محمد الضيف القائد الذي تُرى أفعالهُ ولا يُعرفُ شكلهُ


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

كانه الأمس في زخم حضوره الرمزي ومغزاه المعنوي والواقعي وهو يلامس الذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية شموخا وفخرا عاصفين وزهوا واقتدارا صارخين حين كانت بشائر العدة والتحدي تلوح نصرا وظفرا في افق يوم الأربعاء 5 أيار 2021 والذي اعتبر يوما بطوليا واستثنائيا في ربوع فلسطين وفضاءات العروبة الحرة حين أطل القائد ( محمد الضيف ) رجل الظل الحمساوي وقائد هيئة أركان كتائب القشام التي اذلت المعتدين وكسرت حراب المتأمرين

الضيف هو العقل المدبر لتطور سلاح المقاومة وعملياتها العسكرية بخطابه الشهير الموجهٍ إلى إسرائيل تهديدا ووعيدا بأنه اذا إن لم يتوقف عدوانها على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال فإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا ليضع بذلك البيان الفصيح والجريء والمتميز الكرة في ملعب إسرائيل لتكون هي المسؤولة اولا واخير عن التصعيد ونتائجه وما سيصيبها وشعبها

وكما هو ديدن وحال الرجال الابطال الشجعان القادرين ثقة وقوة وبسالة طبق الضيف تهديداته حرفيا في 12 أيار 2021 بقصف عنيف ومركز دشنته كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس بمشاركة فصائل المقاومة الأخرى لتبدأ جولة جديدة من الحرب والمواجهة أظهرت فيها الكتائب بقيادة الضيف تطورات عسكرية جديدة من الصواريخ المصنعة محليًا القادرة على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية ( القبة الحديدية ) اضافة الى اسراب المسيرات بدون طيار والغواصات الموجهة والتي لم توظَّف في الجولات السابقة من الحروب

كل ذلك وغيره الكثير جعل التركيز ينصب على القائد الالمعي محمد الضيف الذي قلب موازين القِوَى وقواعد الاشتباك و ومعادلة المعركة الأخيرة ( سيف القدس ) ببراعة وتكتيك مكنه من التفوق النوعي وهو ما اجبر المجتمع الدولي على الالتفات والاهتمام من جديد لقضية فلسطين المغتصبة وشعبها المحتل والتي اصبحت حديث الساعة بالصوت والصورة

من اطرف المفارقات خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة انه ذات يوم علت أصوات الزغاريد داخل مدرسة كانت تؤوي عدد من أهل القطاع المحاصر ليتبين بعدها ان نلك الفرحة العظيمة لم تكن زغاريد للنصر الذي حققته الفصائل الفلسطينية على الجيش الإسرائيلي وإجباره على وقف اطلاق النار ولكن الحدث كان بسبب ولادة طفل جديد قررت عائلته أن تسميه بمحمد الضيف تيمننا برجل بطل رفع رأس عائلته واهله والمقاومة ووهب نفسه لفلسطين ونحن على دربه نسير كما قال والد الطفل المولود بكل فرح وسرور

ولد محمد الضيف عام 1965 لأسرة فلسطينية لجأت عام 1948 من بلدة القبيبة في قضاء عسقلان واسمه الكامل هو ( محمد دياب إبراهيم المصري ) وشهرته هي ( محمد الضيف ) ويقال بإن هذا اللقب جاء لكثرة تنقله خلال مطاردته في التسعينيات ونزوله ضيفًا في بيوت الناس والاحتماءً من قوات الاحتلال وقد استقرت أسرته في مخيم خان يونس جَنوب قطاع غزة

منذ تسعينيات القرن الماضي تطارده إسرائيل بلا نتيجةٍ وتحاول تشويه صورته بألقاب عديدة مثل ( رأس الأفعى ) و( ابن الموت ) بدأ الضيف عمله العسكري بعد التحاقه بالنشاط الطلابي الإسلامي في الجامعة الإسلامية في غزة ثم انتقل من العمل الطلابي إلى العمل في أولى المجموعات العسكرية التي شكلتها حركة حماس وقد كان يتنقل بين غزة والضفة المحتلة خلال الانتفاضة الأولى لتشكيل مجموعات عسكرية بأمر من القائد الأول لكتائب القسام آنذاك الشيخ صلاح شحادة قبل ان يتمكن الاحتلال من اغتياله عام 2002

