محمية ضانا من منظور حقوقي


د.نهلا عبدالقادر المومني

 

أثار قرار مجلس الوزراء الصادر مؤخرًا بتكليف وزارة البيئة بتعديل حدود محمية ضانا للمحيط الحيوي، لغايات التنقيب عن النحاس مع إعطاء الموضوع صفة الاستعجال والأهمية جدلًا حقوقيًا ومجتمعيًا وبيئيًا في الأوساط الأردنية، في الوقت الذي رفضت فيه الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المساس او التعديل على حدود المحمية أو القيام بأية دراسات تنقيب خاصة في المنطقة الشرقية الجنوبية من المحمية لاعتبارات عدة أهمها أنّها تضم أفضل بيئات شجر العرعر والبلوط ولما تحتويه من تنوع فريد من الحيوانات والطيور.
محمية ضانا التي أدرج أسمها ضمن محميات الإنسان والمحيط الحيوي الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) لتمسي من أهم المواقع الطبيعية على المستوى الإقليمي والدولي، تطرح اليوم قضيةً الحق في البيئة كأحد الحقوق اللصيقة بالإنسان، وتعيد للذاكرة في الوقت ذاته مشاهد ووقائع مماثلة من انتهاكات مستمرة لهذا القطاع تطل علينا بين حين وآخر بأشكال ومسميات مختلفة، إلا ان العنوان والهم المشترك واحد، فالبيئة بمكوناتها وعناصرها أصبحت على المحك.
تطرح قضية محمية ضانا بتداعياتها وحيثياتها والمشهد العام الذي تأتي في اطاره جملةً من القضايا الحقوقية والقانونية، أقف عند ثلاثة منها في هذا السياق:
أولًا: كشفت قضية محمية ضانا عن اشكالية مستمرة تتعلق بتوفير المعلومات المتعلقة بالبيئة بصورة انسيابية وشفافة ومدى توفر معلومات دقيقة وواضحة وشاملة حول الأثر البيئي لأية إجراءات تتخذ؛ هذه المعلومات التي تمكن الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالبيئة وتعزيز الحق في الوصول الى مايسمى بالعدالة البيئية، وما ينتج عن ذلك من زيادة قدرة الأفراد على ممارسة الرقابة الشعبية عن أية تجاوزات تطال حقهم في البيئة ومحاسبة من يرتكب هذه التجاوزات .
في مقال سابق تم نشره في صحيفة الغد الأردنية أشرت إلى أنّه في ظل تجاوزات كثيرة طالت مؤخرا الحق في البيئة في الأردن ما زالت المعلومات البيئية حاضرة بصورة روايات متضاربة في كثير من الأحيان أو معلومات تفتقد للشمولية والإلمام بكافة العناصر ذات العلاقة بصورة تفي بحق الجمهور في المعرفة وتمكنهم في الوقت ذاته من تشكيل المواقف والآراء المتعلقة بتجاوزٍ او انتهاكٍ للحق في بيئة سليمة، وما زالت المعلومات ذاتها غائبة عن الارتقاء عن بلوغ المعايير الدولية لحقوق الإنسان في هذا الصدد وغائبة عن بلوغ الافراد والجهات المعنية حد الإرتواء من الحقيقة الكاملة التي تمكنهم من ممارسة الرقابة الفعلية ، فأمست المعلومات المتعلقة بالتجاوزات على البيئة حاضرةٌ وغائبة في الوقت ذاته.
تنطبق هذه المعطيات اليوم على محمية ضانا والتي افتقدت لعملية افصاح استباقي توضح للافراد ماهية ما يجري على أرض الواقع في قضية من أهم واعمق القضايا ذات العلاقة بالشأن العام والتي سيمتد تأثيرها لأجيال قادمة.
ثانيًا: تفرض الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة في مجال حقوق الإنسان عموما بما في ذلك الإتفاقيات الخاصة بالقانون الدولي البيئي عدة مستويات من الإلتزامات؛ إبتداء بالإحترام والإعتراف والمتمثل في اتخاذ الدولة ما يكفل من إجراءات تشريعية لغايات احترام وكفالة الحقوق، ومرورًا بالإلتزام الثاني والمتمثل في حماية هذه الحقوق من أية انتهاكات تتم من قبل سلطات الدولة أو من قبل أي طرف ثالث، وانتهاءً بالمستوى الثالث والمتمثل في التمكين وهو التزام ينطوي على زيادة قدرة الأفراد على التمتع بالحقوق وحمايتها.
في ظل هذه المقاربة فإن الأردن ملزم بمراعاة هذه الإلتزامات انطلاقًا من الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها في مجال حقوق الإنسان بشكل عام وبصورة خاصة تلك ذات العلاقة بالقانون البيئي وفي مقدمتها الإتفاقية الدولية للتنوع الحيوي واتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الصادرة عن منظمة اليونسكو وغيرها الكثير.
ثالثًا: لا بدّ من قراءة المشهد في محمية ضانا في اطار أهداف التنمية المستدامة 2030 وبصورة خاصة الهدف الخامس عشر الذي أكد على حماية النظم الأيكولوجية وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، ووقف فقدان التنوع البيولوجي وإيلاء مزيد من الحماية للحياة البرية المهددة بالإنقراض. هذه الأهداف التي لا بدّ ان تسعى الدول جاهدة لإعمالها على أرض الواقع، واضعةً نصب عينها المقاصد والغايات من وراء هذه الأهداف التي يلعب العمل عليها وصيانتها دورًا مفصليًا في النهوض بالمجتمعات نحو استدامة التغيير نحو الأفضل.
أسئلةُ كثيرة لا بدّ وأنّ تكون حاضرةً عند الحديث عن ضانا،،،ما هي الخسارة التي سنتكبدها جميعا إن لم نحافظ على هذه المحمية الآن؟ وإلى ايّ مدى يمكن تطبيق فكرة الموازنة بين حماية الطبيعة والإستثمار وهل يوازي هذا الاستثمار القيمة الحيوية والبيئة والإنسانية لمحمية ضانا؟؟ هل يمكن تعويض ما سيتم اقتطاعه وما هي الأضرار التي ستلحق بالأجيال القادمة إن حدث؟
ضانا بتنوعها وفرادتها وبوصفها جزءًا من الهوية الوطنية الأردنية تلقي اليوم على الأطراف جميعًا مسؤولية قضية هي ملك للأجيال القادمة والمساس بها يعني بالضرورة أنّهم سيأتون إلى هذا العالم بحقوق بيئية تمّ الإنتقاص منها.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.