معاني ودلالات أسماء جغرافية لاشجار لها رمرية خاصة في تاريخ خربة الوهادنة

الباحث محمود حسين الشريدة
المقدمة :
“تدل هذه التسميات الشعبية على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والمكان، فهي ليست مجرد أسماء، بل تحمل في طيّاتها قصصًا عن الحصاد، والرعي، والماء، والبركة، وتُعبّر عن ذاكرة جماعية متجذّرة تعكس قيم الناس وممارساتهم اليومية.
تُعد الأسماء الجغرافية لمواقع خربة الوهادنة مرآة صادقة لذاكرة المكان، إذ تكشف عن خصائصه الطبيعية والاجتماعية، وتوثّق جوانب من الحياة اليومية لسكانه عبر الأجيال.
تُظهر هذه الأسماء مدى ارتباط سكان خربة الوهادنة ببيئتهم المحلية وتاريخهم الشفهي، حيث ظلّت الأسماء محفوظة تتناقلها الألسن، رغم تغيّر الأزمنة. وهي تمثل مصدرًا غنيًا لدراسة الجغرافيا الثقافية والاجتماعية في جبال عجلون وجوارها.
تتوزع في منطقة خربة الوهادنة ومحيطها، مجموعة من المواقع والأراضي الزراعية التي تحمل أسماء محلية متوارثة، يعكس كل منها خصائص طبيعية أو بشرية أو دلالات تاريخية :
فيما يلي بيان معنى ودلالة بعض من هذه الأسماء:
- شجرة أم الشرايط:
التحليل اللغوي:
“أم” هنا تدل على التخصيص والتسمية المحلية، و”الشرايط” جمع “شريطة”، وقد تدل على شرائط القماش (ربما كانت النساء يربطنها على الشجرة لطلب البركة)، أو قد ترمز إلى علامات أو حدود بين الأراضي.
الدلالة: من المؤكد أن هذه شجرة كبيرة معمّرة “شجرة ملول”، أصبحت مكاناً مميزاً، وربما ارتبطت بعادة شعبية (مثل التبرك أو تعليق الشرائط) .
الرواية الشعبية:كثيرًا ما ارتبطت بعض الأشجار المعمّرة في جبال عجلون بمظاهر التبرّك الشعبي، خاصة إذا كانت بالقرب من مقام أو عين ماء.”الشرايط” هنا قد تشير إلى شرائط من القماش كانت النساء أو المرضى يربطونها في أغصان الشجرة، طلبًا للشفاء أو الزواج أو الإنجاب.
موقعها : شمال خربة الوهادنة حوالي (3) كلم ، على الطريق الواصل مع قرية الهاشمية “فارا” سابقا .
- شجرة أبو عبيدة
التحليل اللغوي:
مثل “شجرة أم الشرايط”، أما “أبو عبيدة” فقد تشير إلى الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح،رضي الله عنه ، أو إلى شخص محلي سُمّيت الشجرة نسبة له.
الدلالة: شجرة ذات مكانة رمزية أو شعبية، وربما ارتبطت بسير دينية أو شعبية.
الرواية الشعبية : تقول الروايات الشعبية أن سيدنا أبو عبيدة (رضي الله عنه) استظل بظلها للاستشفاء فترة من الزمن ، عندما أصيب بطاعون عمواس ، وفيما بعد اخذت هذه الشجرة نوع من الاحترام والتبريك محبتاً بالصحابي الجليل من قبل الناس الذين عاشوا في هذه المنطقة ، وهذه الرمزية لها حفظتها من القطع او التحطيب لوقتنا الحاضر .
3 .شجرة القباه/ البطمة :
المعنى اللغوي:
القَبَاه: لم ترد هذه الكلمة بصيغتها هذه ،في المعاجم الكلاسيكية بشكل صريح، ولكن يحتمل أنها تحريف محلي أو اسم دارج يُطلق على شجرة معينة أو على مكان معين. وربما تكون من الجذر “ق ب أ” الذي لا يحمل دلالة واضحة في هذا السياق، مما يرجح أن “القَبَاه” اسم علم محلي أو اسم مستحدث في الاستعمال الشفهي، أو أن الكلمة خضعت لتبديل صوتي من كلمة أخرى.