وقد برزَ نشاط الضيف من جديد في كتائب القسام عام 1993 بعد اغتيال المقاوم عماد عقل عام 1996 بقيادته عمليات الثأر المقدس انتقاما لاغتيال القائد القسامي يحيى عياش والتي أوقعت أكثر من 50 قتيلًا إسرائيليًا في حينه

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تحاول إسرائيل جاهدة اغتياله وهو لا زال على راس قائمة المطلوبين من ثلاثة عقود ولكنه بحسه الأمني الفطري وذكائه في التخفي والمناورة أصبح الرَقْم الصعب الذي فشلت أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية باقتناصه والغريب انه لا يوجد له اي صورة حديثة ولا يعرف الا بصورة واحدة قديمة عندما اعتقلته إسرائيل عام 1989 مع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس حيث قضى حينها 16 شهرًا في سجون الاحتلال موقوفا اداريا من دون محاكمة بتهمة الانتماء والعمل في الجهاز العسكري لحركة حماس

في عام 2000 وبسبب خطورته اعتقلته السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع إسرائيل مقابل أن تعطي الأخيرة للأولى سيطرةً أمنية على ثلاث قرى في القدس ولكنه رغم ذلك نجح في الهروب من المعتقل مع اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول من العام نفسه

وبسبب الدور المركزي الذي لعبه الضيف في تطوير قدرات كتائب القسام العسكرية تعرض لأكثر من ثماني محاولات اغتيال في الاعوام2001 و2002 و2003 و2006 وفي عام2014 كانت هنالك محاولتين فاشلتين والاخيرة كانت في أيار 2021 اثناء العدوان على غزة بعدما ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه تمكن من اغتياله ليخرج عليهم بصوته ويقض فرائصهم
ك
انت محاولة اغتياله في عدوان عام 2014 الأكثر دموية حيث قتل الاحتلال الإسرائيلي في تلك المحاولة زوجته وداد وأحد أبنائه في غارة جوية استهدفت منزلًا من ثلاثة طوابق بضربة بستة صواريخ من طائرة إف-16 سوت المنزل بالأرض واثناء المحاولات المستمرة لاغتياله فقدَ الضيف عينه و احدى يديه وأصيب بأضرار عصبية من الشظايا وتضرر سمعه وأصيب بالعرج

ورغم كل ذلك اطل الضيف من جديد عام 2014 وبقوة وعزيمة حيرت العدو وفي الأيام سبقت معركة سيف القدس ظهر في تسجيل اعلامي نادر وبتصريحات نارية في بيان اسماه بـ ( التحذير الأخير ) يهددً فيه إسرائيل بالتدخل العسكري عقب اقتحامها الأقصى ومحاولاتها التهجير القسري لأهالي حي الشيخ جراح في القدس والذي بعده انهالت الصواريخ على مدن اسرائيلية مختلفة وجديدة لم تصل إليها من قبل وهو ما اثار الروح الحماسية والثورية لدى الجماهير المنتفضة في كل فلسطين وهي تردد شعار ( احنا رجال محمد ضيف ) والذي اصبح بعدها وسما عالميا

منذ تولي الضيف قيادة الجناح العسكري لحماس بات واضحا بشكل ملموس أن هناك تطورا على تركيبة كتائب القسام في الجانب العسكري والامني والاستخباري وتقدم كبير للمنظومة الصاروخية وتجديث وحدة الضفادع البشرية والغواصات البحرية فضلا عن اطلاق مشروع الطائرات المسيرة وبناء شبكات أنفاق يمكن من خلالها لمقاتلين مدربين تدريبا عاليًا التسلل إلى إسرائيل وحتى على المستوى الإعلامي كان الملثم أبو عبيدة الناطق الرسمي لحماس يترجم بشكل دقيق الرسائل الصادمة والتوجيها ت الحاسمة للقائد الضيف ضمن جولات الحرب النفسية المتوالية التي شنتها المقاومة وتمكنت من خلالها من تحقيق الرعب داخل المجتمع الاسرائيلي ولدى عناصر الجيش

