مخاطر التكنولوجيا الناشئة وتأثيرها على الأداء المالي لشركات التأمين الأردنية.

أ.د. عمر خليف غرايبة
=
شهدت شركات التأمين في الأردن خلال السنوات الأخيرة تحولات رقمية متسارعة نتيجة تبني تقنيات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وسلاسل الكتل، الأمر الذي ساهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقديم خدمات مبتكرة، غير أن هذا التقدم الرقمي صاحبه ارتفاع في حجم المخاطر التقنية التي تواجه هذه الشركات، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى تأثير هذه المخاطر على الأداء المالي لشركات التأمين الأردنية المدرجة في بورصة عمان.
وفي هذا السياق، أعددتُ دراسة علمية حديثة بعنوان “أثر مخاطر التكنولوجيا الناشئة على الأداء المالي لشركات التأمين الأردنية” لتسليط الضوء على هذا التحدي، حيث امتدت للفترة من عام 2008 إلى 2022، قمت بقياس أثر مخاطر التكنولوجيا الناشئة من خلال أربعة مؤشرات فرعية لمؤشر الحكومة الإلكترونية، وهي: الخدمات الإلكترونية، والبنية التحتية للاتصالات، ورأس المال البشري، بالإضافة إلى مؤشر مستقل يمثل مستوى الأمن السيبراني في البنوك التجارية الأردنية، وقد استخدمت العائد على الأصول (ROA) والعائد على حقوق الملكية (ROE) كمقياسين للأداء المالي.
كشفت النتائج عن أن مخاطر مؤشر الخدمات الإلكترونية تمثل التهديد الأكبر على الأداء المالي لشركات التأمين، حيث ظهر أن التقلبات في هذا المؤشر تؤدي إلى تراجع في العائد على الأصول، ما يعكس وجود تحديات في استقرار هذه الخدمات وتأثيرها المباشر على جودة تقديم خدمات التأمين. من جهة أخرى، أظهرت الدراسة أن مؤشر رأس المال البشري له تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية، ما يشير إلى أهمية تطوير المهارات الرقمية للكوادر البشرية في دعم الأداء المالي.
وبينت النتائج كذلك أن مؤشر الأمن السيبراني، رغم أنه لم يظهر تأثيراً ذا دلالة إحصائية قوية، إلا أن ارتفاع التباين بين البنوك التجارية من حيث وجود أقسام مخصصة للأمن السيبراني يدل على تفاوت في درجة الجاهزية لمواجهة التهديدات الرقمية، ما يفتح المجال أمام شركات التأمين لتطوير منتجات تغطي هذه المخاطر بشكل أكثر تخصصًا.
أهمية هذه الدراسة لا تكمن فقط في حداثة الموضوع، بل أيضاً في منهجيتها الجديدة، إذ اعتمدت على استخدام الانحراف المعياري كمقياس كمي للمخاطر، وهو ما يمثل ابتكارًا في قياس التذبذب وعدم الاستقرار في مؤشرات الحكومة الإلكترونية، كما قامت ببناء مؤشر جديد لقياس الأمن السيبراني في البنوك الأردنية من خلال مراجعة تقاريرها السنوية.
توصي الدراسة بضرورة تحسين استقرار الخدمات الإلكترونية وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، إلى جانب بناء شراكات بين شركات التأمين والبنوك لتعزيز قدرات الحماية السيبرانية، بما يسهم في تقليل المخاطر المحتملة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للعملاء.
في ظل تسارع التحول الرقمي، بات من الضروري أن تعيد شركات التأمين الأردنية النظر في استراتيجياتها التقنية والإدارية لتواكب التحديات الرقمية الحديثة، فالمنافسة لم تعد محصورة في جودة المنتج التأميني فقط، بل أصبحت تتعلق أيضًا بقدرة الشركة على تأمين منصاتها الرقمية وحماية بيانات عملائها.
خلاصة القول، تمثل هذه الدراسة دعوة للجهات الرقابية وشركات التأمين لمراجعة جاهزيتها الرقمية في ضوء المخاطر المتنامية للتكنولوجيا الناشئة، ووضع استراتيجيات توازن بين الابتكار والحماية.