لموسكو بانها تقف وراء الحادث من خلال شن عدة هجمات متعمدة على دبلوماسيين وضباط وكالة المخابرات المركزية في الخارج خاصة في أوروبا وآسيا رغم عدم وجود معلومات استخباراتية قاطعة في هذا الاتجاه

التقديرات الإحصائية الامريكية تشير الى ان اعداد المصابين تجاوز الـ 200 موظف وهناك أكثر من 130 تقريرا عن أشخاص أصيبوا في جميع أنحاء العالم على مدار السنوات الخمس الماضية وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز وهي في تصاعد مستمر وبأعراض وعلامات مماثلة ودرجات متفاوتة ولا يزال العديد من هؤلاء الموظفين يعانون من هذه المشاكل الصحية وغيرها

في ذات السياق توصلت دراسة نشرت عام 2019 في مجلة جاما العلمية إلى أن 40 شخصا من المحتمل أن يكونوا قد أصيبوا بمتلازمة هافانا وأعراضها العصبية حيث أصبح لديهم اختلافات واضحة في بنية الدماغ وان حجم المادة البيضاء في الدماغ أصغر بكثير مقارنة بغيرهم علما أن هذه المادة هي المسؤولة عن سرعة نقل الإشارات العصبية الكهربائية في الدماغ

وكالة المخابرات المركزية الامريكية كانت على علم بكافة التقارير عن الهجمات وقد حققت في اسباب هذا المرض الغامض في عامي 2019 و2020 ومن خلال استخدامها بيانات موقع الهاتف المحمول حددت بعض عملاء المخابرات الروسية الذين عملوا في برامج أسلحة ( الميكروويف ) حيث كانوا موجودين في المدن نفسها وفي الوقت ذاته الذي عانى فيه ضباط وكالة المخابرات المركزية من أعراض غامضة وقد اعتبروا أن هذا يشكل دليل وقرينة ولكنه ليس قاطع وثابت

حتى اليوم لم يؤكد المعنيون بان سبب مرض متلازمة هافانا يعود إلى تلك الطاقة الراديوية أو جهاز الميكروويف وليس من الواضح تماما ما الذي يسببه وهنالك اعتقاد واسع بإن المتلازمة ناجمة على الأرجح عن سلاح موجه ولا يزال العلماء والباحثون يتتبعون أسباب هذه المتلازمة ولا بد من إجراء المزيد من الفحوصات والدراسات في ظل وجود تقارير ومعلومات امنية أمريكية وغربية تشير بان الاتحاد السوفيتي سابقا أجري منذ أكثر من 50 عام أبحاث ودراسات وتجارب حول تأثير طاقة تردد الراديو النبضي الموجهة على الانسان وتحديدا منطقة الدماغ

العلماء المتخصصون في هذا المجال يؤكدون وبشكل واضح بأن إرسال طاقة ترددات الراديو للدماغ والأذن من شأنه أن يغيّر من وظيفتهما الا انه يصعب حتى اللحظة رصد ومعرفة نمط الإصابة من خلال تعرض الأشخاص لهذه الترددات فقط وأن غالبية الاصابات تفسر بحالات طبية طارئة لأمراض غير مشخصة أو عوامل بيئية وفنية فيما هناك عشرات الحالات لا زالت دون تفسير منطقي

أخيرا ستبقى درجة القلق والخطورة عالية مما قد تشكله متلازمة هافانا في المستقبل على الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي نفسه طالما لم تكتشف بعد الأسباب الحقيقية وراء هذا المرض الغامض الذي أصاب العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين حول العالم وبات قضية معقدة جدا ولها تفسيرات مختلفةmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.