البَطْمَة: تصغير “بَطْم”، وهي شجرة معمرة من الفصيلة البطمية (Pistacia palaestina)، تعرف محليًا في الأردن وفلسطين بهذا الاسم، وهي قريبة من شجرة الفستق الحلبي. ذُكرت في المعاجم مثل لسان العرب بمعنى “شجرة يُستخرج منها المَصطَكى أو المُصْطَكاء”، وورد ذكرها عند القزويني وغيره من المصنفين في وصف النبات .
الدلالة المحلية والثقافية:كانت “شجرة البطمة” أو “القباه” تُعد مركزًا اجتماعيًا لأهالي خربة الوهادنة، حيث كانوا يجلسون تحت ظلها “أيام القيظ “، وهو تقليد معروف في الثقافة الريفية الأردنية، حيث تصبح الأشجار المعمرة ملتقىً وظلًا ومصدرًا للأمان والمجالس.
موقع الشجرة في وسط مقبرة قديمة يضفي عليها بعدًا رمزيًا، إذ قد ترتبط في المخيلة الشعبيةبـ”روح المكان”، وتُعتبر شاهدًا على التاريخ والموت والحياة في آنٍ واحد.
دلالات إضافية:الظل في الثقافة العربية يُمثل الراحة، والطمأنينة، والعطاء من غير مقابل، ولذلك فإن اجتماع الناس في ظل الشجرة يجعلها رمزًا للألفة والكرم الطبيعي.
شجرة البطم كانت تستعمل أيضًا لأغراض طبية وزراعية، وقد ارتبطت بكثير من الأساطير والمرويات في بلاد الشام.
4 .شجرة هجيجه / دومة هجيجة / سدرة هجيجة .
المعنى اللغوي:
دُومة أو سِدرة: من أسماء شجرة السدر (النبق)، وهي شجرة معمرة شوكية تنتمي إلى الفصيلة السدرية (Ziziphus spina-christi)، وتُعرف محليًا بـ”النبق” أو “الدوم”، وتتميز بتحملها للحر والجفاف.
هُجيجه: اسم موضع، ربما من الجذر (هـ ج ج)، الذي يرتبط في بعض السياقات بمعاني الحِمى أو الأصوات الخافتة، لكنها هنا غالبًا اسم عَلَم محلي لمكان بعينه، وهي “خربة هجيجه” القديمة.
الدلالة الرمزية والتاريخية:تنمو هذه الشجرة قرب نبع عين هجيجه، ما يمنحها قيمة مزدوجة: دينية – رمزية، وزراعية – حياتية، فالشجر والماء في الموروث الشامي دليل بركة.
وصف الرحّالة الأمريكي سيلاه ميريل لها بـ”الشجرة ذات الأشواك المتوحشة” (The wild thorned tree) يوحي بجلالها وربما بطابعها الأسطوري في نظر الغرباء.
ذكر ميريل أنه خيّم بجوارها وأُعجب بجمال الموقع، وقال عبارته الشهيرة: “لو أتيح لي امتلاك بيت في هذه المنطقة لحسدني عليه العالم”، مما يضفي على الشجرة بُعدًا ثقافيًا عالميًا.
الدلالة الشعبية:اتخذها أهل المنطقة مجلسًا في “القيظ “، كما هي الحال مع شجرة القباه، مما يشير إلى تقليد اجتماعي أصيل في الجلوس تحت الشجر.
الشجرة في العُرف الشعبي كثيرًا ما ترتبط بـ”البركة” والحكايات، وقد تُعدّ شجرة مقدسة أو مزارًا غير رسمي في بعض البيئات.
خاتمـــــــة:
هذه الأشجارليست مجرد اشجاراً معمّرة في خربة الوهادنة، بل هي “ذكريات حية “، حملتتاريخ المكان وأهله، وشهدت على أجيال متعاقبة. والارتباط بهما يكشف عن علاقة عميقة بين الإنسان والطبيعة في التراث المحلي، حيث الشجرة ظلّ وسكن وذاكرة وملجأ.
ملاحظ: يسمح بالنقل والاقتباس على شرط الإشارة الى المصدر .
المصدركتاب مخطوط بعنوان:
الأسماء الجغرافية ودلالاتها في منطقة خربة الوهادنة/ دراسة تحليلية دلالية
اعداد :
الباحث / محمود حسين الشريدة
الدكتور / معاوية محمود الشريدة