وفضل تلك العناية والرعاية اصبحت كتائب القسام أشبه بجيش بكل معنى الكلمة بعدما كان هناك في السابق جناح عسكري بسيط أصبح اليوم في الواقع العملي ( قيادة هيئة الأركان ) على غرار تركيبة الجيوش النظامية التقليدية وهو ما قلب المعادلة في المعركة الأخيرة وغير قواعد الاشتباك لصالح المقاومة وبشكل اذهل قيادات العدو الاسرائيلي

القائد الضيف تمرس في العمل الميداني والعسكري منذ تشكيل كتائب القسام وعايش وعاشر المؤسسين للحركة ولهذا وبكل جدارة واستحقاق تحول إلى أسطورة للمقاومة والتحدي بطبعه الشخصي وطابعه التنظيمي الذي اثر في القسام واثرى مسيرتها حيث سمحت له مكانته القيادية المحنكة والرصينة من ضبط الهياكل الادارية وتنظيم الوحدات العسكرية وربطها مرجعية واحدة ومقبولة ومنضبطة

وقد برع الضيف بشكل كبير ولافت في عمليات التخفي الشخصي والتمويه والتضليل على كافة اجهزة العدو الامنية ولربما هذا ما ساعده على إخفاء الجندي الإسرائيلي ( جلعاد شاليط ) بعد اسره عام 2006 في القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلًا مربعًا ومكتظٍّ بأقل من مليوني نسمةٍ آنذاك والذي تحاصره اسرائيل من كل جانب برا وبحرا وجوا

يحظى محمد الضيف بأعجاب كبير وحضور مميز وواسع على طول الساحة الفلسطينية في الداخل وفي الشتات وهذا ما جعل بعض الفلسطينيين يطرحون تساؤلات فيما إذا كان الضيف في المستقبل سيقود ( العمل السياسي لحركة حماس ) خاصةً بعد تحوله رغم تخفيه لوجهٍ عالمي ووطني لقيادة المقاومة وتطويرها وصمودها وانتصاراتها المختلفة

في هذا التوقع الافتراضي يتعارض راي بعض المحللين السياسيين مع الجماهير الفلسطينية المتحمسة من حيث عدم وجود ( طموح شخصي ) لدى الضيف بالتحول إلى الجناح السياسي في الحركة اوتولي ادارته وهو في نفسه يريد فقط الحفاظ على مركزه كقائد عسكري لأركان كتائب القسام سيما وان عقيدته الفكرية والايدولوجية جهادية بالكامل ترى أن المقاومة المسلحة هي وحدها الحل للقضية وليس الحلول السياسية والمراوغات التفاوضية التي لم تحفظ حقوق الفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو ولم تفضي إلى نتيجة تذكر حتى اللحظة ومن هنا فان مسيرة الضيف التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود في المقاومة والمواجهات ستظل عسكرية بحتة دون أي غاية او منازع

عندما سئل آفي ديختر قائد جهاز الشاباك السابق في غزة عن قدرات ومهارات الضيف قال انه كان دائما ( هدف يتمتع بقدرة بقاء غير عادية ويحيط به الغموض ولديه حرص شديد بالابتعاد عن الأنظار وفي كل مرة كان ينجو فيها من الاغتيال تزداد مكانته وقداسته وهو موضع إجماع من فصائل المقاومة كافة )

حفظ الله القائد الفذ محمد الضيف وامثاله من كل شر ضر وشر الذين كانوا دائما وسيبقون أبدا الابطال في مقاومتهم لا يعرضون سلاحهم للبيع لأنه يمثل عنوان شرفهم وكرامة شعبهم وان الحياة عندهم ليست مفاوضات بل هي جهاد وتضحيات وهذا ما نسيته اسرائيل وحلفاؤها العرب

اخيرا … وللمرة المليون نقول ان كل ما يملكه هؤلاء الرجال ( الضيف ورفاقه وباقي عناصر فصائل المقاومة الفلسطينية ) هو العزيمة والارادة والايمان بعدالة قضيتهم ورفض كل انواع الابتزاز والمساومة على حقوقهم في تحرير فلسطين كاملة من البحر الى النهر وعدم التنازل عن اي شبر من ترابها المقدس بوركت سواعدكم الابية وحفظكم الله بعين رعايته وايدكم بنصره ولا نامت أعين الخونة والمتخاذلين الجبناء

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.