من ذاكرة المكان أم طاقه شامة في خد الصخر


الباحث محمود حسين الشريدة

=

بلادي الجميلة ما زالت تخفي في اعماقها الكثير من الكنوز، ومن حبي لتراب وطني أحاول فتح بوابات التاريخ  لتنهال علينا الذكريات المخبئة في طي الزمان ، واليوم اجول في اماكن لي فيها ذكريات قديمة قادتني لها الصدفة ومن غير تخطيط …

الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك 31-3-2023م  ، وبعد ان سمعنا خطبة الجمعة وتحدث بها شيخنا الجليل عن ركن الزكاة وحث المصلين على تادية حقوق الله في اموالهم ، صلينا فرض صلاة الجمعة وانتشرنا في الارض نبتغي من فضل الله ، حضر ولدي ابو زيد واسرتة الصغيرة لنزداد سعادة بالابناء والاحفاد ، وبالرغم من برودة الطقس كان الجو صافي فنشدنا الدفئ صوب الغور وفي الطريق كانت لنا وقفات ، ” وكي لا ننسى ” احدثهم عن مرابع الصبا ايام الزمن الجميل ، فكانت المحطة الاولى خربة صوفره ، والان هي مكورة على ذاتها تدفن تاريخها وتنوح بصمت مثل عجوز فقدت اولادها ، بعد ان كانت تعج بصخب الحياة ، صوت طيور الزاغ  “طائر اسود يشبة الحمام البري إنقرض من المكان “، يوقظ الحراثين والرعاة ، صوت شلال ماء عين صوفره يتردد صداه في عراقها الكبير ، نبات الخبيزة واللوف والدريهمه والنعنع البري يعطر برائحته الزكية فضاء المكان ، اطلال الخرابة بقايا جدران البيوت الكهوف التي آوت كثير ممن عاش فيها .

نتابع المسير ومعي ولدي معاوية وحسين وحفيدي الغالي زيد ، لنقف امام خرابة الخزيمات ، وكانني اشاهد شبحا من بعيد ، يقول لي … انا “الساكونة ”  … انا حارسة المكان … ماذا تفعلون هنا ، وماذا تريدون ، وكاني اقول لها ما دمت حارسة المكان لماذا تسمحين للعابثين في الارض والباحثين عن الكنوز والحالمين بالثراء  والمدمرين للاثار والتراث والجمال ، أن يدمروا أثارنا وتراثنا وتاريخنا … ومرورنا بحذر بين الانقاظ والحفر التي نبشها العابثون ، لنقف على تاريخ صامت لهذه الاطلال … هذه الخربة التي كان لها شأن ونشاط وابداع في زمن مضى ، تبهرك بقايا الشقف الفخارية المتناثرة في كل مكان ، بدقة صُنعها وثبات الوانها ومقاومتها عبر السنين .

نُتابع مسيرنا ونحن نسبح بحمد الله على هذا البساط الاخضر ، والموشى بالوان الزهور الرائعة وبرائحتها الزكية ، لنقف في مكان غير بعيد عن خرابة الخزيمات وعلى طريق صوفره الاغوار … لنقف قريبا من جلمود صخر ، تتجلت به عبقرية المكان والانسان ، لا يبعد عن الطريق اكثر من ثلاثمائة متر … وكم من انسان عبر هذا الطريق راكبا او سائرا على قدمية ولم يعطي هذا المكان اهتمامة …

