هل الدولة المدنيَّة تُشكّل أحزابها السياسية؟


الدكتور رشيد عبّاس

بقلم / الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس

طرح الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس سؤالاً محورياً جاء فيه: هل الدولة المدنيَّة تُشكّل أحزابها السياسية؟ وقبل أن يخوض أي منا في حيثيات هذا السؤال ينبغي أن يمتلك ثقافة واسعة في مفهوم الدولة المدنيَّة, وفي مفهوم الحزب السياسي, ويمكن لنا توسعة هذا السؤال ليأخذ الشكل الاتي: هل يمكن للدولة المدنيَّة القائمة على المواطنة وسيادة القانون إيجاد مجموعة من الأفراد يمتلكون أهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام ويهدفون الى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم في المناصب التمثيلية؟
وأضاف عبّاس أن الدولة المدنيَّة معنية بشكل مباشر بتحليل واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبشكل منهجي بين الفينة والأخرى, ومن ثم إجراء حوارات ونقاشات مجتمعية عامة حول نتائج ذلك التحليل ليتمخض عن ذلك مجموعات من أفراد المجتمع وأطيافه يمتلكون رؤى سياسية متشابهة (مع/ ضد) حول الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة.
وأكد الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس أن هناك كثير من الدول في هذا العالم هي التي شكّلت أحزابها السياسة بشقيها الموالية والمعارضة للدولية, وذلك لروية الوجه الآخر للسياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ومن ثم إعادة بناء تلك السياسات, فالأحزاب الموالية قد تُمرر سياسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, في حين أن الأحزاب المعارضة قد تعيد بناء سياسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جديد لتواكب مستجدات العصر ومتطلباته.
ونوّه عبّاس إلى أن الدولة المدنيَّة حين تُشكّل أحزابها السياسية بشقيها الموالية والمعارضة وتدعمها, فإنها تكون أمام برامج سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة ومتنوعة ومتكاملة ممثلة لجميع مكونات وفئات وطبقات المجتمع المحلي, كيف لا وكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة المدنيَّة يتم الكشف المبكر عنها من خلال الأحزاب المعارضة.
أن أحزاب المعارضة في الدولة المدنيَّة لا تعني إطلاقا انها معرقلة لبرامج التنمية, أو أنها معيقة لخطط الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة, إنما تعني أنها داعمة لخطط وبرامج التنمية وذلك من خلال النقد البنّاء, وطرح البدائل الأخرى, واستشعار مكامن التحديات التي قد تواجه تلك المشاريع التنموية, ووضع إشارات استفهام وتعجب على البرامج والخطط الغامضة والتي تحتاج إلى مزيد من التوضيح, ومن ثم تقديم حلول ناجعة.
وأشار الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس أنه حين تُشكّل الدولة المدنيَّة أحزابها السياسية بشقيها الموالية والمعارضة وتدعمهما فإنها دون أدني شك ستطمئن الدولة على مشاركة كل منهما الإيجابية لسياسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وتعمل على خلق مناخات تنافسية بينهما, فقبول الرأي والرأي الاخر هو من أهم ركائز الدولة المدنيَّة التي تسعى لتعزيز مبدأ المواطنة وسيادة القانون.
وختم عبّاس قوله: أن في الدولة المدنيَّة لا يوجد أحزاب موالية للأبد, وفي المقابل لا يوجد أحزاب معارضة للأبد, فقد تتغير مواقف تلك الاحزاب حسب طبيعة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة, وحسب ظروف وطبيعة وخصائص المجتمع الذي يقف خلف تلك التحديات, ويمكن التأكيد هنا أن الدولة المدنيَّة معنية بتكوين ثقافة وازنة لدى أفراد المجتمع تجاه الأحزاب السياسية بشقيها الموالية والمعارضة, وذلك من خلال برامج مؤتمتة للأجيال الصاعدة تبدأ بالأسرة وتنتهي بالجامعة مروراً بالمدرسة, مع الإشارة إلى أن أحزاب المعارضة هي جزء لا يتجزأ من الدولة المدنيَّة من منطلق احترام الرأي والرأي الاخر.
دمتم بخير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.