من لاجئة إلى وزيرة لشؤون اللاجئين في ألمانيا!


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم  // مهدي مبارك عبد الله

في الوقت الذي يكابد فيه مئات الآلاف من المهاجرون واللاجئون العرب والمسلمون من مختلف الجنسيات والعرقيات ظروفاً قاسية وتحديات صعبة في البلدان التي يلجؤون إليها خاصة بعد اقرار سياسات التضييق وانتشار خطابات التحريض والكراهية والعنصرية تبدو قصة اللاجئة الشابة الثلاتينية العراقية ( ريم العبلي ) السياسية الألمانية من أصل عراقي والعضو في البوندستاغ ( البرلمان ) عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي

حكاية هذه الشابة الطموحة تبدو وكأنها نقطة مضيئة في هذا السواد الهائل والذي جدد التفاؤل والامل لدى كثيراً من المهاجرين بإمكانية تغير الظروف والاحوال والسعي للوصول الى حياة أفضل خارج اوطانهم المثقلة بنوازع الحروب ومساعي الخراب وحياة الجوع والخوف والفقر والبطالة

تكليف العبلي بمنصب وزيرة الدولة لشؤون الهجرة بالحكومة الألمانية الجديدة بزعامة المستشار الالماني الجديد ( أولاف شولتز ) استرعى انتباه الكثيرين إلى قصة النجاح الملهمة لهذه الشابة التي احتفى بها آلاف العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي فيما تساءل الكثيرون إذا كان تتويجها بهذا المنصب سيؤثر في المستقبل على سياسات الهجرة في ألمانياباعتبارها من أصول عراقية مهاجرة حيث يتطلع الكثيرون اليوم إلى الدور الذي ستضطلع به والتأثير الذي يمكن أن تحرزه في سياسات الهجرة في ألمانيا خاصةٍ في ظل الحملات الأخيرة التي يشنها المعسكر اليميني المتطرف ضد المهاجرين والتحريض الإعلامي المستمر عليهم

بعد تعذيب وقتل جدها في العراق المناضل اليساري العراقي المعروف ( محمد صالح العبلي ) على يد عصابات الحرس القومي فور اعتقاله في عام 1963 هرب والداها الى روسيا من كردستان العراق إثر جريمة الأنفال شأن العديد من العائلات العراقية التي غادرت إلى دول أجنبية أملاً في الظفر بحياة أفضل وظروف معيشية أحسن حيث ولدت ريم عام1990 في موسكو لأبوين ( آشوريين ) من العراق من عائلة سياسية معروفة

كانا يناضلان ضمن حركة الأنصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي وفي عام 1996 سافرت ريم مع والديها الى المانيا وكانت لا تزال في الخامسة من عمرها ودرست العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة ونجحت في تعلُم اللغة الألمانية إلى جانب اللغة العربية والآشورية وتمكنت بذلك من خطِّ مسيرة سياسية ناجحة رغم صغر سنها حيث بدأت نشاطها في الشأن العام عندما كانت في بداية العشرينيات من عمرها

عملت منذ عام 2015 كمفوضة لحكومة ولاية مكلونبورغ – فوربوميرن لشؤون الاندماج نظرا لاهتمامها بقضايا الاندماج وكانت في الأثناء عضواً نشطاً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وترشحت بعد ذلك في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا خلال شهر أيلول من العام الماضي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في دائرة شفيرين – لودفغزلوست – بارخيم شمالي ألمانيا وفازت بـ44,107 من الأصوات في دائرتها في منطقة ليس فيها الكثير من الأجانب أو ذوي أصول مهاجرة أي ما يمثل تقريباً 29,4% من نسب التصويت وتفوقت بذلك على منافسها من الحزب المسيحي الديمقراطي ( ديتريش مونشتادت ) الذي حصل على نسبة 20,7 واللافت كان ان برنامجها الانتخابي لم يكن مقتصرا على قضايا الهجرة فقط وبذلك اكتسحت اغلب النتائج في دائرتها الانتخابية