ومن جديد … ” كي لا ننسى ” … سرنا بحذرعلى الاقدام لنقف امام مقطع صخري املس ذو لون ازرق ، لوحة حرارة الشمس لونه ، حفرت به يد الانسان ماوى يتسع لرجلين جلوسا كما هو بالصورة … لا تتوفر معلومات موثقة عن هذا الاثر غير قليل ممن حفظتة ذاكرة المسنين الذين عاشوا في هذا المكان ، وبعض الحكايات والاساطير ، اطلقوا عليه من قديم الزمان ” ام طاقة ” ، ولا احد يعرف الهدف من حفره في هذا المقطع القاسي ، وهل الهدف من انشاءة  يستحق الجهد الذي بذل في تجهيزه … نعم وبصدق هذا الاثر اعجوبة ، فهو من الداخل يشبة البطيخة المجوفة ، حفر بايدي فائقة المهارة ، إبتداء من فتحة الباب الدائري حتى الفناء الداخلي ، تقف مشدوها امام دقة الحفر …  الجوانب ملساء مستوية والارضية ملساء مستوية أيضا تخلو من اي عيب ، على الرغم من شدة صلابة الصخر ، وكأنك حفرتها باحدث الالات في زماننا …

هذا الاثر الذي ينتصب بكل شموخ في هذا المقطع الصخري … يقف صامتا يحتفظ باسراره واسرار من نحته واستخدمة واقام به ، واسرار من مر عليه … يقف صامتا وشاهدا على تاريخ وحضارة هذه المنطقة … يا ليت اليد التي نحتت كتبت ووثقت هذا الجهد الدقيق الذي صمد وقاوم عاديات الزمان …

وانت تجلس في هذه ” الطاقة ” التي تشبة الشامة في وجنة الحسناء ، بموقعها الذي يرتفع عن الاراضي الزراعية امامها … يخيل لك انها “منطار” لهذه الحقول الواسعة ، والجالس فيها يراقب مباشرة كل حركة امامة ….

فالحقول التي يراقبها الناطور واسعة وتقدر بمآت الدونومات ، فعن يسارك وانت تجلس بها … مرج واسع يسمى الدير الاحمر ، والاوسط خلة البركة ، وعن يمينك الميسر والوقفية ، كلها اراضي زراعية مستويه خصبة ذات اللون الاحمر …

قريبا من أم طاقة خزان ماء واسع ، محفور في تربة بيضاء ، كانت تجلب له ماء عين صوفره بواسطة مواسير فخارية ، وكاتب هذه المقالة شاهد بعضا من هذه المواسير في منطقة صوفره  والتي كانت تصل من العين الى هذا الخزان ، ومنه تروي محاصيلهم الزراعية … وتقول بعض كتب التاريخ أن المماليك زرعوا قصب السكر في منطقة الغور القريبة من هذا المكان .

وقريب من ام طاقة يوجد بعض آثار الدولمان ” بيت الغولة ” في منطقة الدير الاحمر والوقفية وظلت واقفة تتحدى الزمن الى ان عبثت بها يد الانسان للبحث عن مكنوزات اسفلها ، كذلك يوجد حجر البد في الدير الاحمر ، الذي مر عليه عالم الاثار الالماني شوماخر عام 1887م ، وكتب عنه بانه مكسور الى فلقتين ، وكذلك يوجد بعض اثار نحت الانسان في صخور منطقة الدير الاحمر مباشر مقابل أم طاقة ، وربما تكون بقايا معبد قديم …

وقبيل الغروب عدنا محملين بفيض من الذكريات في التاريخ والجغرافيا ، وفي طريق العودة قال لي ولدي معاوية ، الا يستحق هذا الجمال ان يوثق في مقالة يطلع عليها الكثير من الناس ، كُبرت هذه الفكرة في ذهني ، واستجبت لطلب ابي زيد ، من باب … كي لا ننسى … وارجو ان لا اكون قد اطلت عليكم  … ورمضان كريم …

 

الباحث / محمود حسين الشريدة

 

التعليقات

  1. محمود حسين الشريدة يقول

    خالص الشكر والتقدير للاستاذ منذر الزغول عميد وكالة عجلون الاخبارية على حرصة على نشر ما يكتب عن تراب هذا الوطن ، فمن خلالكم نحقق مقولة … كي لا ننسى … تاريخ وتراث مرابعنا وديرتنا … مع خالص المحبة والاحترام والتقدير …

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.