منظومة السلم المجتمعي


د. عزت جرادات

بقلم  /  د. عزت جرادات.

 

  • مما يلفت النظر في حالات العنف المجتمعي التطور النوعي فيها أكثر من الحجم الكمي، فكانت المواقف الشاذة العنيفة تبدأ بالكلمة وتتصاعد للأيدي.. وقلما تصل إلى استخدام الآلات الحادة أو الجارحة مثل ما يعرف بـ (الشبرية) التي كانت تجميلية وليست للاستخدام والأذى.
  • أما التطور النوعي للعنف المجتمعي فهو التفاعل السريع مع الأسلحة النارية لحسم المواقف والتي تنتهي بالقتل أو الإصابة البسيطة أو البليغة.. لينتهي الطرفان: أحدهما مدفوناً أو مصاباً في المستشفى والآخر يتجرع عقوبة فِعلته الشنعاء.. فالطرفان خاسران.
  • ويعزى انتشار مثل هذا العنف في المجتمعات إلى مجموعتيْن من العوامل، ومنظومة اجتماعية ثلاثية، فالمجموعتان هما طبيعة المجتمع، إما المجتمع المتسامح أو المجتمع المتوتّر، فالأول يعبر عن قيم الخير وإعمال العقل والسلوك الديمقراطي، بينما الآخر يحمل قيم الشر والعدوان وغياب العقل، وقد أعجبني ما قاله الشاعر أحمد شوقي عندما كان يجلس في مقهى ونشب الخلاف بين مجموعتيْن أو شخصيْن، فكان تعليقه على الموقف: (شيءٌ ما في أعلى الرأس قد تعطّل).
  • أما المنظومة الإجتماعية الثلاثية، فتَمَثَّل في رأي معظم علماء علم الاجتماع، في السلام مع النفس، أو السلام مع الأسرة والسلام مع المجتمع المحلي أو الكبير:
  • فالسلام مع النفس يمثل نقطة البداية حيث يكون المرء منسجماً مع ذاته، مدركاً لأهدافه في الحياة، متفاعلاً مع الطاقة الإيجابية لديه مما يجعل التفكير الإيجابي مدخلاً لتعامله مع المواقف الحياتية، وموجِّهاً لسلوكه الاجتماعي، فالسلوك الحركي أو اللفظي هو التعبير عن نمط الفكر والتفكير.
  • أما سلام الأسرة فيتعلق بالتوجيه الأسري للأفراد، بدءاً بأسلوب الخطاب أو الحوار العقلي للتعامل مع مشكلة طارئة أو موقف يمتد خارج الأسرة، وانتهاءً بتقبل الرأي الآخر والتصافي فينعكس هذا النمط من التفكير والسلوك الأسري على الحياة المجتمعية التي يمارسها الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية.
  • وأما سلام المجتمع فهو حصيلة العنصرين: سلام النفس وسلام الأسرة، فإذا ما كان إعمال العقل هو المرجعية في اتخاذ المواقف! والسلوك الإيجابي الحضاري هو الطريق إلى التوصل إلى الحلّ السليم واحترام قيمة الإنسان وقيمة الحياة، فإن ذلك هو المدخل لتعزيز مفهوم السلم المجتمعي.
  • وما أحوجنا في ظل الظروف السائدة: كورونا مدمّرة، وضنكاً في سبل المعيشة، واختلال في الحياة اقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً، إلى إعمال العقل بشكل أفضل، ليوجه السلوك الفردي والاجتماعي نحو الإيجابية والتسامح في مختلف المواقف الحياتية، ولا مناص لنا من ذلك، فقد أصبحت أحداث العنف، كمّاً ونوعاً، وهو الأخطر، قضايا مؤرّقة للمجتمع، فغياب المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية وتنظيمات المجتمع المدني الفاعلة عن أدوارها في التوعية المجتمعية لا يعتبر من مقومات المجتمعات المعاصرة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.