ورغم أن الحكومات بعض البلدان الأجنبية والأوروبية عادة لا تعين مرشحين من أصول مهاجرة لمنصب وزارة الهجرة والاندماج فقد نجحت العبلي إلى جانب تفوقها الأكاديمي ونشاطها السياسي في سن يافع في الحصول على هذا المركز ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة في ألمانيا

في ظل الظروف الصعبة التي يواجها المهاجرون حول العالم ومن بينهم العراقيون حيث أثار خبر اختيارها لمنصب وزيرة الاندماج والهجرة كأول وزيرة من أصول عراقية فرح العراقيين وتساءل ناشطون في الأثناء على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي عما كان سيكون عليه حال ريم لو أنها بقيت في العراق تواجه ما يواجه الشباب من تلاشي فرص العمل والصراعات والحروب والقمع وانعدام الأمن والاستقرار

هنالك العديد من النماذج البسيطة والمشرقة لعرب ومسلمين وصلوا الى مناصب عليا في مختلف المجالات في دول أوروبا فضلا عن تصاعد نفوذهم السياسي والثقافي رغم الهمجية والعنصرية الشرسة ضدهم في الغرب وأمريكا وجميع أنحاء العالم نذكر منهم

إيجول أوزكان سياسية ألمانية من أصول تركية كانت أول وزيرة مسلمة في تاريخ ألمانيا والمحامي المسلم ذو الأصول الباكستانية صادق خان الذي تمكن من الفوز بمنصب عمدة لندن والسياسية المسلمة ذات الأصول التركية محترم آراس فازت بمنصب رئيسة برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ الالمانية لتصبح أول مسلمة تتولى هذا المنصب وسيفيل شحادة أول رئيسة وزراء رومانية في تاريخ البلاد وأول مسلمة كذلك تشغل منصب الوزارة في الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وخديجة عريب المزدوجة الجنسية بين المغرب وهولندا التي انتخبت اول رئيس للبرلمان الهولندي

وفي شهر كانون الثاني من العام الحالي ترأست نجوى أحمد جويلي المصرية الأصل الإسبانية الجنسية جلسة انتخابات رئاسة مجلس النواب الإسباني باعتبارها أصغر نائبة تفوز بمنصب برلماني عن مقاطعة غيبوثكوا وبأعلى عدد الأصوات وكذلك سوسن شبلي الألمانية من أصول فلسطينية وأول مسلمة بتاريخ ألمانيا تشغل منصب المتحدث الرسمي لوزير الخارجية ونجاة بلقاسم فرنسية من أصول مغربية وزيرة حقوق المرأة والتعليم ورشيدة داتي فرنسية ايضا من أصل مغربي وهي أول وزيرة عربية تتولى حقيبة وزارة العدل بتاريخ فرنسا وسعيدة وارسي بريطانية من أصل باكستاني كانت اول مسلمة تكون وزيرو سواء من الرجال او الاناث وأول مسلم يخدم في مجلس الوزراء في المملكة المتحدة

وعايدة هادزيلك السياسية السويدية من أصل بوسني عينت وزيرة للتعليم الجامعي من قبل مجلس الوزراء في السويد وهادية طاجيك سياسية نرويجية من أصل باكستاني وزيرة الثقافة في النرويج وأيدن أوجوز سياسية ألمانية من أصول تركية ووزيرة الهجرة والسكان في ألمانيا

وأحمد أبوطالب سياسي هولندي من أصل مغربي وزير دولة للشؤون الاجتماعية والعمل في هولندا ونباهت البيرق سياسية هولندية من أصول تركية وزيرة العدل في الحكومة الهولندية ومريم الخمري السياسية الفرنسية من أصول مغربية وزيرة العمل في الحكومة الفرنسية ومليا بوعطية من أصول جزائرية رئيسة الاتحاد الوطني للطلاب في بريطانيا وساجد جافيد الذي تولى منصب وزير الثقافة البريطانى وقبل ذلك وزير للمساواة والمالية وأيدن أوجوز المسلمة من أصول تركية منصب وزيرة الهجرة والسكان فى ألمانيا ولن ننسى تعين الشاب ( عمر حجاوي بريشنير ) ذو الأصول الأردنية وهو ابن طبيب أردني مهاجر اصبح مديرا للمخابرات النمساوية ( جهاز امن الدولة )

و في امريكا صعد الكثير من الامريكيين العرب والمسلمين إلى مواقع السلطة والتأثير في مجالس الولايات والمناصب الرسمية العليا رغم حملات الكراهية وجرائم العداء ضدهم خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر وما تبعها من حرب على الإرهاب حيث سيطرت أجواءً التمييز والخوف والتعصب والمعاملة السيئة وبدأ تصاعد المشاعر المناهضة للمسلمين في امريكا بعدما انتخِبَ دونالد ترامب رئيساً في عام 2016 وفقا لأجندة معادية صراحةً للعرب والمسلمين

عام 2021عام كان مثير للإعجاب بالنسبة للعرب والمسلمين الأمريكيين حيث تولى فيه زاهد قريشي أول قاض بمحكمة فيدرالية ولينا خان رئيسة لمفوضية التجارة الفيدرالية وهما اول مسلمين في هذه المناصب بالإضافة الى ريما دودين لمنصب نائبة مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الأبيض والتي عارض الجمهوريين بشدة تعيينها

كما شهدت المجالس التشريعية في خمس ولايات أداء أول أعضاء مسلمين اليمين فيها وكذلك في ثلاث ولايات اخرى من ضواحي مدينة ديترويت اضافة الى انتخاب أول عمداء مسلمين لها وتعين فريق كرة القدم الأمريكية نيو يورك جيتس ( روبرت صالح ) ليكون أول مدير فني مسلم لأي فريق رياضي أمريكي محترف

وقد تم ترشيح ( ريز أحمد نجم ) كأول مسلم للحصول على جائزة فيلم الأوسكار ( ذي ساوند اوف ميتال ) لأفضل ممثل كما قدم لأول مرة عرض مسرحي لكوميديا الموقف ( سيتكوم ) التي يتولى فيها دور الشخصية الرئيسية كشخص مسلم

وبحكم ودافع قدرات الموسيقي المسلم المحافظ ( زهدي جاسر ) من مدينة فينيكس الأمريكية عيَنه السيناتور الجمهوري ( ميتش ماكونيل ) في اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية عام 2012 وفي عام 2018 حاز ( عمر قدرات ) من ولاية كاليفورنيا كأول مسلم على ترشيح الحزب الجمهوري ( الذي يصنف بعداءه للمسلمين ) لمقعد في الكونغرس ( خسر بفارق 23% من الأصوات )

في المحصلة ان وجود المزيد من العرب والمسلمين في أروقة السلطة الامريكية ( اربعة مسلمين في الكونغرس الأمريكي ديمقراطيين تقدميين ) والعديد في المجالس التشريعية في بعض الولايات غير مجرى الاحداث فعلى سبيل المثال حين شنت إسرائيل حرباً على الفلسطينيين بقطاع غزة في أيار الماضي عبر العديد من القادة الديمقراطيين في واشنطن عن القلق بشأن رد فعل إسرائيل العدواني ومحنة الفلسطينيين وهذا يعود جزئياً إلى نشاط النائبتان إلهان عمر ورشيدة طليب

واخيرا يبقى السؤال المتكرر والمؤلم دائما لماذا ابناء وبنات العرب والمسلمين في اوروبا وامريكا يبدعون ويصلون الى اعلى المراتب والمواقع وتؤخذ قدراتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم على محمل الجد في حين لو بقوا في اوطانهم لن ينالوا حظا ولو يسيرا من العدالة والاهتمام والتقدير وربما لا يجدون التوظيف بتاتا في حين ان ابناء المتنفذين من الحيتان عابروا وورثة المناصب بدون وجه حق ويتمتعون برغد العيش والرواتب الفلكية وفخامة الالقاب على حساب اولئك الذين يضطرون لمغادرة بلدانهم قسرا بحثا عن الحق والعدالة وفرصة العمل والعيش الكريم والحرية والكرامة في ظل انعدام العدالة الاجتماعية في اوطانهم وعند الله تلتقي الخصومmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.